استمع إلى الملخص
- **معاناة اللاجئين السوريين في لبنان:** اللاجئون السوريون في لبنان يتعرضون لحملات تضييق، مما يدفع البعض للعودة إلى سوريا رغم المخاطر، حيث يواجهون معاملة سيئة وابتزازاً مادياً، وبعضهم يختفي عند الحدود.
- **توثيق الانتهاكات وغياب المحاسبة:** الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثّقت 4714 حالة اعتقال تعسفي لعائدين، بالإضافة إلى حالات تعذيب وقتل تحت التعذيب، مع غياب المحاسبة الدولية.
لم تتوقف أجهزة النظام السوري الأمنية عن إخفاء سوريين قسراً سواء من كانوا مقيمين في البلد، أو العائدين إليه من بلدان اللجوء، خصوصاً من لبنان. وفي هذا الصدد، أفادت مصادر مطلعة من محافظتي دمشق وحمص لـ"العربي الجديد"، بأن نحو 90 نازحا سورياً، يتحدرون من محافظات سورية عدة، تعرضوا للاعتقال بعد عودتهم من لبنان خلال شهر يوليو/ تموز الماضي. وأشارت المصادر إلى أن أكثر من خمسين من هؤلاء المعتقلين من الشبّان الذين بلغوا سن الخدمة العسكرية، وألحقتهم أجهزة النظام بقطع عسكرية، فيما أُرسل الباقون إلى المعتقلات، موضحة أن النسبة العظمى منهم يتحدرون من ريف دمشق وحلب وحمص.
النظام السوري لا يبدّل أسلوبه
وأوضح عبيدة خ.، وهو أحد الناشطين في المجال الإنساني الإغاثي، والذي يعمل مع منظمة مدنية مستقلة في حمص، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "منذ بداية انفتاح الدول العربية على النظام السوري في العام الماضي، وبدء عودة العلاقات الدبلوماسية معه، أصبحت قواته وأجهزته الأمنية المتعددة تمارس الانتهاكات بحق المدنيين، بشكل علني". وتابع: "معاملة سيئة للغاية ينتهجها حرس الحدود مع العائدين، خصوصاً من لبنان، حيث يُستقبلون بألفاظ نابية، عدا عن التهديد بالتنكيل لمن ثبت تورطه بنشاط معارض للنظام، بالإضافة إلى ابتزاز هؤلاء العائدين مادياً، رغم أن ظروفهم المادية صعبة وهي كانت السبب الرئيسي لعودتهم".
عبد الناصر حوشان: عند أول حاجز أمني، تظهر مذكرات البحث والتوقيف المعممة من قبل أجهزة الاستخبارات سرياً
واعتبر عبيدة أن "تصرفات أجهزة النظام السوري وممارساتها بحق العائدين إلى وطنهم تمثل تحدياً للمواثيق والقوانين الإنسانية الدولية"، مشيراً إلى أن "هذه التصرفات غير مستغربة من النظام القمعي الذي يخترق قوانين المجتمع الدولي الإنسانية والحقوقية منذ عام 2011 في ظل صمت مطبق من المجتمع الدولي الذي لم يتدخّل بشكل جدي لحماية السوريين من البطش، ولا أعتقد أنه بصدد اتخاذ أي إجراءات، بل على العكس تماماً هناك محاولات من عدة دول غربية للتطبيع مع النظام وإعادة تعويمه".
ويتعرض اللاجئون السوريون في لبنان إلى حملات تضييق رسمية وشعبية، ما دفع عدداً من المقتدرين منهم مالياً للخروج إلى دول أخرى، بينما اضطر الفقراء للعودة لسورية رغم معرفتهم بأنها محفوفة بالمخاطر. وعمدت السلطات اللبنانية إلى ترحيل سوريين إلى بلادهم رغم معرفتها بالمخاطر التي من الممكن أن يتعرضوا لها من قبل أجهزة النظام فضلاً عن الأوضاع المعيشية السيئة التي تمر بها البلاد.
وبيّن خليل ش.، العائد منذ بداية العام الحالي إلى قريته في ريف الرقة الغربي، أن وضع اللاجئ السوري في لبنان "هو الأسوأ على الإطلاق بين كل دول اللجوء"، مشيراً إلى أنه قصد لبنان منذ أكثر من عشر سنوات مع عائلته ولكنه اضطر للعودة بسبب العنصرية. وتابع: "ليست هناك عودة طوعية كما يروّجون. هناك محاصرة للاجئين تدفعهم إلى العودة". وبيّن أنه اضطر إلى دفع نحو 300 دولار لعناصر من أجهزة النظام كي لا يتعرض لأي مضايقة منهم على الحدود، مضيفاً: "كانت العودة مخاطرة كبرى، خصوصاً أن هناك أشخاصاً نعرفهم اختفوا بمجرد دخولهم إلى سورية".
من جهته، أشار الحقوقي عبد الناصر حوشان، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "النظام لم يتوقف ولن يتوقف عن اعتقال السوريين"، مضيفاً: "كل من هو خارج سيطرته متهم بالإرهاب أو بدعم الإرهاب أو بالتعاون مع الإرهابيين والعمالة للأجنبي". وبيّن أن الكثير من السوريين العائدين إلى بلادهم "يظنون أن النظام لن يقدم على اعتقالهم لأنهم بالأساس غير متورطين في شيء، ولكن عند دخولهم إلى البلاد وعند أول حاجز أمني، تظهر مذكرات البحث والتوقيف المعممة من قبل أجهزة الاستخبارات سرياً". وأوضح أن "هناك أطفالاً سوريين بلغوا سن الخدمة العسكرية الإلزامية وهم في الخارج، وبعضهم مطلوب للخدمة الاحتياطية، فيتم توقيفهم وترحيلهم إلى شُعَب التجنيد وتسليمهم إلى القطع العسكرية التي يتم فرزهم إليها". وأكد حوشان أنه لا توجد أرقام محددة لعدد المعتقلين "لأن أغلب أهالي المعتقلين يخشون على مصيرهم ومصير أبنائهم المعتقلين لذلك لا يفصحون أملاً في تسوية أوضاعهم". وأضاف: "رصدت منظمات حقوقية سورية حالات تعذيب وقتل تحت التعذيب وعمليات ابتزاز مالي وعقاري وجنسي بحق لاجئين سوريين عادوا إلى بلادهم".
انتهاكات وقتل تحت التعذيب وسَوق للتجنيد
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في سورية قد وثّقت في تقرير صدر في يونيو/ حزيران الماضي بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، ما لا يقل عن 4714 حالة اعتقال تعسفي لعائدين من اللاجئين والنازحين نفذها النظام السوري. وذكرت الشبكة أن "الانتهاكات التي ما زالت تمارس في سورية، كانت هي السبب الرئيسي وراء هروب ملايين السوريين من بلدهم"، مشيرة إلى أنها السبب وراء عدم عودة اللاجئين "بل إنها تولّد المزيد من اللاجئين". وأشارت إلى أنه لـ"عدم وجود أي أفق لإيقافها أو محاسبة المتورطين فيها، يحاول المئات من السوريين الفرار من أرضهم، وبيع ممتلكاتهم، وطلب اللجوء حول العالم".
العودة مخاطرة كبرى خصوصاً أن هناك أشخاصاً اختفوا بمجرد دخولهم إلى سورية
وكانت الشبكة قد وثقت في يوليو الماضي مقتل شاب سوري من ريف دمشق (أحمد نمر الحللي)، وذلك إثر تعرضه للتعذيب في أحد المعتقلات الأمنية التابعة للنظام السوري، في أعقاب "إعادته قسرياً من لبنان". وأكدت الشبكة مقتل شاب تحت التعذيب يتحدر من محافظة دير الزور، شرقي سورية، تحت التعذيب لدى أجهزة الأمن التي اعتقلته في دمشق بعد إجباره على العودة من لبنان.
ورأى الناشط الحقوقي زياد الخليل من محافظة حمص، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "ليس هناك أمل في أن يغير النظام أسلوبه الأمني، فهو الركيزة الأولى لبقائه"، مضيفاً أن "الأمم المتحدة ومجلس الأمن هما المسؤولان عمّا يجري بصفة مباشرة، فالعديد من المذكرات والتقارير التي تمّ رفعها إليهما لم تفلح في تحريك ضمير المجتمع الدولي تجاه الشعب السوري الذي يعاني منذ أكثر من عقد من الزمن، بل يكتفون بإرسال زفرات القلق، وخطابات الإدانة لا أكثر".