الهزائم الروسية في أوكرانيا: بوتين يواجه سخطاً في إدارته

08 أكتوبر 2022
في منطقة بخموت التي تحاول روسيا التقدم فيها (يازويوتشي شيبا/فرانس برس)
+ الخط -

مع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا شهره الثامن، تكثر الوقائع التي تكشف عن غضب في صفوف النخبة الحاكمة في روسيا تجاه حصيلة ما تحقق، خصوصاً بعد التراجع الميداني الكبير للجيش الروسي في الأسابيع الأخيرة، واضطرار الرئيس فلاديمير بوتين لإعلان التعبئة العسكرية الجزئية لزج الآلاف من الشباب الروس في الحرب.

وإزاء هذا الوضع، المترافق مع ضغوط غربية مستمرة على موسكو، أكان عبر العقوبات أو المساعدات العسكرية لكييف، تبرز تسريبات عن انتقادات توجه ليس فقط للقادة العسكريين الروس، بل وصلت إلى بوتين شخصياً، وفق معلومات نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، بالتوازي مع تصريحات علنية عن فشل في قيادة العمليات العسكرية.

أمام هذا الواقع، بدا أن موسكو تحاول تخفيف وطأة تداعيات الهزائم التي تعرضت لها أخيراً، ولا سيما خسارتها مساحات شاسعة في خيرسون الجنوبية تحديداً، بالإعلان أمس، الجمعة، عن تحقيق تقدّم في الشرق الأوكراني، لكن ذلك لم يقلل المخاوف من لجوئها إلى خيار خطير عبر استعمال السلاح النووي التكتيكي، خصوصاً إذا لم يجد بوتين مخرجاً من الوضع الذي يجد نفسه فيه.

قلق متزايد داخل دائرة بوتين

وكشفت صحيفة "واشنطن بوست"، أمس، أن الاستخبارات الأميركية حصلت على معلومات تفيد بأن أحد أعضاء الدائرة المقربة من بوتين أعرب للرئيس الروسي أخيراً عن معارضته لطريقة تعامله مع هذه الحرب. ونقلت الصحيفة عمن قالت إنهم أشخاص مطلعون، لم تكشف عن هوياتهم، أنه تم اعتبار هذه المعلومات مهمة بما يكفي بحيث تم تضمينها في الإحاطة الاستخباراتية اليومية للرئيس جو بايدن ومشاركتها مع مسؤولين أميركيين آخرين.

وبحسب الصحيفة، فإن السخط الذي عبّر عنه أحد أعضاء الدائرة المقربة من بوتين يتعلق بما اعتبره المطلعون سوء إدارة المجهود الحربي والأخطاء التي يرتكبها من ينفذون الحملة العسكرية.

ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول استخباراتي غربي قوله إنه "منذ بدء الاحتلال، شهدنا قلقاً متزايداً من عدد من الأشخاص داخل الدائرة المقربة من بوتين". وأضاف مسؤول غربي ثانٍ، وفق الصحيفة، أن التوترات الداخلية في روسيا "تتماشى مع الأجواء السائدة في الكرملين. هناك الكثير من الناس مقتنعون بأن هذا لا يسير على ما يرام أو المسار الصحيح للعمل".

وتحدث مسؤول أمني أوروبي كبير للصحيفة عن "انتقادات متزايدة لبوتين، من وراء ظهره"، بما في ذلك من داخل صفوف الكرملين، قائلاً "إنهم يعتقدون أنه عنيد"، و"مهووس بأوكرانيا".

رجلا أعمال روسيان: الأسابيع المقبلة قد تكون حاسمة في تحديد مستقبل بوتين والقرارات التي يتخذها

كما نقلت "واشنطن بوست" عن اثنين من رجال الأعمال الروس، لديهما اتصالات مع المسؤولين السياسيين، قولهما إن الأسابيع المقبلة قد تكون حاسمة في تحديد مستقبل بوتين والقرارات التي يتخذها. وقال أحدهما، وهو عضو في نخبة رجال الأعمال الروس، إنه إذا لم يوقف الجيش الروسي خسائره، فسيندلع الاقتتال الداخلي، "هذه نقطة الانهيار".

ومع الخسائر الروسية في الميدان، قد يتراجع الولاء لبوتين، بحسب ما قال مسؤولون استخباراتيون للصحيفة الأميركية، لكنهم حذروا من عدم وجود مؤشر إلى أن الرئيس الروسي على وشك السقوط.

في المقابل، فإن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف رفض الحديث عن انقسامات داخل دائرة الحكم في روسيا، لكنه قال إن هناك نقاشات حول قرارات حاسمة، وأوضح لـ"واشنطن بوست"، أن "هناك خلافاً في الرأي في مثل هذه اللحظات. يعتقد البعض أننا يجب أن نتصرف بشكل مختلف، لكن هذا كله جزء من عملية العمل المعتادة".

ورداً على سؤال حول الخلافات داخل الدائرة المقربة من بوتين، قال بيسكوف: "هناك نقاشات عملية: حول الاقتصاد، حول سير العملية العسكرية. هناك نقاشات حول نظام التعليم. هذا جزء من عملية العمل العادية، وليس علامة على أي انقسام". لكن بيسكوف قال إن تقارير المخابرات الأميركية عن أن شخصاً في الدائرة المقربة لبوتين تحدى الرئيس الروسي بشكل مباشر "غير صحيحة على الإطلاق".

بيسكوف: تقارير المخابرات الأميركية عن أن شخصاً في الدائرة المقربة لبوتين تحداه غير صحيحة على الإطلاق

وتأتي المعلومات التي كشفتها "واشنطن بوست" مع تزايد الانتقادات العلنية الموجّهة لكبار المسؤولين العسكريين الروس، وآخرها قول نائب رئيس الإدارة المدعومة من روسيا لمنطقة خيرسون كيريل ستريموسوف إن "الجنرالات والوزراء" في موسكو فشلوا في استيعاب المشكلات على الخطوط الأمامية.

وقبله طرح الزعيم الشيشاني رمضان قديروف تساؤلات عن الهرمية القيادية داخل الجيش الروسي، وقال إن "المحسوبيات في الجيش ستفضي إلى أمور سيئة. لا مكان للمحسوبيات في الجيش، وخصوصا في الأوقات الصعبة". كما برز قبل فترة وصف مؤسس مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين، وهو حليف بوتين منذ فترة طويلة، القادة العسكريين الروس بأنهم "قطع قمامة".

وبدأت حالة الاستياء تطفو حتى بين المذيعين الموالين للحكومة على التلفزيون الرسمي الحكومي. وقال فلاديمير سولوفيوف، وهو أحد أشهر مقدمي البرامج الحوارية الروسية، عبر قناته: "أرجو أن تشرحوا لي ما هي الفكرة العبقرية لدى هيئة الأركان العامة الآن؟".

حتى أن رئيسة تحرير قناة "روسيا اليوم" الإخبارية الحكومية مارغريتا سيمونيان، والتي هي من أبرز المقربين من الكرملين، اقترحت إعدام جنرالات الجيش الروسي بسبب الهزائم التي تعرضوا لها. وذكّرت سيمونيان خلال مناظرة تلفزيونية كيف واجه قادة الحرب العالمية الثانية الإعدام بعد هزيمة قواتهم، وأشارت إلى أن التراجعات الأخيرة كانت مماثلة لانهيار الجبهة الغربية لروسيا قبل ثمانية عقود.

وفي السياق، برز أمس كشف موقع "ر بي سي" الروسي أن السلطات الروسية أقالت قائد المنطقة العسكرية الشرقية، العقيد ألكسندر تشايكو. وبحسب الموقع، تم تعيين رستم مورادوف لرئاسة المنطقة.

وفي مؤشر إضافي إلى التراجع الذي تعاني منه القوات الروسية في غزوها، قالت وزارة الدفاع البريطانية، أمس الجمعة، إن القوات الأوكرانية استولت على ما لا يقل عن 440 دبابة ونحو 650 عربة مدرعة منذ بداية الحرب، ولفتت إلى أن "فشل الأطقم الروسية في تدمير المعدات السليمة قبل الانسحاب أو الاستسلام يسلط الضوء على سوء حالة التدريب لديهم وانخفاض مستويات الانضباط في المعركة".

وفي محاولة لاستغلال هذا الوضع، دعا وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف الجنود الروس إلى إلقاء سلاحهم، متعهّداً بضمان "حياتهم وسلامتهم"، وقال في تسجيل مصوّر توجّه فيه إلى الجنود الروس "نضمن الحياة والسلامة والعدالة لكل أولئك الذين يرفضون القتال فوراً. وسنضمن محاكمة جميع أولئك الذين أعطوا أوامر إجرامية".

مخاوف من خيارات قاسية

لكن الوضع الصعب الذي يجد بوتين نفسه فيه يزيد المخاوف من لجوئه إلى خيارات قاسية. وفي هذا السياق، حذر الرئيس الأميركي جو بايدن من أن البشرية تواجه خطر حرب "نهاية العالم" لأول مرة منذ الحرب الباردة. وقال بايدن في نيويورك، مساء الخميس: "لم نُواجه احتمال حدوث معركة تؤدي إلى نهاية العالم منذ (عهد الرئيس السابق جون) كينيدي وأزمة الصواريخ الكوبيّة" في العام 1962، مضيفاً "نحاول أن نفهم كيف سيجد بوتين مخرجاً".

وحذّر بايدن من أنه حتى توجيه ضربة تكتيكية ضمن منطقة محدودة سيؤدي إلى تداعيات واسعة النطاق، وشدّد على أنّ بوتين "لا يمزح عندما يتحدّث عن استخدام محتمل لأسلحة نوويّة تكتيكية أو أسلحة بيولوجية أو كيميائية، إذ يمكن القول إن أداء جيشه ضعيف إلى حد كبير".

روسيا تتحدث عن تقدم ميداني

مقابل ذلك، كانت روسيا تتحدث عن تحقيق تقدّم ميداني، أمس الجمعة، في شرق أوكرانيا. وقال الانفصاليون الموالون لروسيا إن قرى أوتراديفكا وفيسيلا دولينا وزايتسيفي، قرب مدينة بخموت في منطقة دونيتسك، أصبحت تحت السيطرة الروسية. من جهته، أشار زعيم الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونيتسك دينيس بوشلين إلى أن الوضع "أصعب" بالقرب من ليمان التي تعد محوراً لتقاطع سكك حديد سيطرت عليه القوات الأوكرانية أخيراً.

من جهته، أعلن وزير الدفاع البيلاروسي فيكتور خرينين، أمس، أن بلاده، التي تعد الحليف الفعلي الوحيد لروسيا في حربها على أوكرانيا، مستعدة عند الضرورة لتعبئة 500 ألف جندي احتياط مدرب للقوات المسلحة، وأوضح في تصريحات للصحافيين نشرت على قناة وزارة الدفاع البيلاروسية على "تيليغرام"، أن قوات بلاده ستحصل قريباً على أسلحة جديدة من منظومات "إسكندر" ونظم "إس-400" للدفاع الجوي وطائرات حربية جديدة بلا طيار.

في المقابل، تحدثت القوات الأوكرانية عن تحقيق مكاسب أمس بالسيطرة على قرية غريكيفكا في منطقة لوغانسك حسب الحاكم سيرغي غايداي. وفي منطقة خيرسون، قال المسؤول الموالي لروسيا كيريل ستريموسوف إن خمسة مدنيين قُتلوا وجرح خمسة آخرون في غارة أوكرانية أصابت حافلة مدنيين. وتحدثت الرئاسة الأوكرانية عن هجوم روسي جديد على منطقة زابوريجيا لليوم الثاني على التوالي، أدى إلى إصابة شخص بجروح.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أعلن في كلمة في وقت متأخر، الخميس، أنه "تم تحرير أكثر من 500 كيلومتر مربع من المحتلين الروس في منطقة خيرسون وحدها" منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.

طالب زيلينسكي الاتحاد الأوروبي بممارسة مزيد من الضغوط على قطاع الطاقة الروسي

وفي كلمة له، أمس الجمعة، طالب زيلينسكي الاتحاد الأوروبي بممارسة مزيد من الضغوط على قطاع الطاقة الروسي، وقال في كلمة عبر الفيديو خلال قمة للاتحاد الأوروبي في براغ: "علينا أن نواصل المضي قدماً في هذا الاتجاه، في اتّجاه الضغط على قطاع الطاقة الروسي، مصدر الدخل الأساسي للدولة المعتدية"، وجدّد المطالبة بجعل محطة زابوريجيا للطاقة النووية "منزوعة السلاح".

في هذا الوقت، برز أمس استحداث مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للمرة الأولى في تاريخه منصب مقرر خاص لمراقبة قمع المعارضين في روسيا. واعتمد المجلس الذي يضم 47 دولة قراره بتأييد 17 صوتاً. وامتنعت 24 دولة عن التصويت، وصوتت ضد القرار 6 دول، بينها الصين. وينص القرار على تعيين مقرر خاص لمراقبة "وضع حقوق الإنسان" لمدة عام. ويكلف النص المقرر الخاص بـ"جمع وفحص وتقييم المعلومات ذات الصلة الصادرة عن جميع الجهات المعنية وبينها المجتمع المدني الروسي داخل البلاد وخارجها".

وفي التطورات أمس، بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هاتفياً مع بوتين العلاقات الثنائية، وأكد مجدداً استعداد أنقرة للقيام بدور في إنهاء الحرب في أوكرانيا سلمياً.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

 

المساهمون