الإقرار الإيراني بوقوف طهران خلف التطور العسكري الحوثي، ووجود خبراء عسكريين من الحرس الثوري الإيراني في اليمن، تطور مهم يضع الأمور في سياقها الصحيح، ويُعرّف كافة المتابعين للأزمة اليمنية، بالحجم الحقيقي لمليشيات كانت قد بدأت تشطح بأنها أكبر قوة صاروخية عربية، على الرغم من أنها لا تفقه سوى في حروب العصابات.
تُحسب لمساعد قائد "فيلق القدس" الإيراني، الجنرال رستم قاسمي، شجاعته، وأنه فضح الأهداف التي تديرها بلاده في اليمن من تحت الطاولة، لكن حصر عدد الخبراء الإيرانيين المتواجدين في صنعاء بـ"عدد أصابع اليد" الواحدة، يقلّل كثيراً من شأن الحوثيين بأنهم "دمى" تديرها أصابع محدودة.
بغض النظر عن الرقم الدقيق لعدد "الأصابع" الإيرانية في اليمن، ومقدار الصدمة التي أحدثتها تصريحات قاسمي، خصوصاً أن الأجندة المشبوهة (لإيران) كانت ملحوظة للعيان منذ اجتياح الحوثيين لصنعاء والانقلاب على السلطة، تقدّم الاعترافات الإيرانية إدانة كافية لنظام طهران في إطالة أمد الحرب اليمنية، وتجعلهم أعضاء مؤسسين في نادي الجناة الملطخين بدماء الأبرياء، حتى وإن حاولت الخارجية الإيرانية مداراة الفضيحة، بالقول إن تلك التصريحات "تتنافى مع الواقع".
ما يتنافى مع الواقع، هو ممارسة التقية في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، والادعاء بأن ما يتم تقديمه في اليمن للحوثيين هو الدعم السياسي فقط، فيما الحقيقة هي أن الأصابع الخفية تعمل على اغتيال كلّ فرص السلام، وأن طهران تقدم للحوثيين كافة أنواع الدعم العسكري والمادي والإعلامي، باستثناء السياسي.
بعيداً عن الأجندة الإيرانية وتوضيح المُوضّح، وجهّت الاعترافات الإيرانية صفعة مدوية للحوثيين، وجعلت الجماعة التي ملأت الدنيا ضجيجاً عن السيادة والارتهان، في خانة واحدة مع سائر المرتزقة والمنقادين وأدوات الأطراف الإقليمية داخل اليمن. حاولت القيادات السياسية الحوثية الاجتهاد للخروج بتفسيرات بدت ظريفة في مجملها، كالقول إن هدف تصريحات قاسمي كان "استفزاز السعودية"، وأنه "ليس من حقّ السعودية مساءلتهم عن علاقتهم بإيران"، ولكن يحق لهم "القيام بمساءلتها عن علاقتها بإسرائيل".
ليس هناك ما يدعو للخجل، فالاعتراف بالتبعية فضيلة، وكما رفعتم صورة قاسم سليماني في شوارع صنعاء، يفترض بكم أن تخطوا عبارات فوق كافة الصواريخ والطائرات المسيّرة: "هذا من فضل إيران".
يقدّم الحوثيون نصائح يومية لخصومهم بالقفز من سفينة الارتهان، فيما هم يسّلمون مصير 29 مليون يمني لطهران من أجل المساومة في الملف النووي، ويظهرون مجرد "دُمى" تحركها أصابع عدة للحرس الثوري، من أجل قتل اليمنيين في مأرب، وإقلاق دول الجوار، وعلى رأسها السعودية.
نجحت إيران في استخدام الحوثيين كحطب في معركتها لابتزاز المجتمع الدولي في تهديد خطوط الملاحة ومصادر الطاقة، وستجني ثمار ذلك قريباً من فيينا. أوهمت المليشيات الحوثية بأنهم قد أصبحوا يمتلكون أكبر ترسانة صاروخية عربياً، على الرغم من أنها أرسلت معدات الصواريخ والطائرات المسيّرة والخبراء العسكريين إلى صنعاء للإشراف على إعادة تركيبها وإطلاقها وتحديد إحداثياتها، فيما ربما كان الدور الوحيد للحوثيين في تبني الهجمات.
بدلاً من اتخاذ التصريحات الإيرانية مناسبة للصحوة والإعلان الفوري للقبول بمبادرات السلام الأممية، تمضي جماعة الحوثيين في دفاعها عن الاتفاق النووي الإيراني حتى النفس الأخير، وتطريز اسمها في قائمة العار لليمن المستباح شمالاً وجنوباً.