انتخابات تونس... عندما يُصدم الجميع إلا قيس سعيّد

23 ديسمبر 2022
من إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج، الاثنين (ياسين محجوب/Getty)
+ الخط -

حدث ما لم يكن في حسبان الرئيس التونسي قيس سعيّد. إذ بدلاً من أن تشكل انتخابات السبت الماضي محطة تفضي إلى "صناعة تاريخ جديد لتونس والعالم"، انقلبت إلى صدمة عنيفة، وتحوّلت إلى زلزال يكاد ينسف المسار الذي خطه الرئيس منذ 25 يوليو/ تموز 2021.

حتى معارضوه الأكثر راديكالية لم يتوقعوا أن تنخفض نسبة المشاركة في هذه الانتخابات إلى أقل من 12 في المائة، وهي نسبة صادمة في بلد لا تزال علاقته بالانتخابات الحرة جديدة وطرية. فما الذي يفسر عزوف قرابة 90 في المائة من التونسيين الذين قرروا لأول مرة منذ الثورة عدم الذهاب للاقتراع؟ وما هي تداعيات ذلك على قيس سعيّد وعلى المشهد السياسي؟


تحاول المعارضة استثمار نتائج الانتخابات لتدفع نحو افتكاك المبادرة من سعيّد

ما حدث السبت الماضي ليس مجرد انتخابات عادية، ودلالات الحدث تجاوزت بأشواط مجرد اختيار نواب لبرلمان جديد بقدر ما كانت اختباراً لمدى ثقة التونسيين في رئيسهم. فهو صاحب المبادرة، وهو الذي وضع خريطة الطريق، وقام بصياغة القانون الانتخابي حسب رغباته، وهو الذي حدد الموعد، وهو الذي أقصى من أراد إقصاءهم.

وبالتالي هو الذي يتحمّل كامل المسؤولية عن النتائج التي ترتبت عن مسار كامل. حتى أنصاره شهدوا بذلك، وهو ما أقرّ به وزير التجارة السابق محمد المسليني، وهو أحد قادة "حركة الشعب" المساندة لخط سعيّد، حين اعتبر أن رئيس الجمهورية "هو الذي يدير العملية السياسية بمفرده، ويتحمل فشل إدارة هذه المرحلة منذ 25 يوليو (2021)".

وبذلك يجد قيس سعيّد نفسه وجهاً لوجه أمام شعبه الذي لطالما تحدث باسمه، واعتبره المصدر الوحيد للشرعية والمشروعية، لكن اليوم بدل أن يكون هذا الشعب إلى جانبه، أدار له ظهره، ووجه له رسالة قاسية وواضحة وصادقة.

أنصار سعيّد والتخفيف من ثقل الهزيمة

يحاول أنصار سعيّد التخفيف من ثقل الهزيمة والتقليل من آثارها، حتى ادّعى أحدهم، العميد السابق للمحامين إبراهيم بودربالة، أن الذين صوتوا في الانتخابات هم الوطنيون، وأن الذين قاطعوها "خونة"، على الرغم من كونهم الأغلبية الساحقة من الشعب.

هؤلاء الأنصار يدفعون برئيس الدولة إلى الاستمرار في طريق مسدود، ما جعله يصدق ما قالوه، متسائلاً: "كيف تم تحديد نسبة المشاركة في حين أن الانتخابات لم تنته بعد، وأسقطوا من حسابهم الجولة الثانية التي ستنظم في أواخر شهر يناير/ كانون الثاني المقبل؟".

وبدلاً من أن يعترف الرئيس بأنه خسر الرهان، وأن خريطة الطريق التي وضعها بلغت منتهاها، وما عليه إلا استخلاص النتائج، وتغيير سياسته، إذ به يفعل العكس، مصراً على الدفع بالبلاد نحو المجهول.

في المقابل، تحاول المعارضة بمختلف أطيافها استثمار نتائج الانتخابات لتدفع نحو افتكاك المبادرة السياسية من سعيّد، من خلال تحميله مسؤولية الفشل في إدارة شؤون البلاد، ومطالبته بالتنحي بعدما "فقد الشرعية والمشروعية"، حسب اعتقادها.

وتستعين المعارضة في خطابها المناهض لسعيّد بشهادة من كانوا قريبين منه إلى آخر لحظة، مثل أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، الذي بعدما دعم قيس سعيّد وسانده، وشارك في وضع مسودة دستور جديد رفضها الرئيس، عاد ليعلق على النتائج بقوله إن "مقاطعة 92 في المائة من الشعب التونسي للانتخابات التشريعية هو بمثابة سحب لوكالة قيس سعيّد في ممارسة مهام رئيس الجمهورية".


حركة الشعب: مسار الرئيس دخل في منطقة زلازل

كما أن "جبهة الخلاص" طالبت برحيل سعيّد واستبداله بقاض يشرف على المرحلة الانتقالية، ويتولى الإشراف على انتخابات رئاسية سياسية وبرلمانية سابقة لأوانها.

أما حركة النهضة فدعت من جهتها أطراف المعارضة إلى "التشاور والتنسيق للتعجيل بالاتفاق على بديل ديمقراطي". فالمعارضة تعتقد بأنه "قد حان الوقت لتشديد الخناق على الانقلاب ووضعه في زاوية العزلة والعزل"، حسب اعتقاد أحد قادة "الجبهة" جوهر بن مبارك.

أما رئيسة الحزب "الدستوري الحر" عبير موسي، فقد اتهمت سعيّد بـ"اغتصاب السلطة". وجاء تقييم اتحاد الشغل للنتائج مشابهاً جداً لموقف الأحزاب، فاعتبر أمينه العام نور الدين الطبوبي أن الانتخابات التشريعية التي تمت "لا لون لها ولا رائحة"، مؤكداً "انتهاء الوقت وتعفن الوضع".

انتخابات تونس والصدمة

وعلى الرغم من أن "حركة الشعب"، الحليف المتبقي للرئيس، اعتبرت أن دعوة المعارضة إلى إقالته غير قانونية، متمسكة بمسار 25 يوليو، إلا أنها اعترفت من جهة أخرى على لسان أمينها العام زهير المغزاوي بأن "نسبة العزوف التاريخية عن الانتخابات التشريعية كانت صادمة لحركة الشعب".

كما اعترف بأن مسار الرئيس دخل في "منطقة زلازل"، محاولاً إقناعه بأن يذهب نحو تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، لكن سعيّد رفض الأخذ بهذه "النصيحة"، التي اعتبرها "ائتلاف صمود" بمثابة "تجديد الشرعية عبر تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة".

المؤكد في جميع الحالات أن تونس دخلت مرحلة جديدة ستكون أعقد وأصعب من المرحلة السابقة، والتي ستتسم بعدم الاستقرار، إذ ستصعّد المعارضة من تحركاتها الاحتجاجية، وسيلجأ النقابيون إلى مختلف الوسائل للضغط على سعيّد الذي لن يتراجع، وكل ما قد يقدم عليه هو تغيير الحكومة.