بعد المناظرة التلفزيونية الأولى، التي جرت ليل أمس الأحد، بين المرشحين الثلاثة لمنصب المستشار خلفاً لأنغيلا ميركل بعد الانتخابات البرلمانية العامة المقررة في 26 سبتمبر/ أيلول المقبل، كان هناك شيء واحد واضح: أن المعركة الانتخابية مستمرة والمنافسة محتدمة على كل ناخب، وهذا ما يظهر من خلال إجابات المرشحين الذين كانوا متيقظين إزاء السقوط في هفوات قد تطيح حظوظهم في الوصول إلى المستشارية، لا سيما أنه لا يزال هناك تعويل على أصوات الناخبين المترددين، أو من انسلخوا عن أحزابهم أو أيدوا في أوقات سابقة اليمين الشعبوي رفضاً لسياسة اللجوء التي اعتمدتها المستشارة خلال الفترة التي سبقت الانتخابات العامة في عام 2017.
ومع انطلاق المناظرة بالغوص في المحتويات الأساسية التي تهم الناخب الألماني، من الشؤون الخارجية والأمنية وفي مقدمتها قضية أفغانستان، إلى الشؤون الداخلية ولا سيما مكافحة وباء كورونا وزيادة الضرائب ورفع الأجور وحماية المناخ والأمن والعدالة الاجتماعية؛ برزت العديد من المواقف للمرشحين، إذ أبدت مرشحة الخضر أنالينا باربوك نيتها "تجديد البلاد حقا"، فيما أوضح مرشح "الاشتراكي الديمقراطي" أولاف شولز أنه يريد وبخبرته الحكومية تأمين وظائف جيدة، أما مرشح الاتحاد المسيحي أرمين لاشيت فاعتبر أن كل ما تحتاجه البلاد الآن "سياسة اقتصادية جيدة وتحديث".
ففي الجدل الدائر حول أفغانستان، لم يتردد لاشيت في التصويب على الحكومة الألمانية، وكأنها لم تكن بقيادة حزبه، واتهم حزب المرشح شولز (يشغل حاليا منصب وزير المالية عن الاشتراكي الديمقراطي في حكومة المستشارة ميركل) بمعارضته وحزبه أخيرا في زيادة الإنفاق الدفاعي بمنع شراء طائرات مسيرة مسلحة لحماية الجنود الألمان ومكافحة الإرهاب، ما دفع شولز لصد اندفاعة لاشيت ضده بكثير من الروية، إذ أراد أن يظهر بمقام رجل دولة. في المقابل حاول لاشيت التشديد على أن الاتحاد المسيحي هو الوحيد القادر على ضمان قوة سلاح الجو الألماني في المستقبل.
وفي ملف حماية المناخ احتدم النقاش بين لاشيت وباربوك، والتي أعادتها أخطاؤها الكثيرة في بداية الحملة الانتخابية إلى المركز الثالث، بعدما تفاعلت الأخيرة مع قضية المناخ ورأت أنها وحزبها سيعملان على إنهاء استخدام الفحم الحجري بحلول عام 2030 وجعل الطاقة الشمسية إلزامية على الأسطح، متهمة شولز ولاشيت بالتباطؤ الشديد في هذا المجال، وأنه من المهم بدء اتخاذ الإجراءات الآن، بينما الاشتراكي يريد تحقيق "الحياد المناخي" والاتكال على الطاقة المتجددة حتى عام 2045، في وقت يريد لاشيت التخلص التدريجي من الفحم والحصول على الطاقة من مصادرها البديلة، متهما باربوك بأنها من خلال تلك الطروحات تضع قيودا على الصناعة وتضيق على اليد العاملة.
وحاولت باربوك مغازلة وجذب تعاطف الألمان الشرقيين بالتسويق لضرورة رفع الحد الأدنى للأجور والتمويل الهيكلي للولايات الشرقية، في حين شدد لاشيت على ضرورة تزويد الشرطة بالمزيد من المعدات اللازمة والكاميرات لمساندتها في مراقبة الأماكن المفتوحة وبالتحقيقات لاحقا.
من جهة ثانية، أبرزت صحيفة "دي فيلت"، اليوم الاثنين، أن هناك استياءً يصل لحد السخط داخل الاتحاد المسيحي بشأن نوع الدعم من المستشارة للاشيت، وأن مساهمتها ضعيفة، رغم أن ميركل، وعندما دار النقاش قبل أشهر في مقر الحزب عن الفعاليات التي ترغب في المشاركة بها خلال الحملة الانتخابية كانت إجابتها صارمة بأنها تفضل عدم التواجد أو المشاركة باقل قدر ممكن، إلا أن بعض السياسيين اعتبروا، وفق الصحيفة، أنه لا بد أن تلعب ميركل بالطبع دورا مع انتعاش حظوظ الاشتراكي.
في المحصلة، المناظرة الثلاثية كانت معركة من دون فائز واضح، رغم أنه بالنسبة لمرشح الاتحاد المسيحي، كان الأمر يتعلق بكل شيء، وعلى الأقل استغل الأخير هذه الفرصة، وهو الذي تعرض أخيرا لأضرار بالغة، رغم أن الاستطلاعات التي برزت اليوم بينت أن شولز كان الأكثر إقناعا في الأمسية والأكثر احتمالا لقيادة البلاد بكفاءة، فيما اصطف السياسيون وراء مرشحي أحزابهم. إلى ذلك، يمكن الاستنتاج أنه لم تكن هناك من نية لدى المرشحين الثلاثة للتصويب على بعضهم البعض، رغم محاولة المحاورين استنباط إجابات عن مدى عدم ملاءمة المرشح الآخر لمنصب مستشار.
تجدر الإشارة الى المناظرة، التي دامت حوالي ساعتين، كانت الأولى من عدة نواح، أولا لأنها بثت على قناتين خاصتين، وثانيا لأن المنافسة كانت بين ثلاثة مرشحين متقدمين لمنصب مستشار من ثلاثة أحزاب رئيسية مع تقدم الخضر في الأرقام منذ الولاية التشريعية الحالية؛ كل ذلك مع ما تقارب المنافسة والفرص بين المرشحين وفق ما تظهره أرقام الاستطلاعات، ما سيجعل انتخابات البوندستاغ في هذه الدورة محتدمة للغاية، ومن دون إغفال أنه لا تزال هناك مناظرتان قبل موعد الانتخابات، قد تكون لهما مفاعيل حاسمة تعطي الأفضلية لأحد المرشحين.