أبقت المحكمة العليا في الهند، أمس الاثنين، على قرار حكومة ناريندرا مودي الهندوسية القومية، إلغاء الحكم الذاتي المحدود الذي كان ممنوحاً لولاية جامو وكشمير، ذات الأغلبية المسلمة، منذ عام 1974، ما يعتبر خطوة إضافية في إطار تسريع نيودلهي عملية "دمج" المنطقة كإحدى ولايات الهند الرسمية، ويمنح دفعاً لحزب مودي "بهاراتيا جاناتا" القومي الديني الهندوسي، اليميني المتطرف، قبل الانتخابات العامة المقرّرة في الهند في مايو/أيار المقبل. ويأتي ذلك بعدما شنت حكومة مودي القومية خلال السنوات الأخيرة الماضية خصوصاً، حملة قمع قوية ضد الأقلية المسلمة في كل مناطق الهند، رغم معارضة باكستان التي سارعت أمس للتنديد بالقرار.
وفي بيان على "إكس"، أعربت وزارة الخارجية الباكستانية، أمس، عن رفض إسلام أباد لقرار المحكمة العليا الهندية، وأكدت أن قضية جامو وكشمير تبقى محل نزاع، ولا تزال مدرجة على أجندة مجلس الأمن لسبعة عقود. وقالت إن الوضع النهائي للمنطقة "يجب أن يحدّد بناء على تطلعات شعبها". ويخشى أن يقود قرار المحكمة العليا إلى إعادة إشعال الوضع في الإقليم، وسط توقعات سكّانه بأن تشهد الفترة المقبلة تسعيراً للاستيطان في الإقليم على حساب سكّانه الأصليين.
تثبيت إلغاء الوضع الخاص لكشمير
وصادقت المحكمة العليا في الهند أمس، على قرار حكومة مودي إلغاء الحكم الذاتي المحدود لولاية جامو وكشمير، وأمرت بإجراء انتخابات خلال العام المقبل. وأيدّت المحكمة برئاسة رئيسها دهانانجايا يشوانت تشاندراتشود وعضوية 4 قضاة آخرين، القرار الذي اتخذته حكومة مودي في 2019، والذي ألغى الوضع الخاص لجامو وكشمير، المتنازع عليها مع باكستان، كمنطقة تتمتع بحكم شبه ذاتي ولها دستور منفصل وحماية موروثة لأراضي ووظائف سكّانها. وقضت المحكمة بأن القرار الصادر في 2019 والذي سمح لنيودلهي بإدارة منطقة جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة بشكل مباشر، كان "تتويجاً لمسار الدمج، وبالتالي هو ممارسة مشروعة للسلطة".
أمرت المحكمة بإجراء انتخابات في الولاية بأسرع وقت
ودعت المحكمة إلى إعادة جامو وكشمير إلى وضع الولاية كغيرها من الولايات الهندية الأخرى "في أقرب وأسرع وقت ممكن"، مضيفة أن "جميع أحكام الدستور الهندي يمكن تطبيقها على جامو وكشمير". وأمرت المحكمة العليا بإجراء انتخابات في الولاية في موعد أقصاه 30 أيلول/سبتمبر 2024. وقال تشاندراشود: "رفضنا احتفاظ جامو وكشمير بعنصر السيادة (التامة) أو السيادة الداخلية (حكم ذاتي) عند انضمامها إلى الاتحاد الهندي".
وجاء قرار المحكمة رداً على التماسات قدّمتها أحزاب سياسية في كشمير ونقابة المحامين المحلية وأفراد أمام المحكمة العليا، رفضاً لإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي التي تكرس الوضع الخاص للمنطقة. وقال مقدمو الالتماسات إن "الجمعية التأسيسية" لجامو وكشمير هي وحدها التي يمكنها اتخاذ قرار بشأن الوضع الخاص للمنطقة الجبلية الواقعة في الهيمالايا، وطعنوا في ما إذا كان البرلمان الهندي (الذي ألغى المادة 370) يتمتع بسلطة إلغاء هذا الوضع. لكن المحكمة قالت إن "الوضع الخاص" هو بند دستوري مؤقت يمكن أن يلغيه البرلمان في نيودلهي.
وكان الحكم الذاتي لمنطقة جامو وكشمير، والتي شهدت تمرداً لعقود ضد الهند، ومطالباً بالانفصال، أساس المادة 370 في الدستور الهندي، والتي تمنح المنطقة منذ عام 1974 وضعاً خاصاً ما يتيح لها الحصول على دستور منفصل وعلم دولة والاستقلال الذاتي في الإدارة الداخلية للدولة.
وكان إلغاء المادة أحد الوعود المبكرة لحزب مودي، قبل وصوله للسلطة في عام 2014، وتمكن مودي من تحقيق ذلك في عام 2019، حين ألغى المادة، وهو ما ترافق آنذاك مع فرض نيودلهي سلطتها المباشرة على المنطقة، وشنّها حملة اعتقالات جماعية، مع ما تضمنه ذلك من إغلاق كامل للولاية وقطع الاتصالات فيها لمدة شهر، وتقليص للحريات المدنية، فيما عززت الهند قواتها المسلحة لاحتواء الاحتجاجات. وسمحت التغييرات للهنود من خارج المنطقة بشراء أراضٍ في جامو وكشمير، وشغل وظائف حكومية والحصول على منح تعليمية، وهي سياسة ندّد بها المعارضون معتبرين أنها "استعمار استيطاني".
شدّدت باكستان على أن الوضع النهائي للمنطقة "يجب أن يحدّد بناء على تطلعات شعبها"
ولكن منذ ذلك الوقت، تراجعت حدة حركة التمرد في الإقليم بشكل كبير بعدما خلّفت عشرات الآلاف من القتلى على مدى عقود. وبينما كانت نيودلهي لا تسيطر بدايةً سوى على الشؤون الخارجية والعملة والاتصالات في كشمير، تعاون زعماء المنطقة المؤيدون للهند مع السلطات الوطنية لتقليص هذه الهوة. رغم ذلك، فإن سياسات مودي القاسية لا تزال تثير اعتراضات واسعة من قبل سكّان الإقليم ووجوهه السياسية والمجتمعية البارزة، المؤيدة للانفصال، والتي جرى قمعها بطرق مختلفة. كما أنه خلال العام الحالي وحده، قتل إلى الآن أكثر من 120 شخصاً في الإقليم ثلثاهم من المتمردين. وينتشر أكثر من نصف مليون جندي في الإقليم.
دفع إضافي لحزب مودي
ويتوقع أن يشكل قرار المحكمة الذي يأتي قبل الانتخابات العامة في الهند، المقرّرة في مايو/أيار المقبل، دفعاً إضافياً لمودي وحزبه. ورحب رئيس الحكومة الهندية، بالحكم الذي وصفه بالتاريخي. وكتب مودي على منصة "إكس"، أن القرار هو "بارقة أمل ووعد بمستقبل أفضل وشهادة على تصميمنا الجماعي على بناء هند أقوى وأكثر اتحاداً".
من جهته، رأى كابيل سيبال، أحد المحامين الذين دافعوا عن عدم دستورية إلغاء الحكم الذاتي لجامو وكشمير خلال الجلسات الـ16 للمحكمة قبل صدور الحكم، أن "التاريخ وحده هو الحكم النهائي للبوصلة الأخلاقية للقرارات التاريخية". وكتب سيبال على منصة "إكس" أن "بعض المعارك يتم خوضها لخسارتها"، معتبراً أن اللجوء إلى القضاء كان الهدف منه "ضمان أن يسجّل التاريخ الوقائع غير المريحة لتعرفها الأجيال".
ويطلق اسم جامو وكشمير، على الجزء الخاضع لسيطرة الهند من إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان، ويضم جماعات تكافح منذ 1989، ضد ما تعتبره "احتلالاً هندياً" لمناطقها. وطالب سكان المنطقة لعقود بالاستقلال عن الهند، والانضمام إلى باكستان، منذ استقلال البلدين عن بريطانيا عام 1947، واقتسامهما الإقليم ذا الغالبية المسلمة. وفي إطار الصراع على كشمير، خاضت باكستان والهند 3 حروب أعوام 1948 و1965 و1971، ما أسفر عن مقتل نحو 70 ألف شخص من الطرفين. يذكر أن قرار المحكمة أمس لم يشمل منطقة لاداخ، وهي جزء من إقليم جامو وكشمير، حيث هناك مناطق متنازع عليها أيضاً مع الصين.
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس، الأناضول)