يتجه النرويجيون اليوم الإثنين إلى صناديق الاقتراع لحسم توزيع مقاعد برلمانهم الـ169 بين مختلف التيارات السياسية في الانتخابات التشريعية. وبعد 8 سنوات (منذ 2013) من حكم رئيسة الوزراء المحافظة، إرنا سولبيرغ، من خلال حزب "هويرا" (يمين) المحافظ، يبدو أن الستار سيسدل على استمرار حكم تحالفها اليميني، بحسب نتائج استطلاعات رأي متقاربة في نتائجها حول تراجع ذلك المعسكر. وذهبت الاستطلاعات إلى منح معسكر اليسار ويسار الوسط "معسكر أحمر" تقدماً ملحوظاً، على حساب معسكر "أزرق". فحزب "العمال"، بزعامة يوناس غار ستورا، ورغم تراجعه بنحو 4 نقاط إلى 23.4 في المائة، مقارنة بانتخابات 2017 التي حقق فيها 27.4 في المائة، يتطلع للعودة إلى الحكم بدعم أحزاب يسارية ويسار الوسط والخضر، والتي سجلت تقدماً ملحوظاً في الاستطلاعات الأخيرة قبيل توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع.
الانتخابات النرويجية الأولى في اسكندنافيا بعد تفشي كورونا
الانتخابات البرلمانية الحالية تعتبر حاسمة ومؤشراً قوياً لبقية ساسة مجموعة "دول الشمال"، لكونها الأولى بعد تفشي وباء كورونا، وتأثيره على مزاج الشارع. ويراقبها رؤساء حكومات فنلندا والسويد والدنمارك لمعرفة تأثيرها على الانتخابات وشعبية منظومة الحكم فيها. ومثلما يعزز الوعي البيئي والمناخي مواقع أحزابها في اسكندنافيا، لتشابهها وتشابه معسكرات السياسة فيها، فإن التعويل على نتائج تلك الانتخابات بات ملحوظاً في عواصم تلك الدول لقراءة مستقبل انتخاباتها خلال العام المقبل.
ومقابل تراجع تكتل اليمين المحافظ، بما في ذلك حزب رئيسة الحكومة سولبيرغ، من أكثر من 25 في المائة إلى نحو 19 في المائة، ومعه حزب "التقدم" (قومي متشدد) بتراجع بأكثر من 5 في المائة، من 15 إلى 10 في المائة، يبدو تفضيل الناخبين لتغيير نمط الحكم واضحا لمصلحة معسكر "أحمر أخضر".
وفيما لم تمنح الاستطلاعات المتتالية أكثر من 67 مقعداً ليمين الوسط، ووجود بعض أحزابه على حافة عتبة الحسم المطلوبة، أي 4 في المائة، مثل "الديمقراطي المسيحي"، والمطلوب تأمين غالبية مكونة من 85 مقعداً لمواصلة الحكم، يبدو معسكر اليسار ويسار الوسط أكثر أريحية في تأمين ما يصل إلى 90 مقعداً. وخلقت الاستطلاعات وتغير مزاج الشارع أجواء قلق مشحونة في معسكر اليمين لأسابيع، بعد استمرار تراجع شعبية سولبيرغ إثر موجات كورونا المتلاحقة واندلاع سجالات حول سياسات الإغلاق العام، بالإضافة إلى نشوب مشاكل متعلقة بإدارة أزمة النفط، لجهة اقتراح رفع الضريبة على صناعتها لجعلها أقل جذباً، ومحاولة تبني التحول الأخضر. كل ذلك خلق تشققاً في علاقة اليمين المتشدد، حزب "التقدم"، مع سولبيرغ، بالإضافة إلى تعدد السياسات المحلية التي خلفت تحديات كبيرة للتحالف الحاكم، وأثرت على شعبيته في الشارع.
وعلى الرغم من التعامل الجيد لسولبيرغ مع الموجة الأولى من وباء كورونا، والتي رفعت شعبية حزبها إلى 26 في المائة في استطلاعات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أدت السياسات المتعلقة بالإغلاق الطويل وجدل اللقاح دوراً في تراجع تلك الشعبية، حسب ما يذهب محللو الشأن الانتخابي النرويجي.
وعشية الانتخابات أظهر النرويجيون ميلاً نحو تعزيز موقع حزب البيئة (الخضر)، الذي لم يتخطَ عتبة النسبة المئوية (4 في المائة من أصوات الناخبين) في المرة الماضية، بينما يحصل اليوم على ما يصل إلى 5 في المائة، وفقاً للاستطلاعات، التي تشير إلى رغبة النرويجيين التصويت يساراً بواقع 55 إلى 60 في المائة من الأصوات. ويمنح ذلك بشكل خاص تقدماً واضحاً لـ"اليسار الاشتراكي" بنحو 4 نقاط أي 9.6 في المائة مقابل نحو 6 في المائة في 2017.
ويتخطى حزب "أحمر" (يسار) نسبة 2.4 في المائة التي حققها في 2017 ليحصل على نحو 5.3 في المائة، بينما يتقدم حزب "الوسط" (سنتر بارتيت) وهو يسار الوسط، بنحو 3 نقاط إلى 13 في المائة. وتعزز هذه الأرقام عدد مقاعد هذا التحالف وفرص زعيم "العمال" (23.4 في المائة) غار ستورا لتشكيل حكومة "أحمر أخضر"، سواء بتحالف مباشر مع اليسار أو من خلال الاعتماد على القاعدة البرلمانية بوصولها إلى أكثر من 85 مقعداً.
غرقت أحزاب اليمين الحاكم في خلافات داخلية
وعانى تحالف حكومة سولبيرغ خلال الفترة الأخيرة من تعارض بين أحزابه على خلفية قضايا اقتصادية وبيئية وعلى سياسة الهجرة واللجوء، ما أثر على صورة تماسكه. ومع أن أوسلو وضعت مشروعاً طموحاً لاستبدال السيارات العاملة بالوقود الأحفوري، والسعي حتى 2025 لوقف استيراد سيارات الديزل، كان حزب "التقدم" يتسبب بصداع في معارضته للخطة، وهو المعروف بضمّه في صفوفه طبقات رأسمالية غير مهتمة بالبيئة. وعارض الحزب أيضاً خطط البلاد المساهمة في حل مشاكل اللاجئين حول العالم باستقبال نحو 3 آلاف من لاجئي الحصص (كوتا اللاجئين عبر المفوضية السامية للاجئين في الأمم المتحدة) سنوياً.
وجاء السجال الأخير حول سياسة الإجهاض ليضع تحالف الحكم في ورطة بعد اقتراحه السماح بالإجهاض حتى الأسبوع الثاني والعشرين من الحمل، وتخفيض سن المسموح لهن بذلك حتى 14 سنة، ليؤجج الخلافات. فقد عارض "المسيحي الديمقراطي"، وأقطاب في اليمين القومي في حزب "التقدم" تلك الخطط، ودخل أطراف هذا المعسكر في سجالات وتراشق علني على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ما اعتبرها جميعها مراقبو الشأن الانتخابي المحلي مضرة بصورة تحالف اليمين المحافظ.
وبانتظار النتائج النهائية لانتخابات الغد، فإنه من شبه المؤكد في وسائل الإعلام النرويجية أن الستار سيسدل على سولبيرغ ومشاريعها الطموحة والمتأخرة في مجاراة مشاغل النرويجيين البيئية. مع العلم أن سولبيرغ تعمل في السياسة منذ 28 عاماً، وتنقلت بين عضويتها في البرلمان وقيادة حزبها خلال 17 سنة و8 سنوات في منصب رئاسة الحكومة. واستفاد النرويجيون حتى يوم الجمعة الماضي من التصويت المبكر في الانتخابات، بدلاً من الوقوف في طوابير اليوم الإثنين. وأفادت الأرقام الرسمية التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية "أن تي بي"، أن 1.6 مليون (أي نحو 42 في المائة من الناخبين) صوّتوا مبكراً، علماً أن نسبة المشاركة في انتخابات 2017 وصلت إلى أكثر من 78 في المائة.