استمع إلى الملخص
- **تطويع الأحزاب وتغيير القيادات:** الأحزاب المعارضة لتبون شهدت تغييرات داخلية، حيث استُبدلت قياداتها بقيادات موالية له، مما أدى إلى دعمها له.
- **هشاشة المؤسسة الحزبية:** مراقبون يرون أن تطويع الأحزاب يعكس هشاشتها واعتمادها على السلطة، حيث لم يتطلب الأمر مجهوداً كبيراً من تبون.
خلال انتخابات الرئاسة عام 2019، كانت خمسة أحزاب جزائرية من كبرى القوى السياسية في البلاد، تقف ضد الرئيس عبد المجيد تبون مرشحاً، وتنافسه على الرئاسة بمرشحيها، بما فيها حزبه "جبهة التحرير الوطني" الذي كان تبون عضواً منتسباً إليه. في غضون الولاية الرئاسية الأولى، نجح تبون في تطويع هذه الأحزاب، وحدث ذلك تحت دواعٍ مختلفة، في ظروف متباينة بالنسبة إلى كل حزب، حيث حوّلها إلى حزام سياسي وانتخابي داعم له في انتخابات الرئاسة الجزائرية المقررة العام الحالي.
تحوّلات سياسية في انتخابات الرئاسة الجزائرية
في أول يوم من حملة انتخابات الرئاسة الجزائرية المقرّرة في السابع من سبتمبر/أيلول المقبل، التي انطلقت يوم الخميس الماضي، ذهب رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، إلى أقصى نقطة جنوب غربي البلاد، تندوف، على الحدود مع موريتانيا، لتنشيط الحملة الانتخابية للرئيس المرشح عبد المجيد تبون. كان بن قرينة نفسه قد زار المنطقة ذاتها في انتخابات الرئاسة الجزائرية عام 2019، عندما كان ينافس تبون على منصب الرئاسة، لكنه تحوّل وحزبه بكامل كوادره إلى حزب ينافس على تصدر جبهة دعم تبون في انتخابات 2024.
يعتبر مراقبون أن تطويع الأحزاب الخمسة، يؤكد هشاشة المؤسسة الحزبية في الجزائر
لم يكن ممكناً لهذا التحوّل السياسي ألا أن يثير أسئلة عن دوافعه، خصوصاً أن الحزب حصل على مناصب لا تناسب ثقله في الحكومة وفي الجهاز الدبلوماسي (سفير الجزائر في ليبيا سليمان شنين)، لكن بن قرينة وقيادات حزبه يسارعون في كل مرة إلى تقديم المبررات التي تفسر نقل الموقف من منافسة تبون إلى تأييده بحماسة. ونفى بن قرينة في لقاء مع كوادر حزبه عقده في السابع من فبراير/شباط الماضي، أن يكون ذلك قد حصل لمصالح وغايات ضيقة، وقال: "لقد كنت شخصياً منافساً للرئيس في انتخابات الرئاسة الجزائرية السابقة، لكنني بعد فوزه، وانطلاقاً من قناعات جماعية، أصبحت معاوناً للرئيس لإنجاز تعهداته". وقال في مؤتمر صحافي قبل أسبوع: "ليست لدينا أي أطماع ولا وجود لمصالح حزبية أو مناصب من وراء قرارنا دعم رئيس الجمهورية في الترشح لعهدة ثانية، ولم نشترط الحصول على حقائب وزارية ولا أي مغانم أخرى، وإنما هو موقف مبدئي خالص لمصلحة الجزائر".
قبل سنة، عبّر الرئيس تبون في حوار تلفزيوني بمرارة عن تخلي "جبهة التحرير الوطني" عنه في انتخابات 2019، على الرغم من أنه كان عضواً في هذا الحزب، إذ كان هذا الأخير الذي يعد أكبر أحزاب السلطة، قد دعم في تلك الانتخابات، منافسه عز الدين ميهوبي، الأمين العام لـ"التجمع الوطني الديمقراطي". بل إنه قبل ذلك بعامين، في أغسطس/آب 2017، كان حزب "جبهة التحرير" قد تنصل من تبون في واقعة إقالته المثيرة للجدل من رئاسة الحكومة وشنّ حملة سياسية وإعلامية قاسية ضده شاركت فيها قيادة "جبهة التحرير" حينها. وبعد انتخاب تبون في ديسمبر/كانون الأول 2019، جرى تطويع سياسي كامل لـ"جبهة التحرير"، بدأ بإجراء تحويرات (تغييرات) على قيادة الحزب، وإبعاد القيادات السابقة، بعضها عبر السجن بقضايا فساد، وانتخاب قيادة جديدة موالية بالكامل للرئيس تبون.
من الصدام إلى الدعم
حزبان آخران من الأحزاب التي كانت في موقف صدام في الموقف السياسي مع تبون خلال انتخابات 2019، "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي كان قد رشّح أمينه العام السابق عز الدين ميهوبي في تلك الانتخابات، و"جبهة المستقبل" التي كانت قد رشحت رئيسها عبد العزيز بلعيد، تم تطويعهما عبر انقلابات داخلية دفعت إلى استبعاد كل من ميهوبي وبلعيد خارج الحزبين. سلّم ميهوبي التجمع لأحد معارضي قيادة الحزب، الطيب زيتوني، والذي عيّنه تبون لاحقاً وزيراً للتجارة، فيما انسحب بلعيد من قيادة "جبهة المستقبل" بعد مواقف نقدية تجاه سياسات تبون، ما ألّب عليه السلطة التي دفعت كوادر حزبه إلى تدبير إزاحته في مؤتمر عام عقد في يناير/كانون الثاني 2024، وأُجبر على الاستقالة على الرغم من أنه ما زال في مقتبل مساره السياسي. بينما أخضع حزب طلائع الحريات الذي أسّسه رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، منافس تبون في انتخابات 2019، لتطويع ذاتي وارتمى في حضن السلطة مباشرة بعد انسحاب بن فليس من الحياة السياسية.
مسار التطويع تمّ سواء برغبة ذاتية أو عبر الضغط والتحييد السياسي
يمكن ملاحظة أن مسار تطويع هذه الأحزاب، تمّ سواء برغبة ذاتية بحثاً عن دفء السلطة في الغالب، ولحسابات سياسية ترتبط بالاستحقاقات المقبلة والحفاظ على التموقع قرب السلطة، أو عبر الضغط والتحييد السياسي للقيادات التي ليست على وفاق تام مع سياسات تبون، سواء بانقلابات داخلية، أو الدفع ببعض المشكلات المتعلقة وإثارة قضايا بحقها. ويعتبر مراقبون أن تطويع هذه الأحزاب بعينها، يؤكد هشاشة المؤسسة الحزبية في الجزائر، ويكشف أن مواقفها في انتخابات الرئاسة الجزائرية 2019، لم تكن نتيجة تقدير مؤسساتها الداخلية أو خيارات سياسية ذاتية، بقدر ما كانت نتيجة للارتباك الذي حصل داخل السلطة، والانقسام الذي حصل في المؤسسة الرسمية، وغياب توجّه رسمي معلن حينها بفعل ضغط الحراك الشعبي. ويعتبرون أن عودتها إلى خيار دعم مرشح السلطة، موقف طبيعي بعد عودة تمركز السلطة، سواء بدافع أطماع في حقائب وزارية وحكومية ومصالح، أو لقناعات سياسية فعلية.
عبد الكريم بوغرارة: لم يثق تبون بالأحزاب في المرحلة الأولى من ولايته وحاول الاعتماد على ائتلاف المجتمع المدني
ورأى المحلل السياسي عبد الكريم بوغرارة، أن هذا التطويع السياسي للأحزاب الخمسة خصوصاً، لم يتطلب مجهوداً سياسياً من الرئيس تبون. وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن تطويع الرئيس تبون لهذه الأحزاب مرتبط بكونه يملك خلفية واضحة عن طبيعة هذه الأحزاب، وكيفية إدارتها، هي الأحزاب نفسها التي كان لها موقف سلبي وشريكة في التواطؤ ضده في حادثة إقالته في أغسطس 2017، وفي انتخابات عام 2019 كانت هذه الأحزاب مؤيدة لعهدة خامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة". وتابع: "يمكننا أن نفهم عدم ثقته بها في المرحلة الأولى من ولايته الرئاسية عندما حاول الاعتماد على ائتلاف المجتمع المدني بشكل أساسي"، مضيفاً أن هذه الأحزاب الخمسة تحديداً "تعودت المنطق الريعي، فهناك اندفاع من قبلها نحو الرئيس وليس العكس، من أجل أن تحافظ على استمراريتها، لكونها قوى تبحث عن التموقع مع صاحب القوة والقرار للاستمرار في الحياة السياسية لأنها تستمد حضورها من التصاقها بالسلطة وولائها أكثر من كونها تستمد قوتها من نشاطها وأفكارها السياسية، وهذا في الحقيقة من بين العوامل التي سهلت للرئيس تطويعها لذلك".