المآل نفسه والنتيجة واحدة، وفي كل التجارب على اختلاف تفاصيلها ومعطياتها، كلّما تمسك العسكر بالسلطة وأصروا على أداء الدور المركزي في إدارة دفة الحكم، كلما كانت النهايات محمولة على اثنين لا ثالث لهما: إما احتراب يقوّض أساسات السلم الأهلي، وإما خراب وهشاشة في السيادة والاقتصاد وخصاصة اجتماعية منتجة لكل مظاهر المجتمعات الفاشلة.
إلى أن يثبت العكس، والأمثلة قائمة على مد الخريطة العربية، ما من بلد أحاط فيه العسكر بالسلطة واستولوا على القرار والخيار، في لحظات حرجة من تشكل الدولة الوطنية أو في غفلة من التاريخ، إلا وانكسرت تطلعات الشعوب وضاعت طموحاتها في الحرية والخبز، وفي الديمقراطية والتنمية، وفي الأمن والعيش الكريم، وفي الصحة والتعليم، وفي السكن والعمل، وفي صيانة التاريخ وصياغة المستقبل، على وجه يليق بكم الثروات التي تحوزها هذه البلدان.
المعضلة الكبرى أن العسكر في هذه البلدان العربية التي لا تعرف إطعاماً من جوع، ولا أمناً من خوف، حتى وإن خَلَعَ بعضهم البزة أو اتخذ تمظهرات مدنية، لا مشكلة لديهم في أن يتهاوى السلم الأهلي الداخلي، ويتعمق الانقسام المجتمعي والتلاعب بالهويات الثقافية والقبلية، بما يخلفه من مآس وخسائر، إذا كان ذلك ثمناً للحفاظ على السلطة والنفوذ.
بل لن يكون صعباً على النخب العسكرية إيجاد المبررات التي تصوغ لهم ذلك، تفاعلاً مع العامل الخارجي الذي تتغذى مصالحه من استمرار العطب وتخليق الأزمات في هذه الدول الحيوية في المنطقة العربية.
حتى مع التداول والانتقال إلى أجيال حديثة من النخب العسكرية، أكثر حداثة في تكوينها المعرفي والثقافي، إلا أن نسق الرغبة في السلطة والحكم ظل نفسه لدى هذه النخب. لذلك تحتاج تجارب العسكرة، على اختلاف نماذجها في الدول العربية، إلى فحص عميق للأسباب التي تخلق هذه الأوضاع، والبحث في ما إذا كان يُمكن ابتداع مسالك ومقاربات سياسية، يمكن أن تُحدث توازناً لدى العسكريتارية العربية، بين دورها المؤسسي والوظيفي في الدولة، وبين الحاجة إلى احترام الضرورات التاريخية التي تفرض تطوراً مختلفاً للمجتمعات العربية.
من المهم في المقابل، ألا تقود السردية النقدية لتجارب تمركز العسكر في الحكم في الدول العربية إلى أي عدوانية للمؤسسة العسكرية، ونظرة عدمية ضد القوات المسلحة، كمؤسسة حيوية تستمد وجودها ودورها من الحاجة إلى قوة نظامية تدافع عن وحدة البلاد وترابها، لأن تجارب التحريض ضد المؤسسات العسكرية أو تقسيمها، أو ودفع جزء منها إلى التمرد على الدولة، يقود أيضاً إلى الانكسارات التي يصعب ترميمها، ذلك أن إصلاح الخطأ بالخطأ خطيئة وتهور.