أعلن النظام السوري نيّته إجراء تغييرات في الجيش تحديداً على صعيد بنيته البشرية، إذ يتوجه إلى تحويل قواته إلى "جيش احترافي"، مركزاً على المتطوعين، وذلك بدلاً عن سياسة التجنيد الإجباري، في وقت تعيش فيه البلاد ظروف حرب منذ 12 عاماً، إضافة إلى الاستهدافات الإسرائيلية شبه اليومية لمواقع عسكرية للنظام في مختلف أنحاء البلاد.
وأعلنت وزارة الدفاع التابعة للنظام السوري، الأحد الماضي، أنها تعمل على خطة لتطوير الجيش السوري بشكل نوعي يعتمد بشكل أساسي على المتطوعين. وذكر المدير العام للإدارة العامة في وزارة الدفاع اللواء أحمد سليمان، في لقاء متلفز مع التلفزيون السوري، أن هناك "عملاً جدياً للانتقال إلى جيش نوعي متطور احترافي يعتمد في نسبته الكبيرة على الموارد البشرية المتطوعة". وأضاف أن الحرب في سورية تسببت في تعطيل "وتأخير عملية الإصلاح بشكل عام، لكن الآن تم اتخاذ قرار البدء بالإصلاح في المؤسسة العسكرية، وهو يحدث بصمت وسرية ولا يوجه إلى العلن".
محاولة تغيير بنية الجيش السوري
وأوضح سليمان أن "صدور مرسوم العفو عن جرائم الفرار، وإعلانات التطوع والمرسوم الأخير المتعلق بالمتخلفين عن خدمة الاحتياط، لم يكن صدفة، فهناك استراتيجية لتحقيق هدف الوصول إلى جيش نوعي متطور احترافي يعتمد على المتطوعين، وهناك ميزات مهمة لمن يؤدي خدمة التطوع منها راتب لا يقل عن مليون و300 ألف ليرة سورية (حوالي 100 دولار) تطاوله زيادات". وأضاف أن "الجيش النوعي الاحترافي التطوعي يحتاج إلى إعداد وتأهيل عال، لذلك المتطوع هو الخيار الأفضل، وعقود التطوع المؤقتة هي أيضاً خيار جيد".
أسعد الزعبي: من غير المعقول أن يقوم مواطن بدفع 4800 دولار من أجل إعفائه من الخدمة الاحتياطية
ولفت سليمان إلى أن هناك "تعديلاً كاملاً لمفهوم الاحتياط ولن يبقى كما هو الآن، وسيتضح ذلك خلال الأيام المقبلة، ولن يبقى أحد في الخدمة الإلزامية لفترة طويلة"، كاشفاً عن تعديلات مهمة ستصدر خلال الفترة المقبلة، ومنها تسريح عدد لا بأس به ممن يؤدون الخدمة الاحتياطية. وتابع: "وضعنا جدولاً زمنياً ليس طويلاً لتحديد مدة الخدمة الاحتياطية فلا تتجاوز العامين مجتمعة أو متفرقة، كما أن ذلك لا يعني أن كل من أدى خدمة إلزامية سيؤدي خدمة احتياطية، وقد لا يُطلَب إليها أصلاً".
والاثنين الماضي أصدر رئيس النظام بشار الأسد، القائد العام للجيش، أمراً إدارياً يُنهي استدعاء الضباط الاحتياطيين (المدعوين الملتحقين) اعتباراً من تاريخ 1 فبراير/شباط 2024 لكل من يتم سنة وأكثر خدمة احتياطية فعلية حتى تاريخ 31 يناير/كانون الثاني 2024 ضمناً. وبموجب الأمر الإداري، يُنهى أيضاً الاحتفاظ والاستدعاء لصف الضباط والأفراد الاحتياطيين (المحتفظ بهم، والمدعوين الملتحقين) اعتباراً من تاريخ 1 فبراير 2024 لكل من يتم ست سنوات وأكثر خدمة احتياطية فعلية حتى تاريخ 31 يناير 2024 ضمناً، بحسب نص المرسوم.
وفي 1 ديسمبر/ كانون الأول الحالي كان الأسد قد أصدر مرسوماً تشريعياً يُجيز لمن يرغب من المكلفين المدعوين إلى الخدمة الاحتياطية الذين بلغوا سن الأربعين ولم يلتحقوا بعد، دفع بدل نقدي كبديل عن الخدمة الاحتياطية، قيمته 4800 دولار. وأجاز المرسوم لمن التحق بالخدمة الاحتياطية وبلغ سن الأربعين وما زال يؤدي خدمته، دفعَ البدل النقدي المذكور، على أن يتم حسم مبلغ 200 دولار عن كل شهر أداه المكلف في خدمته الاحتياطية.
ومنتصف الشهر الماضي، أصدر الأسد "عفواً عاماً"، شمل بشكل رئيسي الفارين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية، أشارت إليه منظمات حقوقية سورية، بأنه يهدف لاستدراج الفارين والمتخلفين عن الخدمة إلى التطوع في قوات النظام. كما أعلنت وزارة الدفاع التابعة للنظام أخيراً عن عقود تطويع في الجيش تتضمن عقوداً محددة بخمس أو 10 سنوات، أي لن تكون مدى الحياة، كما هو معمول به حتى الآن.
وأعلن جيش النظام قبل أيام عن رغبته بقبول تطوع أشخاص كصف ضباط وأفراد في مختلف التشكيلات والقطاعات، في حين يرجح أنها خطة للنظام لترميم قواته المسلحة بعد أكثر من 12 عاماً من المعارك مع المعارضة السورية أدت إلى إنهاك تلك القوات.
ويرى الضابط المنشق عن قوات النظام العميد أسعد الزعبي، أن هذا التصرف عبثي وغير دقيق، موضحاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "جيش النخبة يجب أن يتميز بسلاح نوعي حديث يعوّض نقص العناصر والكادر البشري".
وفي حين يُنظَر إلى جيش النظام على أن قوام ضباطه يقوم على لون واحد بنسبة أكثر من 90 في المائة، وهم الضباط المنحدرون من المناطق الموالية للنظام، يشير الزعبي إلى أن "الجيش بات يعتمد بشكل تام على الطائفة العلوية منذ العام 1989"، ويضيف: "أما إذا كانت القضية تتعلق فقط بتقليل عدد العناصر، فهذه رسالة إلى إسرائيل يقول فيها الأسد، حافظوا عليّ كرئيس وأعدكم أنه لن يكون هناك إلا جيش عدده قليل من دون خبرة، ومن دون سلاح".
رشيد حوراني: ما أعلن عنه هو أمر دعائي ليس إلا
وحول مراسيم دفع البدل لمطلوبي الاحتياط، ينوه الزعبي إلى أن ذلك يشير إلى "إفلاس النظام"، ويردف: "لكن من غير المعقول أن يقوم مواطن بدفع 4800 دولار من أجل إعفائه من الخدمة الاحتياطية، فهذا المبلغ يكفي مصروف عائلة لمدة سنة في سورية، إذا ما علمنا أن المبلغ يساوي في ظل انهيار العملة في سورية حوالي سبعين مليون ليرة سورية".
حلة جديدة لقوات النظام السوري
وبعد تفاقم الحرب السورية اعتمد النظام على المليشيات لتعويض النقص في قواته نتيجة عمليات الانشقاق الكبيرة عن الجيش احتجاجاً على استخدام العنف المفرط، والكثير من المنشقين باتوا في صفوف المعارضة. وسيكون أمام عناصر هذه المليشيات، التي يتقاسم النظام مع كل من إيران وروسيا إدارتها وتمويلها، فرصة لدخول الجيش بحلته الجديدة القائمة على التطوع، غير أن هناك الكثير من عناصر المليشيات من غير السوريين، وقد وجهت جهات حقوقية وسياسية معارضة للنظام اتهامات بتجنيس المئات من عناصر المليشيات لا سيما من العراقيين والإيرانيين والأفغان.
الباحث في مركز "جسور"، رشيد حوراني، يعرّف مصطلح "الجيش المحترف" بأنه "الجيش الذي يعتمد على عناصر متطوعة تتخذ من الجندية وظيفة لها، سواء كان ضابطا أو صف ضابط أو فردا (من دون رتبة)، وتكون الخدمة الإلزامية في الدول التي تعتمد على الاحتراف في مؤسستها العسكرية رمزية، فمثلاً في تركيا ستة أشهر، وفي سويسرا خمسة أشهر، أما الدول التي لا تعتمد الاحتراف فتعتمد على التجنيد الإلزامي لرفد مؤسستها العسكرية بالعنصر البشري كحال سورية مثلاً".
ويعلّق حوراني على توجه النظام بالقول إن ما أعلنه النظام عن تحويل الجيش لجيش احترافي، يندرج تحت إطار الدعاية والبروباغندا، لأن النظام سبق أن حاول الاعتماد على المحترفين (المتطوعين) لبعض الاختصاصات العسكرية، كالمدرعات والمدفعية قبل عام 2011، وذلك لأن المجند عندما يصل إلى مرحلة إتقان عمله وتخصصه العسكري يحين وقت تسريحه، مع ذلك فشل النظام على الرغم من التعويضات المالية التي أقرت لأصحاب تلك الاختصاصات.
ويضيف حوراني: بناء على ما سبق وفي ظل الظروف الحالية والوضع الاقتصادي المأزوم للنظام، فإن ما أعلن عنه هو أمر دعائي ليس إلا، ويدل الإعلان على المشاكل التنظيمية التي يعاني منها الجيش، ونقص كوادره ممن ينفذون المهام بشكل فعلي (صف ضباط، وأفراد) لأن إعلانات التعاقد استهدفت هذه الفئات ولم تستهدف الضباط. ويشير حوراني إلى أن "روسيا تقف وراء هذا الأمر، وهي تسعى إلى تحويل الجيش الى وحدات لامركزية كحالة الفرقة 25 (مليشيا أسستها وتمولها روسيا) بقيادة سهيل الحسن، وكل وحدة مسؤولة عن قطاع لحفظ الأمن فيه، كما أنها خطوة تشير إلى محاولات النظام التماهي أو التظاهر على أنه يُجري تغيرات في الأجهزة العسكرية والأمنية تزامناً مع محاولات التطبيع العربية معه، بهدف استجرار دعم مالي لخطوته".