عقد البرلمان التونسي الجديد أولى جلساته، اليوم الاثنين، وسط انتقادات المعارضة، حيث قالت حركة النهضة إنها لا تعترف بالمجلس النيابي الجديد، معتبرة، في بيان صدر عن كتلتها النيابية في المجلس النيابي السابق، أنّ المجلس الجديد "فاقد للشرعية".
وبدأ البرلمان الجديد جلسته وسط حراسة أمنية مشددة لمقر المجلس، وبمنع وسائل الإعلام من التغطية الصحافية، لأول مرة منذ ثورة 2011، وبحضور 154 عضواً من أصل 161 نائباً، ولم يُنتخب سبعة نواب يمثلون التونسيين في المهجر، لأنه لم تجر انتخابات في تلك الدوائر الانتخابية لعدم تسجيل ترشحات بها. ويفترض أن يدعو البرلمان الجديد إلى انتخابات جزئية لسد الشغور الحاصل في تركيبته، بعد تركيز هياكله.
وشهد محيط مقر مجلس نواب الشعب في العاصمة تونس تعزيزات أمنيّة مكثّفة، إذ جرى تركيز حواجز أمنية أمامه وانتشرت وحدات الأمن في الشوارع القريبة من المجلس وعلى مدار الطريق الرئيسية المؤدية إلى قصر باردو. واحتج الصحافيون بعد منعهم من الدخول لتغطية الجلسة الافتتاحية وعبروا عن رفضهم هذا القرار، لتقتصر التغطية الصحافية للجلسة داخل البرلمان على المؤسسات الإعلامية الحكومية، التلفزيون وممثل وكالة الأنباء الرسمية.
فوضى وضبابية قبل انتخاب رئيس للمجلس
وأعلن رئيس الجلسة صالح المباركي عن فوز عميد المحامين السابق إبراهيم بودربالة، خلال الدور الثاني من الانتخابات، برئاسة المجلس الجديد بـ83 صوتا، فيما انتخب أنور المرزوقي نائبا أول، وسوسن مبروك نائباً ثانياً.
وعرف بودربالة بمساندته الشديدة للرئيس قيس سعيّد، ودفاعه المستميت عنه، خصوصا منذ تعيينه رئيسا للجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالحوار حول دستور 2022، والتي لم يأخذ الرئيس سعيّد بمقترحاتها.
وانطلقت الجلسة العامة برئاسة أكبر الأعضاء المنتخبين سناً، صالح المباركي، ساعده في ذلك أصغرهم سناً، غسان يامون، وأصغرهن، سيرين بوصندل، كما ينص على ذلك الأمر الرئاسي، الذي أصدره الرئيس قيس سعيّد لتنظيم افتتاح البرلمان الجديد وانتخاب رئاسته.
وساد ارتباك وفوضى مع انطلاقة أشغال المجلس الجديد، بسبب غموض الإجراءات وكثرة الترشحات لمنصب رئيس البرلمان ونائبيه، وترشح لمنصب رئاسة مجلس نواب الشعب 8 نواب، وهم العميد السابق للمحامين إبراهيم بودربالة والنائب المؤسس (برلمان 2011) هشام حسني، وعضو تنسيقية الشعب (حملة سعيد الانتخابية) فوزي الدعّاس وقيادي حركة الشعب والنائب بالبرلمان المنحل بدر الدين القمودي، وعضو مبادرة لينتصر الشعب شفيق زعفوري، وكل من يسري البوّاب وماهر القطاري وعبد السلام الدحماني.
وغصت الجلسة بطلبات نقاط النظام من قبل النواب المطالبين بتوضيحات حول كيفية تشكيل لجنة الفرز والإحصاء وتسيير العملية الانتخابية وتمثيل المرأة في رئاسة المجلس، وسط انتقادات لضعف إدارة الجلسة وعدم تمكن المباركي من الإجابة عن تساؤلات النواب.
وكانت الجلسة قد رفعت بسبب خلاف حول الترشيحات لمنصبي النائب الأول والثاني لرئيس البرلمان، فقد طالبت البرلمانيات بضرورة تمثيل المرأة في نيابة الرئاسة، ليجيب رئيس الجلسة بأنّ الأمر الرئاسي لم يتحدث عن ذلك.
نواب يطالبون بالعدالة
وتم القبض على نائب في البرلمان الجديد تحت قبة البرلمان في سابقة لم تعرفها المجالس النيابية سابقاً، إذ جرى اقتياد النائب وجدي الغاوي من قبل وحدات الأمن، بحسب ما أكده النائب عن حركة الشعب بدر الدين القمودي، رغم منح الدستور الجديد حصانة للنواب.
وقال القمودي للإذاعة الرسمية، إنه "تم إخراج النائب وجدي الغاوي من الجلسة العامة بعد أدائه اليمين الدستورية بواسطة الأمن، وهذا الأمر مرفوض وإجراء غير معتاد"، مشيراً إلى أنه "إذا كانت هناك ملاحقة قضائيّة في حق هذا النائب فيجب أن تتم وفق الإجراءات التي يضبطها الدستور".
المعارضة لا تعترف بشرعية المجلس الجديد
واعتبرت حركة النهضة المجلس الجديد فاقداً للشرعية وجاء في بيان لكتلتها النيابية في المجلس السابق، أنّ "أولى جلسات ما يسمى المجلس النيابيّ تعقد أمام حالة من الأزمات المتفاقمة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة"، مضيفاً أنه "إزاء هذه الأوضاع الخطيرة وغير المسبوقة فإن حركة النهضة بمجلس نواب الشعب تعلن عدم اعترافها بهذه "الغرفة النيابية" مسلوبة الصلاحيات، والمنبثقة عن مسار انقلابي غاصب وغير شرعي احتكر السلطات ودجّن العملية السياسيّة، مجلس نيابي فاقد للمشروعية انبثق عن انتخابات قاطعها ما يزيد عن 90% من التونسيين".
وأكدت النهضة "تمسكها بدستور 2014"، معتبرة أنه "المصدر الوحيد للشرعية" مجددة رفضها "للقرارات أحادية الجانب التي تنتهجُها سلطة الأمر الواقع".
ووجهت النهضة في بيانها التحية لـ"كلّ الأصوات الحرة الرافضة لهذه الإجراءات الغاصبة، داعية كلّ الحساسيات السياسية والمواطنية إلى مزيد من النضال السلمي المدنيّ في سبيل عودة الشرعية"، وأدانت "حَملات المداهمة المتواصلة وتلفيقَ التهم الكيديّة والتنكيل بالمساجين السياسيّين وتُحمل سلطات الانقلاب بشكل مُباشر المسؤولية كاملة عن سلامة المُعتقلين".
ويأتي انعقاد البرلمان التونسي الجديد، بعدما دعا الرئيس قيس سعيّد لذلك في مرسوم يوم الخميس الماضي، وكانت هيئة الانتخابات أعلنت النتائج النهائية للدور الثاني من انتخابات مجلس نواب الشعب في 25 فبراير/ شباط الماضي، فيما جرى الاقتراع العام في جولة الإعادة في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، تكملة للدور الأول الانتخابي الذي جرى في 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وكانت "جبهة الخلاص الوطني" التونسية قد أعلنت، أمس الأحد، أنها لن تعترف بالمجلس النيابي المنبثق من "دستور انقلاب غير شرعي، وانتخابات قاطعتها الأغلبية الساحقة"، مشددة على أنّ الجبهة "ستتصدى سلمياً للمسار العبثي الذي يوشك أن يجر بلادنا إلى الخراب".
وقالت الجبهة، في بيان، الأحد، إنها "تتمسك بدستور 2014، المصادق عليه من قبل ملايين من أصوات التونسيين والتونسيات، عبر نوابهم في المجلس الوطني التأسيسي. فما جاء بالصندوق لا يعوض إلا بالصندوق".
وقال أمين عام حزب العمال حمة الهمامي، إن "البرلمان الجديد لا يمثل 90% من الجسم الانتخابي التونسي ولا يمثل الشعب التونسي"، وبيّن، في حوار إذاعي أنه "لا يعتبر هذا البرلمان برلماناً ولا مجلساً لنواب شعب ولا يمثل الشعب التونسي وهو أتى في إطار انقلاب ومن الناحية الشكلية هو برلمان 11%". وأفاد بأنّ "هذا البرلمان هو غرفة تابعة لقيس سعيد يمثل أقلية تبنت دستوره وقانونه الانتخابي اللذين كتبهما بمفرده ولنفسه".
جدل حول انتماء النواب
ولا يخلو المجلس من انتماءات حزبية وسياسية سابقة رغم نظام التصويت على الأفراد وتراجع دور الأحزاب، وتداولت صفحات التواصل الاجتماعي صوراً ووثائق عن انتماءات سابقة لبعض النواب.
وترشح حزب حركة الشعب باسم الحركة بوضوح غير أنّ البرلمان الجديد سجل وجود برلمانيين انتموا سابقاً لحزب نداء تونس أو من سليلي حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، كما أن هناك منتمين لأحزاب مختلفة قاطعت الانتخابات ومسار 25 يوليو/ تموز غير أنّ منتسبيهم اختاروا الالتحاق بالمجلس الجديد مثل أحزاب قلب تونس وتحيا تونس وآفاق تونس ونداء تونس.
ويعد رئيس الجلسة الافتتاحية، صالح المباركي، من بين المنتمين لحزب نداء تونس وكان فاعلاً على المستوى الميداني، وتداولت صفحات التواصل صوراً له مع حافظ قايد السبسي، نجل الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي. ونشر موقع" الكتيبة" وثائق وصوراً عن الانتماءات السياسية والحزبية السابقة للنواب.
كما شهد المجلس عودة نواب من المجلس المنحل والمجالس المتعاقبة، مثل النواب رياض جعيدان وهشام حسني وسامي عبد العال وبدر الدين القمودي ورضا الدلاعي وعبد الرزاق عويدات وفاطمة المسدي وعماد أولاد جبريل.
"نرفض التخويف"
وفي سياق آخر، أكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، أنّ "الاتحاد يرفض التخويف"، مؤكداً أنّ "علاقة الأطراف الاجتماعية يجب أن تقوم على الاحترام والالتزام بالتعهدات".
وفي كلمة له في افتتاح الهيئة الإدارية للاتحاد بجزيرة قرقنة، نقلها موقع "الشعب نيوز" الناطق باسم الاتحاد، اليوم الإثنين، قال الطبوبي: "نرفض الالتفاف على الاتفاقات، واستقلالية القرار الوطني تستوجب الوحدة الصماء". وأشار الطبوبي إلى أنّ "المناخات المتوترة تؤثر سلبا على مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية".
وقال إنّ "مبادرة الحوار الوطني بصدد الإعداد وإنها متى كانت جاهزة سيتم عرضها"، مشيراً إلى أنّ "تعقيدات الواقع تفرض الحرص على حسن إعداد المبادرة".
وشدد الطبوبي على أنّ "الاتحاد متمسك بتطبيق الاتفاقات ويرفض كل محاولات الالتفاف عليها، وأنّ القطاعات ستتحرك من أجل ضمان حقوق منظوريها في الزيادة وفي تطوير واقعها المعيشي". ولفت الطبوبي بـ"جهد كل مناضلي الاتحاد في إنجاح التحركات النضالية الأخيرة التي شملت كل الجهات وشهدت حضوراً جماهيرياً شعبياً، فضلاً عن الحضور المهم لمكونات المجتمع المدني".