لا يوجد تفسير لتعاطي الحكومة اليمنية الباهت مع الملفات الخطيرة في الساحة، سوى أن "الشرعية" تعيش في غيبوبة قاتلة، وأن الآمال المعقودة باستفاقها وعودتها لممارسة المهمات الطبيعية المنوطة بكل حكومات العالم هي ضرب من الخيال.
خلال العقد الأخير، عرف المواطن العربي نماذج مختلفة من الحكومات الهشة والمتعَبة التي وقفت تتفرج على معاناة مواطنيها وتصرف لهم الوعود الكاذبة، لكن حكومة اليمن تبدو استثناء وفريدة من نوعها. أيقونة الحكومات الفاشلة، ولو أنها قررت المنافسة على قائمة أسوأ حكومات العالم، لحصدت المركز الأول.
في اليمن، يفتقر الشعب لكل شيء يمكن أن تقدمه الحكومة، بما في ذلك الوعود الكاذبة. لا وجود لأي ردود فعل تقرأ الواقع السياسي والعسكري والاقتصادي، ولا قدرة على التقاط إشارات الأزمات المتطايرة، ولا عرق ينبض. ربما أن جرعة زائدة من هواء المكيّفات المنعش في فنادق المنفى، قد منعت وصول كل ما يدور في البلاد إلى دماغ هذه الحكومة.
منتصف العام الحالي، كان أمهر الاقتصاديين يتوقعون أن ينتهي عام 2021 وقد اقترب الريال اليمني من حاجز الألف أمام الدولار الأميركي الواحد، لكن الكارثة حلت في وقت أبكر من ذلك. مع حلول منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، كان الريال قد هوى إلى قاع جديد ووصل إلى 1400 أمام الدولار، وربما يحلّ ديسمبر/ كانون الأول وقد لامس حاجز الـ2000. رحلة السقوط المدوية بدأت والحكومة في منفاها بالرياض، وحتى بعد أن عاد رئيسها معين عبد الملك إلى عدن، أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، فإنه وصل لمعاينة الأضرار فقط.
كما هو الحال في الترقيعات المرتبطة بالشأن العسكري، عندما تهرع القوات إلى بناء تحصينات وشن هجمات عندما يقع الفأس في الرأس وتتداعى الجبهات، يتم التعامل أيضاً بهذه الطريقة مع الانهيار الاقتصادي.
راقبت الحكومة انهيار العملة من 1000 وصولاً إلى 1400 ريال أمام الدولار الواحد، بعدها قررت التدخل بإعلان وقف مؤقت للتحويلات المالية الداخلية وإغلاق العشرات من منشآت الصرافة التي تدور حولها الشبهات في عملية المضاربة، علماً أن هذا القرار لن يُطبّق.
لا تريد "الشرعية" الاعتراف بالإخفاقات والتعلم من دروس الهزائم العسكرية والاقتصادية، وبدلاً من تصحيح الأخطاء، تمنح الفاشلين شهادات تقدير، وتبرر الهزائم بمنطق غرائبي.
غداة إعلان الحوثيين السيطرة على 5 مديريات في مأرب وشبوة، أول من أمس الأحد، كان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني يمارس هوايته في تسويق الوهم بالقول إن "النصر قادم لا محالة، والوضع في مأرب لن يكون أسوأ مما كان عليه في 2015". أمام منطق كهذا، ليس من المستبعد أن يتم تبرير الانهيار الاقتصادي بالخفة ذاتها، والحديث عن أن الريال اليمني لن يكون أسوأ مما بات عليه الريال الإيراني أو الليرة اللبنانية.
الحكومة التي تفكر بهذه الطريقة ولا تتخذ خطوات تصحيحية عاجلة في الملفات العسكرية والاقتصادية والسياسية، لا تؤتمن وستقود نحو 30 مليون يمني إلى جحيم يكوي الجميع. لو أن "الشرعية" أقرت بالهزائم الحاصلة وقامت باستيعاب الدرس وترتيب الصفوف، لأمسكت بزمام المبادرة، لكنها لا تريد ذلك.
الفاشلون في اليمن يحظون بحصانات تمنع المساس بهم، بدءاً من قيادة البنك المركزي وصولاً إلى قيادة القوات المسلحة، والمحصلة خيبات تتوالد. كل شيء يتداعى من أيدي الحكومة، ولم تبق لديها سوى جبهة "المرجعيات الثلاث" التي تحارب من أجلها وتعتقد أنها ستحفظ لها شرعيتها لا ماء وجهها.