انتخب مجلس النواب اللبناني، اليوم الثلاثاء، نبيه بري رئيساً له لولاية سابعة، بعدما حصل على 65 صوتاً من أصل 128، فيما أكد بري أن "يده ممدودة للجميع من أجل إنقاذ لبنان"، مع الإشارة إلى أنه لو حاز على أقلّ من هذه الأصوات لما كان لينجح من الدورة الأولى.
وانتخب لمركز أميني سر هيئة مكتب المجلس النائب آلان عون (عن المقعد المخصص للموارنة) بفوزه على مرشح "حزب القوات اللبنانية" (يتزعمه سمير جعجع) النائب زياد حواط، ونال 65 صوتاً، والنائب هادي أبو الحسن بالتزكية عن المقعد الدرزي، فيما انتخب كمفوضين لهيئة مكتب المجلس بالتزكية النواب هاغوب بقرادونيان وميشال موسى وكريم كبارة.
وانتُخب بري بـ65 صوتاً من أصل 128، وهي الأصوات الأقل التي يحصل عليها منذ انتخابه لأول مرة عام 1992، إذ حصل يومها على 105 أصوات من أصل 125 مقترعاً، فيما سُجلت 23 ورقة بيضاء، وأُلغيت 40 أخرى. وكان لافتاً انتخاب نواب حزب "القوات اللبنانية" بورقة تحمل اسم الكتلة "الجمهورية القوية"، خلافاً لقرارها السابق الانتخاب بورقة بيضاء، الأمر الذي خفّض عدد الأوراق البيضاء التي كانت متوقعة.
واختار نواب تغييريون ومستقلون ومعارضون توجيه رسائل عبر أوراق الاقتراع بدل وضع ورقة بيضاء والتي تعتبر ملغاة، وكان من أبرز ما جاء فيها: "العدالة للقمان سليم"، و"العدالة لضحايا تفجير مرفأ بيروت"، و"العدالة للنساء المغتصبات"، و"العدالة للمودعين"، و"العدالة لجرحى شرطة المجلس" (هنا رد بري نشكر الجيش والقوى الأمنية، باعتبار شرطة مجلس النواب تابعة له)، كما ذكر ضحايا قارب الموت في طرابلس.
وفي وقت لاحق، انتخب مجلس النواب إلياس بو صعب (مرشح التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل) نائباً لرئيس مجلس النواب اللبناني بعد حصوله على 65 صوتاً بالدورة الثانية، وذلك بعد تلقيه دعمًا لافتًا من نواب بري ليذهب المنصبان (الرئيس ونائبه) إلى محور ما يعرف بـ8 آذار من دون أن تتمكن الأحزاب والقوى المعارضة من إحداث خرقٍ في "معركتها السيادية" كما تصفها بعد توافقها على دعم النائب غسان السكاف (ترشح على لائحة الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط في الانتخابات النيابية) بما في ذلك "القوات اللبنانية".
وخسر السكاف على الرغم من أن الأوراق البيضاء التي وضعت في الدورة الأولى وتمثل غالبية النواب التغييريين صبت بالدورة الثانية لصالحه، فحاز فقط على 60 صوتاً مقابل ورقتين بيضاوين وورقة ملغاة.
وحصل بو صعب بالدورة الأولى على 64 صوتاً بفارق صوت عن الغالبية المطلوبة لفوزه، بينما حاز السكاف على 49 صوتاً مقابل ورقتين ملغاتين و13 ورقة بيضاء.
بري: أي خطط وبرامج لا تقدم حلولاً للأزمات هي خارج السياق
من جهته، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري، في كلمة ألقاها بعد انتخابه رئيساً للمجلس النيابي لولاية جديدة، إلى الاحتكام للإرادة الوطنية الجامعة، معتبراً أنَّ أي خطط ووعود وبرامج لا تقدم الحلول للأزمات على اختلافها وكثرتها هي كلام وخطط خارج السياق.
ودعا النواب والكتل إلى إدراك حجم "التحديات" الملقاة على عاتقهم، في زمن لن يحظوا فيه بـ"ترف" المناورة، ولا سيما أنّ سلاح "التعطيل" المتوافر بين أيديهم لن يفضي سوى إلى "جريمة كبرى" بحق الوطن، الذي بات "يحتضر" بشهادة الجميع.
وشكر بري النواب الذين عارضوا انتخابه رئيساً للمجلس سواء بالتصويت "لا"، أو بورقة بيضاء، أو باختيار اسم آخر من خارج السياق المألوف أو بالاقتراع من باب "الزكزكة".
وقال "في ظل تفاقم الأزمات والتحديات التي تداهم كل لبناني، لأي طائفة انتمى ولأي توجه سياسي كان، أدرك وتدركون معي في هذه اللحظات العصيبة والراهنة التي يمر بها لبنان بأن أي كلام لا يلامس وجع الناس واحتياجاتهم في كل ما يصنع حياتهم وحياة وطنهم، وأنَّ أي خطط ووعود وبرامج لا تقدم الحلول للأزمات على اختلافها وكثرتها هو كلام وخطط خارج السياق".
مواقف بعض النواب لدى خروجهم من الجلسة
إلى ذلك، قال النائب في "القوات اللبنانية" غسان حاصباني، لـ"العربي الجديد": "أفسحنا المجال للتوافق بين القوى التغييرية والسيادية حول مقاربة هذا الاستحقاق ولا سيما على مستوى موقع نائب الرئيس رغم أنه كان لدى الحزب مرشحه، ولكن لم نتمكن من إحراز نتيجة تغييرية حقيقية، ونتمنى أن تشهد التجارب اللاحقة معركة تغييرية حقيقية".
وكان حاصباني مرشحاً غير معلنٍ لمنصب نائب رئيس البرلمان من قبل حزب القوات اللبنانية الذي عاد وتراجع عن طرحه بهدف الاتفاق مع الأحزاب وقوى المعارضة التقليدية والنواب التغييريين على مرشح واحدٍ قادر على الإطاحة بالنائب الياس بو صعب، وقد تمهّل قبل إعلان دعمه النائب غسان السكاف قبيل الجلسة وخصوصاً بعد انسحاب النائب سجيع عطية لصالح السكاف لتعزيز حظوظه.
ويعتبر حزب القوات أن جلسة الثلاثاء كانت بمثابة تعداد السياديين والتغييريين وتكريس أن الأكثرية أصبحت بيد السياديين، معتبراً أن فوز بو صعب يجعل من الأقلية المتراصة أي "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر" قادرة على التحكّم بالقرارات الأساسية بالدولة، وهو ما صرح بشأنه قبل الجلسة نائب القوات جورج عقيص لـ"العربي الجديد".
وقال حاصباني إن "هناك عملاً كثيراً في التشريع واستحقاقات قادمة سنرى طريقة التعاطي معها ومقاربتها، وما حصل اليوم لا يعني أن الأكثرية بيد الفريق الآخر، ونتمنى على النواب الذين صوّت لهم الناس على أساس أنهم تغييريون أن يقوموا بالعمل التغييري الفعلي لا الحد من التقاء التغييريين".
من جهته، قال النائب إبراهيم منيمنة، الذي يمثل القوى التغييرية، لـ"العربي الجديد": "صوّتنا كنواب تغييريين بورقة بيضاء على صعيد انتخاب رئيس لمجلس النواب، ولم يحصل إلا على 65 صوتاً، وكذلك في الدورة الأولى لانتخاب نائب الرئيس، لكننا عدنا ومنحنا صوتنا في الدورة الثانية للنائب السكاف باعتباره طبيبا جراحا مستقلّا الأفضل بين المتوفرين، ولكن للأسف أعادت السلطة اليوم إنتاج نفسها، ونأمل أن يحدث التغيير في الاستحقاقات المقبلة".
وأضاف منيمنة "نعلم أن كتلتنا ليست كبيرة وتضم 13 نائباً ولكن حاولنا الاستفادة منها لفرض إيقاع معين، ومسار التغيير طويل والأهم يبقى على صعيد اللجان النيابية للمشاركة بها، والتشريع وسنّ القوانين والمراقبة والمحاسبة".
في المقابل، اكتفى النائب عن كتلة "نواب عكار" وليد بعريني (من قدامى تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري)، بالتأكيد لـ"العربي الجديد"، أن "ما حصل اليوم عملية ديمقراطية"، مشيراً إلى أن "الكتلة صوتت لبري لرئاسة مجلس النواب ونحن صوتنا للنائب السكاف بعد انسحاب مرشحنا سجيع عطية وكنا نتمنى فوزه بالمنصب".
من جانبه، قال النائب المستقل عبد الرحمن البزري، لـ"العربي الجديد"، إن "المجلس لا شك أنه أظهر ديناميكية جديدة وكان التنافس موجوداً خصوصاً على مستوى موقع نائب الرئيس، وبالتأكيد الأمور بحاجة لمزيدٍ من المباحثات".
وعلى الرغم من النتائج، أشار البزري إلى أن ما حصل في الجلسة يؤكد أن هناك كتلة وازنة في المجلس سوف تبلور نفسها أكثر حتى يكون البرلمان كما يليق باللبنانيين لناحية التشريع والرقابة والمساءلة وتفعيل اللجان، لافتاً إلى أن "المداخلات التي حصلت والنقاشات دليل عافية وهو ما لم نعتد عليه سابقاً وفي الجلسات الماضية فالظروف تغيّرت، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ في ظل الكارثة التي تمرّ بها البلاد".
ولدى خروجه من الجلسة، صرّح النائب جبران باسيل بأن "التيار الحر صوّت بورقة بيضاء لرئاسة المجلس"، وقال للصحافيين "حلو التنافس مع بعضنا البعض برقي وشرف من دون تخوين أو تشكيك".
وأضاف "صحيح أن مرشحينا لموقع نائب الرئيس الياس بو صعب، وعضوية هيئة المكتب النائب آلان عون، نجحا، ولكن هذا لا يعني أن الأكثرية معنا والتي بنظرنا ستكون متحركة".
وبحسب المعلومات، فإن النواب الذين ينتمون إلى "التيار الوطني الحر" التزموا عدم التصويت لبري، بيد أن هناك نوابا من داخل التكتل صوتوا له، أبرزهم الياس بو صعب، وكتلة النواب الأرمن التي تضم 3 نواب.
كذلك، قال بو صعب بعد انتخابه إن "ما حصل ديمقراطية صحيحة"، داعياً الجميع إلى التعاون من أجل المصلحة العامة.
وبعد انتخاب بري رئيساً للبرلمان زار قصر بعبدا الجمهوري حيث التقى الرئيس ميشال عون، واكتفى بالتأكيد لدى خروجه أنه "بحث في موضوع الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس حكومة جديد للبلاد"، والتي ينتظر أن يدعو إليها عون.
وكانت جلسة مجلس النواب اللبناني قد انطلقت في ساحة النجمة لانتخاب رئيسٍ للبرلمان ونائبه، إضافة إلى أمينَيْ سرّ وثلاثة مفوضين، وذلك بناءً على دعوة أكبر أعضائه سناً (نبيه بري) وبرئاسته، تبعاً للنظام الداخلي.
وقبيل انعقاد الجلسة، اتجهت مسيرة للنواب التغييريين من مرفأ بيروت إلى ساحة النجمة التي باتت خالية من العوائق الإسمنتية (وضعت إبان انتفاضة 17 أكتوبر)، برفقة أهالي ضحايا الانفجار، وذلك للمطالبة بأن تكون القضية أولوية لدى المجلس النيابي الجديد، في ظلّ استمرار عرقلة التحقيق ومحاولة المسؤولين طمس الحقيقة، مع الإشارة إلى أنّ هناك اثنين من المدعى عليهما ضمن البرلمان المنتخب، هما النائبان من "حركة أمل" (برئاسة بري)، علي حسن خليل (صادرة بحقه مذكرة توقيف غيابية)، وغازي زعيتر.
ومن أبرز الأحزاب التي أعلنت عدم التصويت لبري لرئاسة مجلس النواب "القوات اللبنانية" بزعامة سمير جعجع، و"الكتائب اللبنانية" بزعامة النائب سامي الجميّل، وعدد من النواب المستقلين المعارضين لـ"حزب الله" وحلفائه، و"التيار الوطني الحر" بزعامة النائب جبران باسيل، الذي لمّح إلى أنه لن يصوّت لبري، مع العلم أن عدداً من نواب تكتله من غير الحزبيين منحوا أصواتهم لبري في خطوة وضعت في إطار التسوية بين باسيل وبري، لتجيير وتبادل الأصوات على موقعي الرئيس ونائبه. فيما صوّتت لصالح بري كتل "حزب الله" و"حركة أمل" و"تيار المردة" (بزعامة سليمان فرنجية) و"الحزب التقدمي الاشتراكي" (بزعامة وليد جنبلاط) وبعض النواب من قدامى "تيار المستقبل" (بزعامة سعد الحريري) مع عدد من النواب الذين يصنّفون أنفسهم مستقلّين، مع الإشارة إلى أن "الاشتراكي" صوّت لبري، ولكنه منح صوته للنائب غسان السكاف لموقع نائب الرئيس.
وخلط انسحاب المرشح سجيع عطية أمس لمصلحة السكاف الأوراق خصوصاً بعدما كانت القوى المعارضة تسعى لتوحيد موقفها والاتفاق على مرشح واحد لمواجهة "العهد"، ما رفع من حدة المعركة مع حسم "الكتائب اللبنانية" و"القوات اللبنانية"، الذي "ضحى" بمرشحه النائب غسان حاصباني لإطاحة مرشح باسيل، التصويت له.
هذه التطورات المسائية أحدثت إرباكاً لدى باسيل وحليفه "حزب الله" بالدرجة الأولى، وبحسب معلومات وصلت إلى "العربي الجديد"، فإن الأخير تدخل مساءً لمحاولة تأمين أصوات لمصلحة بو صعب ومنع حصول خرقٍ في الموقعَين، في ظل معركة الأحجام التي تخوضها المعارضة، خصوصاً أنه تربطه علاقة جيدة ببري ومرضيّ عنه من قبلهِ، وباسيل تعمّد ترشيحه تبعاً لهذه المواصفات، وتخلّى عن الحزبي النائب جورج عطا الله.