تشير الأرقام الرسمية لمفوضية الانتخابات في العراق إلى أنه من أصل 3552 مرشحاً، هناك 982 عراقية قدمن أوراقهن للترشح إلى الانتخابات البرلمانية المقرر أن تجرى في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، من بينهن 162 تقدمن بشكل مستقل، بمعنى عدم الانتماء إلى أي حزب أو كيان سياسي، وغالبيتهن من المحسوبات على قوى مدنية غير دينية أو قومية. وتنافس المرشحات للحصول على مقعد في واحدة من الدوائر الـ83 الانتخابية بعموم مدن العراق، ضمن ما يعرف بـ"كوتا النساء"، التي توجب أن يكون لكل دائرة انتخابية ثلاثة مقاعد برلمانية، واحد للنساء.
ورغم أن عدد المرشحات للانتخابات المقبلة، في نسختها الخامسة منذ الغزو الأميركي للعراق في 2003، هو الأقل، إذ بلغ عدد من ترشحن في انتخابات 2018 أكثر من 1800 امرأة، بفعل قانون الانتخابات السابق الذي كان يتيح للأحزاب تقديم ضعف عدد حاجة الدائرة الواحدة من المرشحين، إلا أن مراقبين وسياسيين يرون أن ثمة بوادر إيجابية من ظاهرة المرشحات المستقلات، خاصة الوجوه الجديدة، وهن من الناشطات والصحافيات والحقوقيات بمجال الطفل والمرأة والنازحين وجوانب أخرى، وأغلبهن من الشابات، بين العشرين والأربعين سنة، عدا عن إمكانية نجاح الكثير منهن في إزاحة الوجوه النسائية السابقة.
تبرز حملات الكثير من المرشحات المستقلات ببرامج بسيطة، تعتمد على الحوار المباشر مع الناخبين
وخلال الأشهر الماضية، استطاعت جماعات من المحتجين والمشاركين في انتفاضة أكتوبر 2019، تأسيس كيانات سياسية حملت عناوين احتجاجية، مثل "البيت الوطني، ونازل آخذ حقي، وامتداد" وغيرها. واستقطبت هذه الكيانات وجوها نسائية معروفة على مستوى المجتمع المدني والتظاهرات وعاملات في قطاعات الإعلام والتعليم، فيما توجهت أغلبية الأحزاب التقليدية إلى الاعتماد على النائبات السابقات، إضافة إلى بنات وقريبات سياسيين معروفين، كما هو الحال مع سارة إياد علاوي، ابنة رئيس الوزراء الأسبق.
وقالت المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات العراقية جمانة غلاي، إن "أكثر من 900 مرشحة في الانتخابات هو عدد جيد، ويمثل مشاركة حقيقية وواعدة للمرأة العراقية. وقد حقق هذا الرقم الضمان الذي يكفل عدم التجاوز على حق العراقيات في العمل السياسي". وبينت، لـ"العربي الجديد"، أن "عدد المرشحات في الانتخابات السابقة كان أكبر، بسبب قانون الانتخابات الذي كان يسمح للأحزاب والكيانات السياسية بترشيح ضعف عدد المقاعد للدائرة الواحدة، لكن في القانون الجديد (الدوائر المتعددة) فقد تحقق وجود المرأة بما يتناسب مع طبيعة القانون".
وعلى النقيض تماماً من حملات الأحزاب والزعامات السياسية الانتخابية، تبرز حملات الكثير من المرشحات المستقلات ببرامج بسيطة، تعتمد على الحوار المباشر مع الناخبين، بالدخول إلى المناطق والأحياء السكنية للتعريف بأنفسهن، كما تفعل المرشحة عن دائرة الموصل نور غانم العابد، التي تركز في حملتها الانتخابية على ثالوث مدنية الدولة والمواطنة وسيادة القانون. وقالت العابد، وهي أكاديمية وناشطة حقوقية مستقلة، لـ"العربي الجديد": "أرى في نفسي القدرة على تمثيل ناخبي وأهالي مدينتي ومحافظتي خير تمثيل عبر التواصل معهم بشكل مباشر، وهذا ما قمت به خلال حملتي الانتخابية، إذ اطلعت بشكل كبير في جولاتي الميدانية على الكثير من المآسي والمشاكل في مناطق منسية ومهملة للأسف". واعتبرت أنه "دون ترسيخ هوية الانتماء للوطن لن نحل أي مشكلة، ولن نتقدم، وهذا ما يجب أن يكون قاعدة عمل مشتركة للجميع".
بان العزاوي، وهي ناشطة في مجالات التنمية البشرية ومرشحة مستقلة للانتخابات ببغداد، تحدثت لـ"العربي الجديد"، عن "عروض حزبية كثيرة للمرشحات المستقلات، منها مالية ومنها ما يتعلق بتوفير المناصب لهن مقابل تركهن الترشح للانتخابات، أو الانضمام للأحزاب، وهذا السلوك يؤكد مخاوف الأحزاب من الوجوه الجديدة، وتوجه العراقيين نحو انتخاب المستقلين، وتأسيس برلمان يمثل الشعب، حتى وإن كان يحتوي على كتل متحزبة تخدم أجندات خارجية".
تحدثت بان العزاوي عن عروض حزبية كثيرة للمستقلات مقابل تركهن الترشح للانتخابات
من جهتها، بينت رئيسة "الجبهة المدنية العراقية" النائبة السابقة شروق العبايجي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "من أهم أشكال الديمقراطية والمساواة هو الوجود القوي لدور المرأة في العمل السياسي والمشاركة في صنع القرار، والمساهمة بصناعة القوانين التي تخدم العراقيين تحت قبة البرلمان، وليس فقط كتحصيل حاصل، في سبيل ملء الكوتا الخاصة بالنساء أو الأقليات في البلاد". وأضافت "منذ العام 2011 زادت أهمية المرأة على النحو السياسي، لكنها ظلت محاصرة بالهيمنة الحزبية والطائفية". وأكدت أن "هناك نسبة جيدة من النساء المستقلات اللاتي يشاركن حالياً في الانتخابات بصفة مرشحات، وبعضهن ينتمي لبعض الكيانات السياسية، وهذا الأمر ليس معيباً، بشرط ألا تكون هذه الكيانات ظهيراً للفاسدين في المستقبل".
وحول ذلك، لفت الباحث والمحلل السياسي العراقي عبد الله الركابي إلى أن "معظم المرشحات من النساء للانتخابات المقبلة، من مواليد ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، أي أنهن أقرب إلى المصائب التي شهدتها البلاد عقب الاحتلال الأميركي في 2003، ويمكن القول إن بينهن من شاركن في الاحتجاجات العراقية". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك اندفاعا نسويا حقيقيا خلال المرحلة الحالية للمشاركة في العمل السياسي، وإصلاح ما يمكن إصلاحه. لكن بعضهن بحاجة إلى تنظيم سياسي وتثقيف، لأن الاصطدام مع السلطات، عبر ساحات وميادين الاحتجاج، يختلف عن الاصطدام مع الكتل السياسية داخل قاعة مجلس النواب". واعتبر "أنهن بحاجة إلى تعلم أساليب سياسية مهمة، ومنها فنون المناورات والخطاب السياسي المتزن".