النظام السوري "يهدد" حقوق لبنان النفطية... وصمت رسمي

01 ابريل 2021
لبنان مهدد بخسارة المزيد من مناطقه البحرية (حسين بيضون)
+ الخط -

وسط أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية يعانيها لبنان، وفشل الطبقة الحاكمة في تشكيل حكومة جديدة، برز تطور خطير، هذه المرة من الجانب السوري، مع إعلان حكومة النظام الاتفاق مع شركة روسية للتنقيب عن النفط في بلوك بحري يتداخل مع المياه الاقتصادية اللبنانية، ما من شأنه وفق مسار الترسيم الظاهر أن يشكل تعدياً على حقوق لبنان النفطية شمالاً، بحيث هناك تداخل بمساحة تتراوح بين 750 و1000 كيلومتر مربع، في منطقة قد تحتوي على موارد غازية للبنان. وعلى الرغم من خطورة هذه القضية، فإنها قوبلت بصمت مريب من السلطات اللبنانية، في وقت يضع فيه "حزب الله" الحليف لنظام بشار الأسد ما يجري في سياق "الكيد السياسي"، معتبراً أن لا أزمة أصلاً تستدعي حصول مفاوضات، محاولاً حصر القضية البحرية بالخلاف مع العدو الإسرائيلي على المناطق البحرية جنوباً، علماً أن المفاوضات التقنية غير المباشرة بين لبنان والعدو الإسرائيلي بوساطة أميركية ورعاية أممية حول ترسيم الحدود البحرية متوقفة منذ فترة.

وبينما لا يخرج ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسورية، أكان ترسيم الحدود البرية أم البحرية، من دائرة التجاذبات السياسية، علماً أن هذا الملف أثير بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، وهو ما قوبل بتمنّع سوري وتمييع من الفريق اللبناني الحليف لها، فإن التطور الجديد يثير مخاوف من خسارة لبنان المزيد من مناطقه البحرية، في ظل الاعتداء الإسرائيلي على المنطقة الاقتصادية اللبنانية بمساحة تزيد عن 1700 كيلومتر مربع، والخطأ الذي حصل في التفاوض مع قبرص والذي وضع لبنان أمام خسارة مساحة مائية تزيد عن 860 كيلومتراً مربعاً، ليأتي التطور الجديد هذه المرّة من سورية، مهدداً بقضم مساحة تتراوح بين 750 و1000 كيلومتر مربع من حصة لبنان.

وبرزت هذه القضية مع نشر وسائل إعلام تابعة للنظام السوري قبل أيام خبراً يفيد بمصادقة وزارة النفط والثروة المعدنية السورية وشركة "كابيتال" الروسية على اتفاق للتنقيب عن النفط في البلوك البحري رقم واحد في المنطقة الاقتصادية الخالصة لسورية في البحر المتوسط مقابل ساحل محافظة طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية السورية اللبنانية بمساحة 2250 كيلومتراً مربعاً.

تداخل بمساحة تتراوح بين 750 و1000 كيلومتر مربع في المنطقتين السورية واللبنانية

وأثار هذا التطور مخاوف من شمول التنقيب منطقة تابعة للبنان، فهناك حدود غير مرسمة بين لبنان وسورية، وفق الخبيرة في مجال حوكمة النفط والغاز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتايان، التي قالت لـ"العربي الجديد"، إنه "تبعاً للخرائط التي لدينا، فهناك تقاطع واضح بين كيفية تقسيم الجانب السوري للبلوكات رقم 1 و2 و3، وخصوصاً البلوك 1، وطريقة ترسيم حدودنا، بحيث هناك تداخل بين 750 و1000 كيلومتر مربع، وقد يكون في هذه المساحة موارد غازية للبنان".
ولفتت هايتايان إلى أنّ الحكومة اللبنانية لم ترسل حتى اللحظة أي رسالة اعتراض أو شكوى عبر وزير خارجيتها إلى السلطات السورية أو حتى تطالب بتوضيحات حول البلوكين رقم واحد واثنين ومكان الحفر وطبيعة العقد بشكل عام، للقيام بخطوات استباقية أو ردعية للحؤول دون حصول اعتداء، أو تتطرّق إلى موضوع إجراء مفاوضات مع الجانب السوري، على الرغم من أنّ هذه الحكومة تعدّ "صديقة لسورية"، مبدية مخاوف من غضّ السلطات اللبنانية الطرف عن حقوق البلاد من المياه المتداخلة مع البلوك السوري.

وفي وقتٍ أكدت فيه هايتايان أهمية ترسيم الحدود بين لبنان وسورية، اعتبرت أن الملف عالق أيضاً في زواريب السياسة، وهو ما يطرح سؤالاً حول طريقة مقاربة حكومة الرئيس المكلف سعد الحريري عند تشكيلها للمسألة، فالأخير يرفض اجراء أي مفاوضات مع النظام السوري، الأمر الذي من شأنه أن يفتح احتمال الوساطة الروسية وبالتالي السير كذلك بمفاوضات تقنية غير مباشرة مع سورية، علماً أنّ المخاوف تبقى في أن تتخذ المفاوضات التقنية منحى سياسياً مرفقاً بشروطٍ ومطالب فيتداخل مع ملفات أخرى سياسية وإقليمية من بوابة المقايضة، منها مثلاً المرتبط بعودة اللاجئين السوريين.

وفي وقت لم يصدر حتى عصر أمس أي تعليق رسمي من السلطات اللبنانية على هذا الأمر، فإن "حزب الله" لم يرَ أن هناك مشكلة تستدعي حصول مفاوضات. ووضع عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" (تمثل حزب الله في البرلمان اللبناني)، النائب إيهاب حمادة، إثارة هذه القضية في خانة "الاستهداف والكيد السياسي". وقال حمادة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المقاومة تضع عنواناً واحداً كخط عريض، يتمثل في رفض أي اعتداء على مائنا أو أرضنا أو أي حبة تراب من لبنان، سواء من العدو الإسرائيلي أو حتى الصديق السوري، ولكن لا شيء مطروحاً اليوم يمكن أن يسيء أو يمسّ سيادة لبنان على أرضه وحدوده وملكيته، وأستبعد ذلك، فلا شيء رسمياً بعد، ما يبقي الموضوع في إطار الكيد والاستهداف السياسي".

نائب عن "حزب الله": لا أزمة أصلاً حتى نذهب إلى مفاوضات، وأصل المشكلة وهمٌ وليس واقعاً

ورأى حمادة أن "الإشكالية ليست في الواقع الموجود مع الجانب السوري، بل هناك من يريد أخذه إلى منحى آخر بتغيير مسار أزمتنا الحقيقية، وهذا مخطط سيئ، فالأزمة تكمن في اعتداء العدو الإسرائيلي على حدودنا ومياهنا وحقوقنا البحرية النفطية، وما يحصل اليوم هو تعمية ومحاولة لذر الرماد في العيون، ونقل المشكلة من مكان إلى آخر خدمة للعدو الإسرائيلي".
ولم يجد النائب عن "حزب الله" داعٍيا لحصول مفاوضات سورية لبنانية لترسيم الحدود، قائلاً "لا أزمة أصلاً حتى نذهب إلى مفاوضات، وأصل المشكلة وهمٌ وليس واقعاً"، مستنداً أيضاً إلى الحملة التي طاولت "الأوكسجين السوري" ووزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال المحسوب على الحزب حمد حسن، وما رافقها من كلام حول صفقة مع النظام أعدت بخلق أزمة أوكسجين ليست موجودة اصلاً في لبنان، معرّضة لبنان الرسمي لخطر العقوبات الأميركية.

مقابل ذلك، توالت مواقف سياسية في لبنان من الفريق المعارض لنظام الأسد، وغرّد وزير العدل السابق أشرف ريفي كاتباً "بدء النظام السوري بتلزيم بلوك النفط البحري في الشمال تجاوز لحقوق لبنان يُقابل بصمت رسمي لبناني. فلنلجأ للأمم المتحدة لرعاية الترسيم القانوني خلافاً لما يقوم به النظام الذي لا يعترف بالقرار 1680 للحدود البرية والذي يخترق حقوق لبنان بنفطه بحراً كما يفعل العدو الإسرائيلي في الجنوب". أما نائب "تيار المستقبل" (يتزعمه سعد الحريري)، رولا الطبش، فسألت "أين السلطات اللبنانية الرسمية مما يجري؟ وما هذه الغيبوبة المشبوهة؟ لقد انتظرنا الخرق من الجنوب، مِن العدو، فإذ به يأتي من الشمال، من "الشقيقة".

وحول هذا الملف، شرح الخبير في الشؤون العسكرية، العميد خالد حمادة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الخلاف حول ترسيم الحدود بين لبنان وسورية قديم جداً، وبرز بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 مع خروج مطالبات عدّة ومن ضمنها ترسيم الحدود، التي قابلها رفض من "حزب الله" والفريق السياسي الحليف، وتبع ذلك جدل بما خصّ الترسيم ومنها البرية أبرزها في مزارع شبعا.
واعتبر حمادة أن أصل المشكلة مرتبط بطبيعة العلاقة بين لبنان وسورية كدولتين مستقلتين ذاتي سيادة قبل الذهاب للحديث عن الخصوصية البحرية والحقوق النفطية وما إلى ذلك. ولفت إلى أن الخلاف اليوم يتخذ طابعاً جديداً وهو ليس مرتبطاً فقط بالتنقيب السوري بشراكة روسية، فحتى موسكو سبق أن عرضت وساطة عام 2019 في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسورية ولكن ذلك لم يُترجم عملياً، فالمأزق جانب منه بحري تقني، ولكن الأهم سياسي، فسورية لا تقبل الإفراج عن أي ملف مرتبط بلبنان أو تسهل أي اتفاق من شأنه أن يكرس سيادة الدولة اللبنانية.

وأضاف: هناك اليوم مخاض دولي حول العملية السياسية في سورية ومصير النظام، والكلام عن خرائط روسية وتلزيمات شمالاً لشركة روسية هو من قبيل التضييق على لبنان والقول إن سورية تفتح أي ملف حين تشاء، ما يؤدي إلى مشكلة دبلوماسية فداخلية يتصارع فيها اللبنانيون في ظلّ غياب أي قرار مركزي، وسط الشرذمة التي تعاني منها الدولة اللبنانية بمفهوم السيادة والمصلحة الوطنية الغائبين بصرف النظر عن أي خلافٍ حدوديٍّ.

من جهته، حذّر الخبير النفطي المستشار السابق للجنة الطاقة النيابية ربيع ياغي، في حديثه مع "العربي الجديد"، من تكرار التجربة القبرصية، والخطأ نفسه الذي وقع فيه المفاوض اللبناني عام 2006، يوم باشر المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية مع قبرص بناءً على طلب الأخيرة، وواجه لبنان خسارة مساحة مائية تزيد عن 860 كيلومتراً مربعاً، فالوفد اللبناني لم يكن يملك الخبرة بترسيم الحدود وكانت إدارته سيئة للملف، مضيفاً "كما ادعى العدو الإسرائيلي أيضاً بحقوق له في المياه اللبنانية الاقتصادية الخالصة لغاية النقطة رقم 1، كذلك فعل السوريون الذين تقدّموا من النقطة رقم 7 إلى النقطة رقم واحد".
وأشار إلى أنّ التنقيب في البلوك البحري السوري رقم واحد فيه تراجع للبنان بحوالي 750 كيلومتراً مربعاً، وهي خسارة له، من هنا أهمية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسورية شمالاً والانتهاء من ترسيم الحدود البحرية جنوباً مع العدو الإسرائيلي. وشدد على أهمية إعادة التفاوض مع قبرص على العقد الذي لم يبرم حتى اليوم لتحديد نقاط البداية والنهاية للخط الوسطي الفاصل بيننا وبينها.

يُذكر أن الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل أرجئت، لتتوقف معها المفاوضات في الثاني من ديسمبر/كانون الأول الماضي، واستبدلت بلقاءٍ ثنائي، بين لبنان والوسيط الأميركي من جهة، وآخر مماثل بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي.

لا مؤشر جدياً لإعادة استئناف المفاوضات التقنية غير المباشرة بين لبنان والسلطات الإسرائيلية

وعن ذلك، قال الباحث في شؤون الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، مارك أيوب، لـ"العربي الجديد"، إن المفاوضات التقنية وغير المباشرة مع العدو الإسرائيلي لترسيم الحدود البحرية جنوباً متوقفة منذ 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تاريخ انعقاد الجولة الرابعة. ولفت أيوب إلى أنه حتى الساعة لا مؤشر جدياً لإعادة استئناف المفاوضات التقنية غير المباشرة، مشيراً إلى أن من أبرز نقاط الخلاف، نقطة انطلاق الترسيم، فخط الترسيم البحري يجب أن ينطلق من رأس الناقورة (جنوب لبنان) وهو ما نصّت عليه اتفاقية بوليه نيوكومب عام 1923 وأن يتطابق مع خط الوسط الذي يتجاهل نقطة "تخليت" وذلك بالاستناد إلى المواثيق والاجتهادات الدولية التي تنص على عدم أخذ الجزر التي لها أثر غير تناسبي على خط الترسيم بالحسبان، في حين أن إسرائيل تعتبر صخرة "تخليت" جزيرة على الرغم من أنها غير قابلة للسكن.