تعيد المواقف السياسية التي أعلنها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وتصريحاته الأخيرة بشأن الأزمة السياسية في تونس، طرح تساؤلات عديدة عن الخلفيات التي يتأسس عليها الموقف الجزائري من الوضع في جارته الشرقية، وطبيعة التغيير الحاصل في موقف الجزائر من بعض القوى التونسية التي كانت تُعَدّ مقربة منها، كحركة النهضة.
وكان تبون قد جدد، في حوار تلفزيوني مع قناة "الجزيرة" نُشر اليوم الخميس، الحديث عن مخاوف جزائرية من انهيار الوضع في تونس، وأعطى صبغة أمنية للمخاوف من تكرار تجارب انهيار أخرى حدثت في الجوار، وقال: "الجزائر تدعم تونس كدولة وشعب، ولن نسمح لتونس بأن تنهار، تونس امتداد أمني للجزائر، والجزائر امتداد أمني لتونس"، وحذر القوى التونسية من الانجرار إلى "الضغوط التي تأتي من الخارج، والتي فيها الكثير من الخبث وتزعزع استقرار البلاد مثلما رأينا في دول أخرى".
ويبرز في السياق تلميح واضح من قبل تبون إلى مخاوف الجزائر من تكرار حالات انهيار سياسي ومجتمعي ولمؤسسات الدولة، وقعت في دول مثل ليبيا ومالي، وسببت أزمات أمنية خطيرة شملت تداعياتها الجزائر، سواء على الصعيد الأمني أو على الصعيد الاجتماعي من حيث تدفق المهاجرين، وهو وضع تحاول الجزائر استباقه لمنع وقوعه في تونس.
ويعتقد محللون أن تصريحات تبون حول تونس تطرح بحدة وجود مخاوف جزائرية، بشأن مسألة انهيار الدولة في تونس، وتبعات ذلك على الجزائر بحكم الجوار الجغرافي، وهو ما تبدو بعض بوادره في تدفق الآلاف من التونسيين إلى المدن الجزائرية الحدودية للتزود بالمواد التموينية.
وقال المحلل السياسي والدبلوماسي الجزائري السابق علي بن حديد، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك شعوراً في الجزائر بوجود مخاطر جدية وحقيقية على استقرار تونس، وبالمعنى الأمني يمكن فهم المخاوف الجزائرية على أنها مخاوف استباقية تأخذ بالاعتبار التبعات الممكن حصولها على الجزائر، لقد شهدنا خلال العقد الماضي كيف تعقدت المسألة الأمنية على الحدود بين البلدين بسبب نشاط الجماعات الارهابية، نتيجة الفوضى السياسية التي حصلت في البلاد عام 2013 خاصة".
وأضاف بن حديد أنه "بغض النظر عما إذا كانت المخاوف الجزائرية واقعية أو لا، فإن الجزائر تشعر بأن التجربة السابقة في تونس لم تؤد إلى تحقيق استقرار سياسي يطمئن الجزائر على حدودها الشرقية، خصوصاً بسبب توزع السلط في تونس، بين الرئاسة والبرلمان والحكومة، ولهذا تبرز حماسة الجزائر لنجاح قيس سعيّد في إعادة مركزية السلطة إلى الرئاسة".
لكن أبرز مؤشر في تصريحات تبون بشأن تونس أيضاً هو هذا التحول اللافت لموقف الجزائر من قوى تونسية كانت تعد إلى وقت مقربة من الجزائر، ولها حظوة سياسية لدى السلطة السياسية في الجزائر، مثل حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي، الذي سبق أن استُقبل في مقر الرئاسة الجزائرية من قبل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لأكثر من مرة منذ عام 2014.
ويعطي هذا التحول مؤشرين أساسيين: الأول أن الجزائر كانت تتعامل مع واقع تونسي تلعب فيه حركة النهضة مركز الثقل دون أن تتقاسم مع النهضة أية تقاطعات سياسية، لكنها تبدو الآن أكثر رغبة في التعامل مع المؤسسة الرسمية وفقاً لتغير مركز الثقل السياسي الذي أصبحت تمثله الرئاسة في تونس، وهو ما يُفهم من التصريحات الأخيرة لتبون، التي قال فيها رداً على امتعاض قوى سياسية تونسية من الموقف الجزائري، الذي يوصف بأنه داعم للرئيس قيس سعيّد: "إذا كانت هذه الأطراف هي التي أعرفها، فمن الطبيعي أن تمتعض، هي لا تريد الاستقرار لتونس، بينما نحن نريد الاستقرار لتونس، واللعبة السياسية الداخلية قضية داخلية تخص التونسيين، ولا تهمنا نحن في الجزائر".
وفي السياق، يؤكد المحلل السياسي المتابع للعلاقات الجزائرية التونسية، جمال هديري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اعتقاده بأن "الجزائر تتعامل مع الملف التونسي بحذر كبير، بحيث لا يُفسر أي موقف منها على أنه تدخل في الشأن الداخلي، لكن من الواضح أن السلطة الجزائرية وضعت سقف تعاملها في تونس مع المؤسسة الرسمية التي تمثل الدولة، ومع طرف ثانٍ فقط هو اتحاد الشغل كمنظمة وطنية، ولاعتبارات تاريخية تخص علاقة الاتحاد بثورة الجزائر، حيث كان قد استقبل الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي أكثر من مرة في الجزائر".
وأضاف هديري أن "هذا ما يفسر تحفظ الجزائر عن التعامل في هذه المرحلة مع أي طرف سياسي في تونس، لكي لا تعطي أي انطباع بتدخلها في الشأن الداخلي، ولمنع أي طرف تونسي من الاستقواء بها، خصوصاً على المؤسسة الرسمية، وأعتقد أن هذا النهج سيحكم التعامل الجزائري مع المشهد التونسي في الفترة المقبلة".