استمع إلى الملخص
- الانتخابات أظهرت استمرار مشكلات السلطة السياسية في الجزائر، بما في ذلك نقص الشفافية والاعتماد على ممارسات تقليدية في إدارة الشأن العام.
- فجوة الثقة بين الشعب والسلطة تتسع، مع تزايد الإحباط والعزوف عن المشاركة السياسية، مما يعكس الحاجة لإصلاحات جذرية في النظام الانتخابي والسياسي.
يبدأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمس الثلاثاء، ولاية رئاسية ثانية، بعد انتخابات السابع من سبتمبر/أيلول الحالي، التي كان فيها العنوان السياسي الأهم للسلطة والأحزاب، تعزيز شرعية المؤسسات. في الواقع كانت كل الظروف والعوامل مناسبة بالنسبة للسلطة لأن تدير هذه الانتخابات بشكل وإخراج أفضل مما كان، لكن المآلات أظهرت الاستحقاق الانتخابي في صورة "كراس محاولات"، لتلميذ فاشل (السلطة). وحتى لا يبقى النقاش السياسي والعام في فنجان الأرقام التي لم تعد لها قيمة ومعنى، فإن القراءة السياسية لمآلات انتخابات السابع من سبتمبر، تعطي أربع ملاحظات يمكن استخلاصها بالنهاية من هذه التجربة الانتخابية الأخيرة. الملاحظة الأولى، أن السلطة السياسية في الجزائر (النظام)، لم تتعافَ بعد من مشكلاتها الداخلية، وما زالت التصورات السياسية في التعامل مع استحقاقات الدولة، غير مستقرة على نسق واضح، وتتجاذبها أفكار ورؤى غير منسجمة، ويظهر ذلك بوضوح في بعض المحطات والقرارات، ويبرر عودة الهواجس والأسئلة القلقة في الفضاء العام، بغض النظر عن دقتها من عدمها.
الملاحظة الثانية أن هذه السلطة السياسية ما زالت في خصومة راديكالية مع الشفافية، وتتحرك بشكل حذر وبطيء جداً مع مقومات النزاهة والتدبير الحسن، وترفض الخضوع للعوامل التكنولوجية (الرقمنة) المساعدة على إضفاء القدر اللازم من الوضوح، سواء في ادارة الانتخابات أو باقي القضايا وليست لها القدرة للتخلص من الممارسات السلطوية والتقليدية في إدارة الشأن العام، ليس فقط في الانتخابات، ولكن في مجمل المجالات والقطاعات، ذلك أن معضلة الأرقام والمؤشرات البيانية، تشمل كل شيء له علاقة بالنمو والاقتصاد والديمغرافيا والبطالة وغيرها.
ثالثاً، تعزز محصلة الانتخابات الرئاسية القناعات الفردية والجماعية وتصادق على أن الآلية الانتخابية في الجزائر ما زالت معطلة ومعطوبة برمتها، في ظل مناخ سياسي غير مناسب للمنافسة وبيئة ديمقراطية غير سليمة، وتؤكد أن مشكلة البلد لم تكن قط في وجود الهياكل أو التشريعات، بقدر ما هي في مدى الاستقلالية الفعلية للمؤسسات والمدى الذي تبسطه سطوة القانون على مناطق الظل، تلك التي وصفها رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمد شرفي، نفسه بـ"السوسة المدسوسة". والتباين الصارخ في النتائج بين سلطة الانتخابات والمحكمة الدستورية، والتي تثير الشكوك في الأولى ولا تعطي للثانية المصداقية، تؤكد أن وجود هيئة مستقلة (نظرياً) لتنظيم الانتخابات غير كافٍ، لحماية المسار الانتخابي وسلامته، وهذا يفرض إعادة تشكيل هذه الهيئة على أسس أخرى وقواعد يكون المجتمع السياسي شريكا في صياغتها.
أما الملاحظة الرابعة فهي أن فجوة الثقة بين ما تتعدد تسمياته، الشعب، المجتمع، الشارع، الرأي العام، إزاء ما تتعدد تسمياته أيضاً، الدولة، السلطة، النظام، المجتمع السياسي، ما زالت متسعة على قدر ارتباك السياسات العمومية والفشل في تحسين الوضع المعيشي، وعلى قدر فشل الخطاب السياسي الرسمي والحزبي في الإقناع بأفق أو بديل، وعلى قدر توسع فجوة الإحباط وتضاؤل الأمل في التغيير لدى كتلة واسعة من الجزائريين (9 ملايين من 24 مليون ناخب عبروا عن أصواتهم فقط)، وهذا يعني أن هناك كتلة إضافية انضمت إلى كتلة المقاطعة والعزوف، وعلى قدر الخناق المسلط على منابر وفضاءات التعبير والانتظام وانحصار المبادرة السياسية.