المنفي في لقائه مع غوتيريس: جاهزون لإنجاز "قاعدة دستورية" إذا استمرت حالة عدم التوافق
جدد رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، خلال لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس استعداده للتعاون من أجل "إنجاز القاعدة الدستورية" في حال عدم توافق الأطراف الليبية على ذلك.
جاء ذلك أثناء بحث الطرفين آخر تطورات الأوضاع في ليبيا، خلال لقائهما اليوم الثلاثاء في نيويورك، على هامش انعقاد أعمال الدورة العادية الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وبحسب مكتب الإعلام بالمجلس الرئاسي، فقد أكد الأمين العام خلال اللقاء، على "اهتمامه الكبير بالملف الليبي، ودعمه الكامل لجهود المجلس الرئاسي في تحقيق الاستقرار اللازم لإنجاز الاستحقاق الانتخابي".
وليست تصريحات المنفي جديدة، فقد سبقها تلويح له بالتدخل "في حال فشل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في إقرار قاعدة دستورية، وعجز السلطة التشريعية عن تحديد روزنامة واضحة للانتخابات"، بحسب تصريح صحافي له الشهر الماضي.
وقبل عشرة أيام، وأثناء لقائه أعيانا وحكماء وشبابا من إقليم برقة في شرق البلاد الذي ينتمي له المنفي، أكد الأخير أن المجلس الرئاسي "مستعدّ لإنتاج قاعدة دستورية إذا استمر عدم التوافق بين المجلسين"، مشيرا إلى أن الرئاسي "أكثر طرف يدعم الانتخابات، وأنه مستعد لأي خطوة تذهب بالبلاد نحوها".
ولمّح المنفي، في ذات اللقاء مع أعيان برقة، كذلك إلى "قدرة الرئاسي على استخدام سلطته السيادية والتدخل لإعلان جدول زمني واضح للعملية الانتخابية، وفقاً للصلاحيات الممنوحة له"، على حد قوله، وذلك في حال استمرّ ما وصفه بـ"التمديد والتمطيط في المراحل الانتقالية دون الوصول إلى حل".
ولم يوضح المنفي طبيعة تدخلّه، وما إذا كان سيلجأ إلى تجميد عمل كافة الأجسام السياسية الحالية وتشكيل حكومة مصغرّة والدعوة لإجراء انتخابات.
وكانت احتجاجات شعبية اجتاحت أغلب المدن الليبية في شرق وغرب وجنوب البلاد في يوليو/تموز الماضي قد طالبت الرئاسي بالتدخل، وإسقاط المجلسين، والدفع نحو الانتخابات.
ولم يصدر أي تعليق على تصريحات المنفي من قبل رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، أما رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، فقد أكد في معرض رده على ما وصفه بـ"عدم أحقية المجلس الرئاسي في وضع قاعدة دستورية انتخابية".
وخلال جلسة برلمانية الخميس الماضي، اتهم صالح المجلس الرئاسي بالانحياز لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، وعدم الالتفات لمنح الثقة للحكومة الجديدة، في إشارة لحكومة باشاغا.
وفشل الليبيون في إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية كانت مقررة نهاية العام الماضي، بسبب عدم التوافق على قوانينها.
تكهنات عديدة حول تصريحات لصالح
وخلال الأشهر التسعة اللاحقة، لم ينجح مجلسا النواب والدولة في التوافق على قاعدة دستورية انتخابية بعد عدة اجتماعات للجنة مشتركة بينهما، تلاها اجتماعات لرئيسي المجلسين، وذلك بسبب خلافات حول شروط الترشح للرئاسة، وخاصة ما يخص ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية.
وفي جلسة النواب الخميس الماضي، أكد صالح اتفاقه مع المشري، على "استبعاد شروط الترشح للرئاسة من القاعدة الدستورية، باستثناء ما يخص أن يكون المترشح ليبيا من أبوين ليبيين، وترك هذه المسألة للجسم التشريعي الجديد".
ودون أن يضيف أي تفاصيل، ودون تعليق من المشري الذي طال عدم ظهوره هذه المرة، الأمر الذي فتح الباب لتكهنات عديدة حول مقصد صالح من تصريحاته الأخيرة، تراوحت بين احتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية والتعجيل بالبرلمانية، أو إلغاء كل اشتراطات الترشح للرئاسة، باستثناء أن يكون المترشح ليبيا من أبوين ليبيين، الأمر الذي يلقى قبولا لدى داعمي ترشح اللواء، خليفة حفتر، في شرق البلاد، ورفضا واسعا في غربها.
ويرى المحلل السياسي مروان ذويب، أن تصريح عقيلة عبارة عن "مناورة يرغب منها قطع الطريق أمام أي مبادرة تخرج شأن الانتخابات من هيمنة مجلس النواب، الذي يهيمن عليه عقيلة بدوره".
وأضاف ذويب، في تصريح لـ"ألعربي الجديد": "عقيلة صالح يهدف من وراء كل ذلك إلى تعطيل الانتخابات، يتواطأ معه المشري في ذلك، بالتصريح أحيانا، والصمت في أوقات أخرى، رغبة منهما في عدم ترك منصبيهما قبل ضمان منصبين جديدين".
وفي منظور ذويب، فإن الرجلين يتطلعان لـ"مناصب تنفيذية" هذه المرة، حيث "يرغب صالح في رئاسة المجلس الرئاسي"، وقد ترشح لهذا المنصب سابقا وخسره لصالح المنفي، فيما يصبو المشري لـ"رئاسة الحكومة". ويعتقد ذويب أن "هذا ما يدفع المشري للمطالبة بإسقاط الحكومتين، وتشكيل حكومة مصغرة".
ويكمل ذويب: "سياسة الرجلين هي السعي وراء ضمانات لنيل المناصب، أو بقاء الأمر على ما هو عليه، وهذا ما دفع الملف الليبي إلى المراوحة، ومن ثم الانسداد السياسي، خاصة مع تأكد صالح والمشري من عدم قدرتهما على النجاح في أي انتخابات قادمة من ناحية، وإصرار كل الشخصيات الجدلية على خوض الانتخابات الرئاسية من ناحية أخرى، وفي مقدمتها، خليفة حفتر، وسيف الإسلام معمر القذافي، وعبد الحميد الدبيبة".
تحريك الركود في الملف الليبي
من جهة أخرى، يرى الناشط السياسي خميس الرابطي أن "أي جديد في الملف السياسي مرهون بالسياسة التي سينتهجها المبعوث الأممي الجديد عبدالله باثيلي، وكذلك مدى تدخل الدول الكبرى والمتشابكة مع الملف الليبي في عمل البعثة، وتوجيهها لفرقاء السياسة".
ويقول الرابطي لـ"العربي الجديد": "رؤية باثيلي لم تتضح بعد، ولعله مازال يدرس الملف لبحث مخرج، أما الدول المتشابكة فمواقفها واضحة، رغم تصريحاتها الدبلوماسية".
وبمزيد من التفسير، يقول الرابطي: "بالنسبة لمصر، فهي غير مستعدة للتفريط في معسكر شرق ليبيا، إلا بضمان استمرار تلك السيطرة بعد إجراء الانتخابات، ولهذا هي تظهر رفضها لحكومة الدبيبة الطرف المنافس لشخصيات الشرق الليبي".
وأضاف: "أما تركيا، ورغم ظاهر موقفها الموازن إلى حد ما بين الطرفين، ورغم أنها نجحت في دفع صالح لزيارتها ولقاء رئيسها، فمازالت تخشى على مصالحها في ليبيا، خاصة ما يخص اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي أجرتها مع حكومة الوفاق سابقا، بالإضافة لتسهيل عمل شركاتها في ليبيا، ولعل هذه هي الرسالة التي حملها صالح معه لطمأنة تركيا حول استمرار الاتفاقية، خاصة بعد التصريحات الإيجابية لمسؤولين ونواب من شرق ليبيا حول الجدوى الاقتصادية للاتفاقية، إضافة لعدم تعارضها مع المصالح المصرية".
وبالنسبة للموقف الغربي، يرى الرابطي أن "مصلحة الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي في تحقيق استقرار بليبيا مركزية في صنع القرار، وتدفع للشروع في مسح آثار الأقدام الروسية التي بدأت تزحف لشمال أفريقيا عبر ليبيا، من خلال مجموعات فاغنر الموجودة في وسط وشرق وجنوب البلاد، بمعية حفتر".
ولهذا يعتقد الرابطي أن كل هذا التدافع الداخلي والخارجي، في اتجاهات متقابلة، وبقوى شبه متساوية "سيؤدي للمزيد من مراوحة الملف الليبي والانتخابات المؤجلة". ويضيف: "لن يحرك هذا الركود للأمام أو الخلف إلا حدث كبير، مثل إنهاء الصراع الأميركي الروسي لصالح أحد الطرفين، بالإضافة لاستمرار التقارب التركي المصري الخليجي".