أحدثت الانتخابات النيابية في لبنان جملة مفاجآت اعتُبِرت خارج التوقعات الإحصائية، مع أنباء عن سقوط شخصيات سياسية وازنة على رأسها رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" بزعامة طلال أرسلان المدعوم من "حزب الله"، ونائب رئيس البرلمان إيلي فرزلي، في حين تمكّن رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع من انتزاع الأكثرية النيابية من غريمه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل (صهر الرئيس ميشال عون) الذي نجا بمقعده النيابي في البترون شمالاً وحلّ ثانياً عليه، بينما استطاع مرشحون عن المجموعات المدنية المستقلة حصد مقاعد برلمانية في دوائر حزبية كانت تُعتَبر عصيّة على الخرق.
ويظهر تبعاً للمشهدية هذه أن الانتخابات التي يمكن عنونتها بمعركة الأحجام والمخالفات الفاضحة والتهديدات والضغوطات، قد أفرزت ميزان قوى جديداً على الساحة السياسية غائبه الأبرز "تيار المستقبل" بزعامة سعد الحريري.
وتبقى هذه النتائج مبنية على أرقام غير نهائية وغير رسمية صادرة عن الماكينات الانتخابية التابعة للأحزاب السياسية والقوى المدنية، إذ لم تصدر وزارة الداخلية أي أرقام رسمية بعد، ما عدا نسبة تقريبية للاقتراع بلغت نحو 41.04% التي تعد متدنية جداً مقارنة بدورة عام 2018 النيابية التي سجلت 49.68%، كما لم تحسم بعد أصوات المغتربين.
وأتت نسبة الاقتراع مخيّبة للآمال، باعتبار أن انتخابات عام 2022 أجريت بعد العديد من المحطات الأساسية في تاريخ لبنان خصوصاً على صعيد انتفاضة 17 تشرين، وانفجار مرفأ بيروت، والانهيار الاقتصادي والنقدي وتدهور قيمة العملة الوطنية، مع الإشارة إلى أن نسبة الاقتراع المتدنية بحسب مطلعين على الأجواء الانتخابية أثرت كثيراً في النتائج وأربكت أحزاب السلطة وصبّت في صالح مجموعات مدنية وأحزاب سياسية تدور في فلك المعارضة عدا عن أصوات المغتربين التي قالت كلمتها في الاستحقاق، إلى جانب عدم مشاركة "تيار المستقبل" بالعملية الانتخابية وضبابية أصوات الناخبين السُنة الذين كانت لهم مشاركة لافتة في الدوائر التي ينتشرون فيها، توحي بخرق جدي للمقاطعة.
وبحسب النتائج الأولية، فقد خسر أرسلان مقعده النيابي أمام المرشح عن المقعد الدرزي في دائرة جبل لبنان الرابعة عاليه مارك ضو المنضوي في لائحة "توحدنا للتغيير" التي تمثل المجتمع المدني، مع الإشارة إلى أن السياسي الدرزي البارز طلال أرسلان كان انتخب عضواً في البرلمان عام 1992 وأعيد انتخابه لدورات 1996، 2000، و2009، و2018، باستثناء عام 2005 الذي خسر فيه مقعده حينها.
بدورها، أعلنت ماكينة "القوات اللبنانية" الانتخابية، أن الحزب حصد 20 حاصلاً حتى الساعة، وتوزعت مقاعده كالآتي: دائرة الشمال الأولى – عكار حاصل، دائرة الشمال الثانية (طرابلس المنية الضنية) حاصلان، دائرة الشمال الثالثة (بشري – الكورة – البترون – زغرتا) 4 حواصل، دائرة جبل لبنان الأولى (كسروان – جبيل) حاصلان، دائرة جبل لبنان الثانية (المتن) حاصلان، دائرة جبل لبنان الثالثة (بعبدا) حاصل، دائرة جبل لبنان الرابعة (الشوف - عاليه) حاصلان، دائرة بيروت الأولى (الأشرفية – الرميل – الصيفي – المدور) حاصلان، دائرة البقاع الأولى (زحلة) حاصلان، دائرة البقاع الثالثة (بعلبك الهرمل) حاصل، ودائرة الجنوب الأولى (صيدا – جزين) حاصل.
وتمكّنت "القوات" من انتزاع مقعد مهم في جزين، في حين تحدثت المعلومات الأولية عن احتمال سقوط "التيار الوطني الحرّ" في هذه المنطقة التي تعدّ من أبرز معاقله وكان ممثلاً فيها بمقعدين نيابيين، بيد أن خلافات كثيرة حصلت ضمن لائحة التيار وبين مرشحيه قد تكون ساهمت في خسارتها على رأسهم أمل أبو زيد وزياد أسود النائب عن المدينة منذ عام 2009، إذ كانت خلافاتهما علنية، مع الإشارة إلى أن النتائج لم تحسم بعد لكن هناك تقدماً في جزين للمرشح إبراهيم عازار المدعوم من رئيس البرلمان نبيه بري، وغادة أيوب مرشحة القوات، وفي صيدا لعبد الرحمن البزري وأسامة سعد عن لائحة "ننتخب للتغيير"، مع تسجيل غياب هو الأول لبهية الحريري عمّة سعد عن المشهد النيابي الصيداوي.
وبحسب أرقام أولية، فقد أحرز الثنائي "حزب الله"، و"حركة أمل" تقدماً في دائرة الجنوب الثانية، أحد معاقلهما، لكن المجموعات المدنية قد تكون أحدثت خرقاً هو الأول من نوعه في عقر دار "حزب الله" في دائرة الجنوب الثالثة، وذلك لصالح المرشح عن المقعد الأرثوذكسي في حاصبيا مرجعيون الياس جرادي بوجه النائب عن "الحزب السوري القومي الاجتماعي" أسعد حردان، في حين تمكن نائب "القوات" أنطوان حبشي وبعد معركة شرسة ونهار تخلله الكثير من الإشكالات والضغوطات والمخالفات من انتزاع المقعد الماروني وإحداث خرق في دائرة بعلبك الهرمل التي كان يريد الحزب الاستحواذ عليها كلها، خصوصاً لما تمثله من أهمية عسكرية وأمنية واستراتيجية لعملياته.
كذلك، أفادت معلومات عن تمكن لائحة الوزير السابق الخارج عن عباءة "تيار المستقبل" أشرف ريفي بالتحالف مع "القوات" ونائب المستقبل السابق عثمان علم الدين من تأمين 3 حواصل علماً أن ريفي كان خسر معركة عام 2018، فيما حازت لائحة فيصل كرامي التي يتحالف فيها مع جهاد الصمد على حاصلين، وحصلت شخصيات محسوبة سابقاً على "تيار المستقبل" وتضم بشكل خاص مصطفى علوش وسامي فتفت على حاصل واحد، فيما حصلت اللائحة المدعومة من رئيس الوزراء نجيب ميقاتي على حاصلين.
ميقاتي يتابع مجريات عمليات فرز الأصوات
من جهة أخرى، يتابع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي من مكتبه في السراي الحكومي مجريات عمليات فرز الأصوات للانتخابات النيابية مع وزيري الداخلية والبلديات بسام مولوي والعدل هنري خوري.
وتبلغ ميقاتي أن "عمليات فرز الأصوات وجمع النتائج مستمرة بشكل متواصل من دون حصول أي إشكالات، وأن عمليات فرز أصوات الذين اقترعوا بالأمس وأصوات المقترعين في الخارج في آن معاً تشكل ضغطاً إضافياً على الجهاز الإداري الذي يتولى العملية وعلى لجان القيد".
وأشار إلى أن "الحكومة نجحت في إنجاز هذا الاستحقاق بجدارة رغم حدة الانقسام السياسي الحاد والتشنج الذي كان سائداً"، مشدداً على أن "بعض الشوائب والتجاوزات التي حصلت خلال اليوم الانتخابي أمكنت معالجتها بالقانون وبالسياسة أيضاً، لأن الحكمة كانت تتطلب الكثير من الدراية حتى لا يؤثر أي أمر على مسار الانتخابات أو يعطلها".
"لادي": ضغوط سياسية ومخالفات فاضحة وضعف في تنظيم الانتخابات
إلى ذلك، توقفت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات، عند شوائب بالجملة اعترت الاستحقاق الانتخابي ومخالفات فاضحة وترهيب وضغوطات مارستها جهات سياسية عدّة في ظل تراخٍ واضحٍ في تطبيق القانون من جانب وزارة الداخلية والبلديات.
وقالت "لادي" إن رصد وتوثيق طيلة اليوم الانتخابي الطويل جاء مخيباً للآمال؛ لا بل يفرّغ جوهر العملية الديمقراطية من معناه.
وأضافت "إذا كانت السلطة السياسية والجهة المعنية بتنظيم الانتخابات وإدارتها اعتبرت أنّ مجرّد حصول هذه الانتخابات هو إنجاز بحد ذاته، إلا أنّ حجم الانتهاكات والمخالفات التي تمّ توثيقها في المرحلة الأخيرة لا يعكس على الأرض صفة الإنجاز على الإطلاق".
وللدلالة على ذلك، تتوقف "لادي" عند أخطر المخالفات والانتهاكات، منها التعرّض لمراقبي ومراقبات الجمعية بالتهديد والضرب والضغط والمرافقة من قبل مندوبي العديد من الأحزاب ذات السطوة في مختلف الدوائر، وخصوصاً تلك التي يوجد فيها مرشحو "حزب الله"، و"حركة أمل"، ما اضطر "لادي" إلى سحب مراقبيها من بعض المراكز الانتخابية ضماناً لسلامتهم الشخصية.
وسجلت الجمعية في هذا السياق، تراخي وزارة الداخلية والبلديات في تطبيق القانون من خلال عدم ردع الاعتداءات على مراقبيها، فضلاً عن الاعتداءات على المرشحين واللوائح، وقد طالبت الجمعية وزارة الداخلية أكثر من مرّة بتأمين سلامة مراقبيها، وكذلك سلامة الناخبين والمندوبين، وخصوصاً في الحالات التي تطوّر فيها الأمر إلى إشكالات أمنية، ولكن من دون أن تلقى التجاوب المناسب.
تستمر عملية فرز الأصوات والإعلان عن نتائج أولية من جانب ماكينات الأحزاب والمجموعات المدنية في ظل عدم صدور أي إعلان بعد من قبل وزارة الداخلية والبلديات
وتحدثت "لادي" في تقريرها الصادر اليوم الإثنين عن مخالفات فاضحة لسرية الاقتراع في معظم الدوائر مع تسجيل دعاية انتخابية مكثفة، وضغوط على الناخبين الذين لاحقهم مندوبو العديد من الأحزاب منذ لحظة وصولهم إلى مراكز الاقتراع، وقاموا بتوجيههم، كما سُجّلت مئات من حالات المرافقة إلى خلف العازل، إضافةً إلى خروقات فاضحة للصمت الانتخابي.
وخلال الفرز في الأقلام، تقول الجمعية "استمرّت المخالفات على نطاق واسع، مع تدخّل المندوبين بشكل فاضح في العملية، وقد انتشرت فيديوهات توثّق بعض الممارسات المثيرة للجدل، والتي يمكن أن تشكّل مادة للطعن بالانتخابات، في ظلّ فوضى عارمة سُجّلت، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي في بعض المراكز رغم الوعود المسبقة من جانب السلطات المعنية بتأمين التيار من دون انقطاع طيلة فترة الليل".
تداول أنباء عن محاولات السلطة السياسية التلاعب بالنتيجة والتزوير بهدف إيصال مرشحيها وخصوصاً نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي
هذا وسجلت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات، ضعفاً في تنظيم العملية الانتخابية، وانتهاكات على مستوى الزبائنية السياسية أو الخطاب السياسي التحريضي والطائفي، فضلاً عن استخدام النفوذ من جانب العديد من الجهات السياسية والرسمية والسلطات المحلية والتحريض على العديد من المرشحين طوال فترة الحملات الانتخابية مروراً بيوم الانتخابات أمس الاحد.
وتستمر عملية فرز الأصوات والإعلان عن نتائج أولية من جانب ماكينات الأحزاب والمجموعات المدنية في ظل عدم صدور أي إعلان بعد من قبل وزارة الداخلية والبلديات، وسط أنباء تتحدث عن محاولات تقوم بها السلطة السياسية للتلاعب بالنتيجة والتزوير بهدف إيصال مرشحيها وخصوصاً نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي الذي كانت قد تأكدت خسارته قبل أن تتردد معلومات عن تدخلات لإنجاحه.
كما حصل خرق ثانٍ "تاريخي" في دائرة الجنوب الثالثة أدى إلى خسارة المصرفي على لائحة الثنائي "حزب الله"، و"حركة أمل" مروان خير الدين أمام المرشح عن المقعد الدرزي فراس حمدان الذي كان تعرّض من قبل مناصري الثنائي لحملة تشويه سمعة وتخوين واتهام بالعمالة وتركيب صور له.
وأكد حمدان في تغريدة له أن ماكينة لائحة "معاً نحو التغيير" تمكنت من تأمين الحاصل الثاني، محذراً من أي عملية تلاعب أو محاولات تزوير تقوم بها أحزاب السلطة بهدف تغيير نتائج الانتخابات في هذه الدائرة.