فوجئ اليمنيون فجر الخميس، بإعلان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تفويض صلاحياته لمجلس رئاسي، لتُطوى، عملياً، بذلك فترة حكمه التي امتدت لعقد كامل، ما خلّف ردود فعل متباينة في أوساطهم تجاه المرحلة المقبلة.
وتسود مخاوف من أن يعيد الزمن نفسه بعد انتخاب هادي في عام 2012 عندما ارتفعت الآمال لدى اليمنيين عقب تنحي الرئيس في ذلك الحين، علي عبد الله صالح، وتسليم الحكم لنائبه (هادي) قبل أن يصطدموا بواقع معقّد مع فشل الحوار الوطني وانقلاب الحوثيين نهاية 2014، وما تلاه من انطلاق "عاصفة الحزم" في مارس/آذار 2015، ودخول البلاد في حرب لا تزال مستمرة إلى اليوم.
وما يعزز هذه المخاوف بالنسبة لكُثر، حقيقة أنّ تفويض هادي صلاحياته لمجلس رئاسي لم يكن نتيجة توافق يمني-يمني أفرزته مشاورات الرياض التي عُقدت تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، واختتمت مساء الخميس، إذ فوجئ المشاركون فيها بالقرارات المعلنة من قبل هادي ولم يعلموا بشأنها إلا بعد صدورها، لكنهم باركوها كأمر واقع في بيانهم الختامي.
وأكد البيان الختامي على "تعزيز مؤسسات الدولة لتمكينها من أداء كافة واجباتها الدستورية على الأراضي اليمنية ومواجهة تحديات المرحلة الحالية"، مرحّباً بـ"قرار الرئيس عبد ربه منصور هادي بشأن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي لإدارة الدولة سياسياً وعسكرياً وأمنياً، خلال الفترة الانتقالية، وتفويضه بكامل صلاحيات رئيس الجمهورية".
كما أكد البيان، بحسب وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنسختها التي تديرها الحكومة اليمنية، على "الدعم الكامل لمجلس القيادة الرئاسي والكيانات المساندة له، لتمكينه من ممارسة مهامه في تنفيذ سياسيات ومبادرات فعالة من شأنها تحقيق الأمن والاستقرار باليمن"، وسط دعوة "مجلس القيادة إلى البدء في التفاوض مع الحوثيين تحت إشراف الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل".
ومن بين الهواجس الإضافية التي تحضر لدى المواطنين اليمنيين حقيقة أن تركيبة المجلس الرئاسي تعكس تقاسماً للنفوذ بين السعودية والإمارات، ومن خلفها بعض القوى اليمنية، فيما أقصيت أخرى، فضلاً عن مقاطعة الحوثيين الذين وصفوا القرارات الجديدة بأنها "إجراءات غير شرعية"، ما يعكس رفضاً واضحاً من قبلهم للدخول في شراكة من هذا النوع.
وعلى الرغم من أنّ اليمنيين يجمعون على أهمية إنهاء الحرب لوقف معاناتهم وبدء مرحلة من السلام؛ فإنهم يدركون صعوبة تحقق ذلك، فيما تحضر هواجس عدة بشأن قدرة القيادة الجديدة التي أوكلت إليها مهمة إدارة البلاد على معالجة الأزمات في المحافظات التي يتوزعون عليها.
مريم الجمال من صنعاء شمالي اليمن، فقدت عملها واضطرت أن تعمل في التطريز المنزلي لتغطي نفقات أسرتها؛ تقول، لـ"العربي الجديد": "أنا شخصياً أصبحت أتشاءم من أي حوارات أو مشاورات، لكن نأمل أن تحل التطورات مشكلة الحرب، ونستعيد حياتنا الغارقة بالآلام والمشكلات والحروب، ونأمل أن ينخرط الحوثيون في اتفاق أو مشاورات تحقق كل أحلام اليمنيين، وتنهي معاناة ومأساة مستمرة منذ ثماني سنوات".
برأي مريم، فإنّ تشكيل مجلس قيادة جديد يساعد في تقارب وجهات نظر جميع اليمنيين. لكن في حال فشل تطبيق نتائج مشاورات الرياض وما يدور حول مشاورات أخرى في سلطنة عمان على الأرض؛ فإنّ المأساة تتعمق أكثر وستنتهي أحلام كثير من اليمنيين. وتضيف: "تعبت الأمهات من البكاء والحزن، وجفت الدموع، وتعبت الناس من الحياة التي يعيشونها وظروفها القاسية، فبسبب الحرب فقد الكثير من الناس مصادر دخلهم ورواتبهم وتوسّع الفقر والجوع إلى كل بيت وحارة وقرية".
بدوره، يقول علي الكبسي من صنعاء، إنه سعيد لنتائج مشاورات الرياض وعملية نقل السلطة، ولعل ذلك يكون سبباً لإنهاء الحرب، "وإن كنت أتمنى لو عقدت المشاورات في عاصمة عربية أخرى حتى يتمكن اليمنيون من معرفة ما إذا كان الحوثيون سينضمون إلى المشاورات والحوارات اليمنية-اليمنية أم لا، لأنهم يعتبرون الرياض طرفاً في الحرب ضدهم وهذه حجتهم، ولا يستطيع البعض لومهم على ذلك حتى وإن كانت نيتهم رفض أي حوار مع أي طرف. لكن نأمل أن يتجاوب الحوثيون مع مجلس القيادة الرئاسي، الذي أكد على أن لا حل لمشكلة اليمن إلا سلمياً، وهذا لن يتم إلا بالجلوس مع الحوثيين لإنهاء الحرب والانقسام الداخلي وعودة الاستقرار".
ويضيف، لـ"العربي الجديد": "أتمنى ألاّ يفشل أي لقاء أو حوار يجمع مجموعة من اليمنيين يسعون لحل خلافاتهم والتخفيف من مشكلات البلد".
أما طالبة الماجستير في جامعة تعز نادية الدبعي، فتقول إنّ مشاورات الرياض نجحت في جمع اليمنيين، لكنها ستعتبرها خطوة متقدمة إذا ما تمكن مجلس القيادة من حل جميع الخلافات البينية، والتفكير في طريقة لإنهاء الحرب والأزمة الإنسانية في اليمن.
وبرأيها فإنّ هذا "لن يتحقق إلا إذا صدقت السعودية والإمارات في دعم حل هذه الخلافات والقضايا العالقة، وتنفيذ ذلك على الأرض وإنهاء الانقلاب في صنعاء بالسلم أو الحرب، وأولها فك الحصار عن تعز وتحريرها بشكل كامل من الحوثيين".
وتقول الدبعي، إنّ "تطبيق مشاورات الرياض على الأرض هو رجاء كل اليمنيين، بمن فيهم أولئك المتواجدون تحت سلطة الحوثيين، الذين يأملون بعودة مؤسسات الدولة، لأن اليمنيين من شرقي البلاد إلى غربيها ومن جنوبيها إلى شماليها متمسكون بالدولة ممثلة بالحكومة، وإن كان الكثير منهم لا يستطيع الإفصاح عن ذلك علناً".
بدوره يشير طارق الشرعبي، وهو عامل في أحد المصانع في تعز، إلى أنّ اليمنيين لديهم آمال كبيرة يعلقونها على مجلس القيادة الرئاسي لإنهاء الحرب، ولديهم أحلام يتمنون أن يحققها المجلس. ويعرب عن أمله في أن تنعكس نتائجه على الأوضاع في المناطق المحررة، من تشكيل حكومة جديدة، تضم الجميع، مهمتها توفير الخدمات وإصلاح الاقتصاد وإنهاء الانقسام وتوحيد القوات الأمنية والعسكرية تحت قيادة واحدة.
وبرأي الشرعبي فإنّ "الفشل غير مقبول في تنفيذ توصيات مشاورات الرياض؛ لأن الأوضاع الراهنة وما يعانيه الشعب قد يدفعان بسيل وغضب الشعب إلى الشارع ضد الجميع".
أما المحامي عبد الله البعداني من محافظة أب، وسط اليمن، فيرى أنّ "مشاورات الرياض وإعلان مجلس القيادة الرئاسي، مثلا مفاجأة للجميع، ومعه قفزت آمال الناس أكثر، بعد أن كنا نعتقد أنّ المشاورات لا تقدم شيئاً طالما أنّ الحوثيين لم يشاركوا، لأنهم الطرف الآخر في الحرب فيما المتواجدون في حوار الرياض هم الطرف الأول من هذه الحرب".
ويعرب البعداني عن أمله في أن تحل الأطراف المتواجدة في الرياض (مؤيدون للشرعية) مشكلاتها، ثم تجلس مع الحوثيين لإنهاء هذه الحرب ووقف نزيف الدماء وإنقاذ الشعب من الموت جوعاً". كما يأمل "أن تصدق السعودية مع مجلس القيادة للخروج بحلول لصالح اليمن واليمنيين وألاّ تكون التطورات الجديدة سبباً لأزمات إضافية".
ويعرب عن تخوّفه من أن "يفشل الصراع القائم بين إيران والسعودية كل محاولات اليمنيين الخروج من هذه الأوضاع القاتلة، ويتسبب بمزيد من الدمار". وبرأيه فإنّ "الكثير من الذين كانوا متواجدين في مشاورات الرياض كانوا جزءاً أساسياً من المشكلة القائمة، بمن فيهم من هم في مجلس القيادة الرئاسي"، من دون أن يحدد أسماء.
أما جنوباً، وبعدما تبين أنّ المجلس الرئاسي قسّم مناصفة بين الشمال والجنوب، فضلاً عن تعيين رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، المدعوم إماراتياً والمنادي بانفصال الجنوب عن الشمال عضواً فيه؛ فيقول المهندس محمود صادق من عدن، إنه يأمل أن يحل مجلس القيادة الرئاسي الوضع الاقتصادي وتوفير خدمات الكهرباء والماء وصرف رواتب الموظفين. كما يعرب عن أمله في إنهاء جميع أشكال الحرب في اليمن، خصوصاً أن الناس ملًت من السياسة والسياسيين طوال السنوات الماضية.
ويضيف: "اليوم نتفاءل بالخير، عندما شارك المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية وطارق صالح، وشكلوا جبهة واحدة ضد الحوثيين، تحت مجلس القيادة".
ويلفت إلى أنّ عدن "خلال ثماني سنوات عاشت في حروب متتالية، أولها كانت ضد الحوثي وعلي عبد الله صالح، ثم بين الإمارات والشرعية، وبعدها بين الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، ولا تزال تعيش الخلافات نفسها، لذلك قد تكون توصيات مشاورات الرياض الأخيرة هي الأمل لإخراج العاصمة المؤقتة، عدن، من الصراعات، وإنهاء مشكلة تصفية الحسابات داخل الشرعية والتحالف، وبالوقت نفسه يتمكن الجنوبيون من إدارة مدنهم ومناطقهم وبنائها"، على حد قوله.
من جهته، يقول المدرس في محافظة مأرب شرق اليمن، سليمان الزايدي، إنّ مشاورات الرياض والقرارات الجديدة تجمع بين الأمل والخوف. ويلفت إلى أنّ "كثيراً من الناس في مأرب كانوا يتخوفون من فشل أطراف الشرعية من حل المشكلات العالقة في المناطق المحررة، والتي تسببت في تقوية موقف الحوثيين، وأدت الى عدم توحيد الجبهات وتنسيقها ضد الحوثي، سواء العسكرية أو حتى السياسية، كما أسفر الصراع في المناطق المحررة عن زيادة صعوبة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية".
ويضيف: "في الوقت نفسه هناك أمل في أنّ نقل السلطة إلى مجلس رئاسي يجمع كل الأطراف المتعادية، في الرياض، هو بداية النهاية التي انتظرناها خلال السنوات الأخيرة لتوحيد الموقف وحل المشكلات العالقة، وإشراك الجميع في الدولة والحكومة. وهذا لوحده يحل مشكلات كثيرة يعاني منها الشعب اليمني".
أما في محافظة شبوة جنوب شرقي اليمن، فيقول الصيدلي عمار الخليفي، إنّ توصيات مشاورات الرياض ونتائجها "أكدت أنّ هناك نية لإنهاء معاناة نحو ثلاثين مليون يمني وبوقف الصراع في شبوة من خلال إشراك الجميع في البناء والتنمية".
وبرأيه فقد بات الناس يتمسكون بحلم، وهو أن تصدق دول التحالف والشرعية، ومعها المجلس الانتقالي الجنوبي، وكذلك أحزاب "المؤتمر الشعبي العام" و"التجمع اليمني للإصلاح" و"الاشتراكي" و"المقاومة الوطنية"، إضافة إلى مكونات الحراك الجنوبي في إنهاء معاناة الشعب جنوباً وشمالاً والتخفيف من الأزمات والمشكلات التي تعصف بكل جزء فيه.
ويشدد على أنّ مطلب "إنهاء معاناة الشعب اليمني لا يقتصر فقط على المناطق المحررة، بل أيضاً هو حلم المواطنين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. فمعاناتهم أكثر صعوبة وأكثر قسوة، لذلك فإنّ مجلس القيادة الرئاسي هو اختبار للشرعية والتحالف في الإسراع بإنهاء الحرب، وإرغام الحوثيين على التخلي عن السلاح والانقلاب".
وفي سيئون في وادي حضرموت شرقي اليمن، يقول عمر باجنيد، إنّ اتفاق الأطراف المشاركة في مشاورات الرياض "قد ينهي مخاوف أهالي وادي حضرموت"، لأن تلك الأطراف، برأيه، كانت تعدّ نفسها لحرب في الوادي وسط محاولات للسيطرة عليه من أجل آبار النفط.
لذلك، يضيف باجنيد، فإنّ الحضارمة بشكل عام "يأملون أن يساعد إشراكهم في مجلس القيادة الرئاسي في حل المشكلات بين الأطراف الرئيسة أولاً، لا سيما الشرعية والانتقالي، وينهي أي مواجهات عسكرية بينهما، ثم يأتي التفكير بحل للمشكلات الأخرى، سواء انقلاب الحوثيين أو الأزمة الاقتصادية والأوضاع الإنسانية".
أما في غربي اليمن، وتحديداً في تهامة محافظة الحديدة، فيأمل النازح محمد عبده، أن يتمكن مجلس القيادة الرئاسي من المساعدة في إنهاء معاناة نازحي الحديدة وأهاليها، مشيراً إلى أنّ "مشاركة الجميع في هذا المجلس هي الخطوة الأساسية لإنهاء المشكلات ووقف الحرب، ولكي نعود إلى بيوتنا".
ويضيف: "نحن الآن مشردون مهجرون من مناطقنا، أنا من إحدى مناطق مديرية التحيتا، وهي إحدى مديريات محافظة الحديدة، وهي منطقة حرب ضمن الصراع في الساحل الغربي. تدمرت منازلنا، واضطررنا للنزوح بعد تهجيرنا من بيوتنا، وحالياً أسرتي مقسمة بين ثلاث محافظات؛ تعز ولحج وعدن، ولا نستطيع العودة إلى منطقتنا ولا استخدام مزارعنا، خسرنا كل ما نملك، وأصبحنا نبحث عن أعمال لنغطي بها لقمة العيش".