يتوجه صباح اليوم السبت، 19.548.531 ناخبا تايوانيا إلى صناديق الاقتراع، للمشاركة في انتخابات تايوان الرئاسية، لاختيار رئيس الجزيرة المقبل خلفاً للرئيسة المنتهية ولايتها تساي إنغ وين، وسط ترقب صيني لهوية الرئيس الجديد، وأيضاً 113 عضواً في مجلس اليوان (البرلمان).
ولن تحدد الرئاسيات سياسة الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي مع البر الرئيسي الصيني لسنوات مقبلة فحسب، بل سترسم أيضاً ملامح الجغرافيا السياسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وحدود الصدام بين الولايات المتحدة والصين في المنطقة. وللمرشحين الثلاثة الذين يتنافسون على الرئاسة آراء متفاوتة مع الصين.
مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي، لاي تشينغ تي، النائب الحالي لتساي، يُعرف منذ فترة طويلة بأن لديه موقفاً راديكالياً مؤيداً لاستقلال تايوان عن الصين. وقد وصف نفسه ذات مرة بأنه "شخص مكرّس من أجل استقلال تايوان"، لكنه خفف من موقفه أثناء حملته الانتخابية، وقال إنه لا ينوي السعي إلى الاستقلال إذا تم انتخابه.
أما هو يو إيه، مرشح حزب "الكومينتانغ"، فيتمتع بعلاقة وطيدة مع الصين ويعتبر الأكثر ودية مع سلطات البر الرئيسي بين المرشحين الثلاثة، وهذا أمر غير مقبول إلى حد كبير في نظر الناخبين الأصغر سناً.
وسبق له أن دعا في وقت سابق إلى توثيق العلاقات مع بكين، وقال خلال حملته الانتخابية إنه في حال فوزه في انتخابات تايوان الرئاسية، سيلتزم بدستور جمهورية الصين، وجمهورية الصين هو الاسم الرسمي لتايوان، ويكرس دستورها مفهوم "صين واحدة" الذي تعتبره بكين الأساس لأي حوار.
وبالنسبة إلى كو وين جي، مرشح حزب الشعب، فقد أبدى اعتقاده في تصريحات سابقة، بأن تايوان والبر الرئيسي الصيني عائلة واحدة. وخلال فترة عمله كعمدة لتايبيه بين عامي 2014 و2022، قام بتعزيز التبادلات والتعاون الوثيق مع الصين، وهو النهج الذي يراه الأفضل للعلاقات عبر المضيق.
جين توي: إذا فاز مرشح الحزب الحاكم ستكرر الصين إطلاق الصواريخ وفرض القيود التجارية
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، قد جعل مسألة "التجديد الوطني" (مصطلح يعبر عن تحديث الأمة الصينية) هدفاً تسعى بكين إلى تحقيقه بحلول منتصف القرن الحالي، كما أن وضع تايوان تحت سيطرتها و"إعادة التوحيد" يشكل جزءاً من رؤية التجديد. في حين تعتبر الولايات المتحدة تايوان معقلاً للديمقراطية إلى جانب الصين القارية، وموطئ قدم استراتيجيا لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وفي محاولة واضحة للتأثير على نتائج انتخابات تايوان الرئاسية، عبرت قبل أيام 12 طائرة مقاتلة صينية وعدة بالونات مراقبة الخط الأوسط، الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيسي، بينما أبحرت تشكيلات بحرية بقيادة حاملة الطائرات "تشاندونغ" عبر مضيق تايوان، حسبما ذكرت وزارة الدفاع التايوانية.
وتعتبر الصين تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وقضية الجزيرة خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه أو التدخل فيه من قبل أطراف خارجية.
آراء التايوانيين
وكان استطلاع للرأي أجرته منصة "إي تي توداي" الإلكترونية في تايوان في سبتمبر/أيلول الماضي، أظهر أن 48.9 في المائة من التايوانيين يؤيدون الاستقلال الرسمي، بينما أيد أقل من 27 في المائة الإبقاء على الوضع الراهن، وأن أغلبية كبيرة من سكان الجزيرة رأت أن البر الرئيسي يمثل تهديداً متزايداً للأمن القومي. كما أبدى نصف المشاركين في الاستطلاع، اعتقادهم أن الولايات المتحدة ستهب للدفاع عن تايوان إذا تعرضت لهجوم من الصين.
وقال مراقبون تايوانيون إن صيغة "دولة واحدة ونظامان" التي تتبعها الصين في هونغ كونغ، وتحاول تطبيقها في تايوان، مجرد حبر على ورق، وأن الأجيال الجديدة ترفض التبعية للصين، وأن ذلك سينعكس على نتائج انتخابات تايوان الرئاسية اليوم، اليوم.
في السياق، أوضحت الطالبة في جامعة سوتشو في تايوان، لي يانغ، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنها ستنتخب مرشح حزب الشعب كو وين جي، لأنه "يتحدث بلغتنا ويهتم بقضايانا، لقد سئمنا كذب الحزب الحاكم الذي انشغل في صراعات خارجية على حساب تحسين الاقتصاد وخفض الأسعار وإيجاد فرص عمل للشباب".
وقالت: "أنظر إلى الولايتين السابقتين للرئيسة تساي إنغ وين (2016 ـ 2024)، لقد شهدت الجزيرة خلال هذه الفترة ارتفاعاً جنونياً في أسعار الشقق السكنية، كما أن نسبة البطالة وصلت إلى معدلات قياسية".
من جهته، كان لمدير مكتب للاستشارات القانونية في تايبيه، لو ينغ، رأي آخر، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "على ثقة بفوز الحزب التقدمي الديمقراطي، لأنه يعبّر عن مشاعر التايوانيين الراغبين بالاستقلال والرافضين للوصاية الصينية".
وعزا ذلك إلى أنه "لا يكاد يمر يوم من دون أن تعبر الطائرات المقاتلة المقبلة من بكين سماء تايوان في تهديد واضح وصريح للشعب والحكومة. لا أحد يملي علينا ما يجب فعله، بإمكان الصين أن ترسل المزيد من الطائرات، فهي فرصة لاستعراض قوتها العسكرية. لكن ذلك لا يخيفنا ولا يثني عزيمتنا وإرادتنا في اختيار ما نراه مناسباً لمستقبل بلادنا".
خيارات الصين بعد انتخابات تايوان الرئاسية
وفي وقتٍ تستعد بكين لفوز محتمل لرئيس تايواني آخر يميل إلى الاستقلال، وهو الأمر الذي تعتبره انجرافاً خطيراً نحو السيادة الوطنية في الجزيرة، ينشغل مراقبون في خيارات الصين في حال فوز مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي لاي تشينغ تي، الذي يعتبر الأوفر حظاً بين المرشحين الثلاثة.
وتفضل الصين فوز مرشح حزب "الكومينتانغ" هو يو إيه، الذي تربطه علاقات ودية معها، في حين أن الحزب يواجه معارضة داخل معسكر الناخبين الذي يميل إلى الاستقلال.
حول الخيارات المحتملة، قال أستاذ الدراسات السياسية السابق في جامعة تايبيه الوطنية، جين توي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من غير المتوقع أن تحيد بكين عما اعتادت عليه في ظروف وأحداث مماثلة تتعلق بمستقبل الجزيرة".
وأضاف: "أعتقد أن الرد سيكون في حال فوز الحزب الديمقراطي التقدمي، تكرار بكين ما فعلته عندما قامت رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي، بزيارة تايبيه في أغسطس/آب 2022، حين أرسلت طائرات وسفنا عسكرية عبرت المضيق، وأطلقت صواريخ على الجزيرة، وفرضت حظراً مؤقتاً على حركة الشحن البحري. لذلك ستكرر التهديد والوعيد وإطلاق الصواريخ والطائرات المقاتلة وفرض القيود التجارية والاقتصادية".
وانغ تشي بينغ: بكين لم تقرر كيفية الرد على أي انتصار للحزب الديمقراطي التقدمي
لكن جين لفت في المقابل، إلى أن مثل هذه الإجراءات لن تؤدي إلا إلى التفاف التايوانيين حول الحزب الحاكم، والتمسك بالهوية الوطنية، وبالتالي سيتسبب ذلك بنتائج عكسية.
وأوضح أن استخدام العقوبات الاقتصادية من شأنه أن يقلل من فرص حدوث صدامات عسكرية في المنطقة، معتبراً أن تأثير ذلك ينصب على أصحاب رؤوس الأموال في الجزيرة القادرين على ممارسة الضغط على صنّاع القرار فيما يتعلق بمستقبل العلاقات مع بكين.
براغماتية الصين بالتوازي مع انتخابات تايوان الرئاسية
من جهته، عبر الباحث الصيني في العلاقات الدولية وانغ تشي بينغ، عن اعتقاده في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بكين لم تقرر كيفية الرد على أي انتصار للحزب الديمقراطي التقدمي. واعتبر أن الصين لا تتصرف بشكل ارتجالي وفي إطار الفعل وردة الفعل.
وأضاف: من المحتمل أن تكون بعض الهيئات أو المؤسسات الصينية قد قدمت توصيات لصنّاع القرار بشأن الطريقة المثلى للتعامل مع التحديات القادمة والخيارات المتاحة، لكن الصين تتعامل ببراغماتية بحتة عندما يتعلق الأمر بمستقبل تايوان.
وقال "نحن نتحدث عن دولة (الصين) عززت قدراتها العسكرية، وهي قادرة على الحسم حين يرتبط الأمر بقضايا مصيرية، لكن النهج الذي اتبعته على مدار العقود الماضية سواء على مستوى رسائل القوة العسكرية أو النفوذ الاقتصادي، ساعد في تقليص عدد الدول المعترفة بالجزيرة، ما أدى إلى عزل تايوان على الساحة الدولية.
وبالتالي فإن فصلاً جديداً من حكم الحزب الديمقراطي التقدمي، لن يغير المعادلة كما أن الديمقراطيات تتقلب بين حين وآخر، وبالنهاية سيكون إعادة التوحيد أمراً حتمياً".
عقوبات اقتصادية
في تعليقه على الخيارات الصينية، عارض الخبير الاقتصادي تشي جيانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، وجهة نظر الباحث وانغ تشي بينغ، وقال إن بكين لا يمكن أن تقف موقف المتفرج في مسألة حساسة تتعلق بمستقبل تايوان، وأن لديها خيارات جاهزة للتعامل مع احتمال استمرار الحزب الحاكم في السلطة، ويأتي في مقدمة ذلك العقوبات الاقتصادية.
ولفت إلى أنه في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت بكين أنها ستعلق تخفيضات الرسوم الجمركية اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني الحالي على 12 منتجاً تايوانياً تشملها اتفاقية إطار التعاون الاقتصادي عبر المضيق، وأرجعت قرارها إلى موقف الحزب الديمقراطي التقدمي بشأن الاستقلال.
وفي الأسبوع نفسه، رفعت الحظر عن استيراد أسماك الهامور من الجزيرة، وهي القضية التي أثارها حزب "الكومينتانغ" خلال زيارة إلى البر الرئيسي الصيني، حيث كانت بكين قد حظرت هذه الأسماك في يونيو/حزيران 2022 على أساس أنها تحتوي على مواد كيميائية محظورة.
واعتبر تشي أن هذين القرارين يوضحان مدى ارتباط السلوك الصيني بمؤشر الاستقلال في الجزيرة. وعن الخيارات الاقتصادية، أشار إلى أن هناك ورقة مهمة مرتبطة بعمليات الشحن البحري إلى تايوان قد تلجأ إليها الصين، كأن تطلب من جميع السفن أن ترسوا أولاً في الموانئ الصينية، الأمر الذي سيكبد شركات الشحن تكاليف باهظة من شأنها أن تؤثر على سلاسل التوريد إلى الجزيرة.