لا تزال الأوضاع متوترة في محافظة السويداء، جنوب شرقي سورية، في ظل فشل النظام في النيل من مشايخ عقل الموحدين الدروز، الأمر الذي قد يسمح له بإعادة السطوة الأمنية وإجبار عشرات آلاف الشباب المستنكفين عن الخدمة العسكرية على العودة إلى صفوف القوات النظامية، وخاصة أن النظام بدأ يشعر بأن السويداء لن تكون داعمة لإعادة انتخاب بشار الأسد لدورة رئاسية جديدة.
وأفاد مصدر مقرب من المشايخ من محافظة السويداء، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن "مجهولين رموا ليلة أمس الأربعاء قنبلة صوتية على دارة شيخ عقل المسلمين الموحدين الدروز يوسف جربوع في مدينة السويداء، اقتصرت الآثار على أضرار مادية، في حين توافد إلى دارته العديد من الوفود والفصائل المسلحة المحلية، في وقت وجه الشيخ بفتح ضبط رسمي لدى الشرطة بالحادثة، تفعيلا لدور القانون وإبعادا للفتنة".
ولفت المصدر إلى أن "هذا التصعيد جاء في وقت يتعرض مشايخ العقل للتضييق من قبل السلطة الأمنية، التي لم تترك طوال السنوات الأخيرة سبيلا أو طريقة لتأليب المجتمع عليهم، إما عبر اتهامهم بفساد مالي، أو عبر اتهامات بتلقيهم مساعدات مالية دون توزيعها على الفقراء، إضافة إلى تحميلهم مسؤولية ازدياد الفقراء في المحافظة، وحتى مسؤولية عدم تحقيق احتياجات الأهالي وضمان تلبية طلباتهم من الدولة، وبث إشاعات أنهم يتلقون أوامر أمنية من جهة أخرى، والتي يبدو أن كل تلك المحاولات لم تنجح في إضعافهم مجتمعيا".
ويبدو أن حتى شيخ العقل الأول حكمت الهجري، الذي حاول النظام استقطابه إلى صفه طوال السنوات الأخيرة، عبر منحه امتيازات اقتصادية ومادية، وتلبية طلباته، والإيحاء له بتغيير لقبه من شيخ عقل إلى "الرئيس الروحي"، ما تسبب بحدوث خلاف بين مشيخة العقل المكونة من ثلاث شخصيات، هي الهجري وجربوع وحمود الحناوي، حاول النظام أخيرا توجيه ضربة له تضعفه اجتماعيا عبر رفض رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية لؤي العلي، إخراج أحد الشباب المعتقلين أخيرا في ريف حمص، رغم وعود سابقة له بإطلاق سراحه، الأمر الذي اعتبر إهانة للدروز، حيث توافدت عشرات الوفود إلى دارته في بلدة قنوات بالقرب من مدينة السويداء، لاستنكار الحادثة والمطالبة باعتذار رسمي، مهددة برد قوي في حال عدم إصلاح الموقف.
وحاول النظام استدراك الأمر وامتصاص غضب الشارع، فتم التواصل مع الشيخ الهجري من عدة جهات في دمشق، كما تم إطلاق سراح الشاب المعتقل فورا، وكان آخر الوفود التي زارته في دارته يوم أمس، مكوناً من محافظ السويداء همام دبيات وأمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في السويداء اللواء فوزات شقير، وقائد الشرطة في المحافظة برفقة عدد من المسؤولين المحليين، إلا أن مطالب الحضور تركزت على تقديم اعتذار من "أعلى المستويات" بحسب قولهم، متحدثين عن أن السويداء لا تزال صابرة على آلامها وتدهور الأوضاع المعيشية مقابل حفظ كرامة أهل الجبل ووقف الاعتداءات الأمنية عليهم.
وأفادت معلومات وصلت إلى "العربي الجديد" من مصادر مطلعة، بأن النظام يدرس حاليا سبل إنهاء الأزمة في السويداء، بصيغة تحفظ ماء وجهه، وترضي الشارع الغاضب في السويداء.
ورأى الناشط أبو نضال معروف (اسم مستعار لأسباب أمنية)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام بدأ يستشعر وجود توجه واسع لدى أهالي المحافظة غير مؤيد لإعادة انتخاب رئيس النظام بشار الأسد لدورة رئاسية جديدة، وذلك ضمن مختلف الشرائح، حيث شهدت المحافظة خلال الأيام الماضية، إطلاق ناشطين حملة مناهضة لترشيح الأسد تحت شعار "لا تترشح يا مشرشح"، وحتى على صعيد المؤسسة الدينية والوجهاء الاجتماعيين، فشل النظام إلى اليوم في إجبارهم على إعلان تأييدهم للأسد، بالرغم من إرسال العديد من الشخصيات لتسويق الأمر، ما قد يؤدي إلى زيادة الضغط عليهم خلال الفترة المقبلة".
وأضاف معروف أن "هناك مخاوف من افتعال أحداث أمنية في المحافظة، كهجوم "داعش" على الريف الشرقي في السويداء عام 2018، ليقدم النظام نفسه من جديد على أنه حامي الأقليات، ما قد يؤثر على الرأي العام نحو مسألة الترشيح".
يشار إلى أن أهالي السويداء يعانون كجميع السوريين المتواجدين في مناطق النظام، من تدهور الأوضاع المعيشية وازدياد الفقر، وانتشار البطالة، وارتفاع الأسعار، إضافة إلى وجود عشرات آلاف الشباب والناشطين المحاصرين داخل المحافظة جراء استنكافهم عن الخدمة العسكرية ووجود إجراءات أمنية بحقهم.