افتُتحت، الإثنين، في العاصمة الصينية بكين، أولى جلسات اجتماعات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني المغلقة، والتي من المقرر أن تستمر حتى الخميس المقبل.
وحسب وسائل إعلام صينية رسمية، قدم الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وهو الأمين العام للجنة المركزية، تقرير عمل نيابة عن المكتب السياسي، تضمن تفسيرات لمشروع قرار وُصف بـ "التاريخي"، كما استعرض إنجازات الحزب الشيوعي الصيني على مدار مائة عام.
وحضر الاجتماع جميع أعضاء اللجنة المركزية، البالغ عددهم 205، بالإضافة إلى أعضاء في قيادة الحزب، ووزراء، ورؤساء أحزاب إقليميين، وكبار الجنرالات، ومسؤولين تنفيذيين في دوائر حكومية مختلفة.
ويُعد هذا الاجتماع هو الأول للقيادة المركزية بعد الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي، كما يعتبر أهم حدث سياسي سنوي في البلاد، حيث دأبت قيادة الحزب في أعقاب وفاة الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، عام 1976، على عقد جلسة مكتملة النصاب مرة واحدة على الأقل كل عام، وحسب أهمية الظرف السياسي، يستمر بعضها يوماً واحداً فقط، بينما لا يستغرق معظمها أكثر من خمسة أيام.
وتُنتخب اللجنة المركزية مرة كل خمس سنوات، وقد انتخبت اللجنة الحالية، التاسعة عشرة، في عام 2017، وستظل قائمة حتى انعقاد المؤتمر الوطني في العام المقبل، حيث سيتم انتخاب لجنة جديدة، وعادة تعقد كل لجنة سبع جلسات عامة خلال فترة ولايتها، وتكتسب الجلسة أهمية بالغة نظراً لتحديد ومناقشة الخطط الاستراتيجية التي ستطرح في المؤتمر الوطني، الذي ينعقد بدروه مرة كل خمس سنوات.
ولعل أبرز القرارات التي اتخذتها اللجنة المركزية أخيراً، إدراج فكر الرئيس شي جين بينغ في دستور الحزب الشيوعي الصيني، عام 2017، وكذلك تمرير قانون الأمن القومي الخاص بهونغ كونغ، عام 2019، والذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الدولية، أيضاً شهدت الجلسة الرابعة للجنة المركزية، عام 2018، إلغاء البند الخاص بتحديد ولاية الرئيس بفترتين. هذا ومن المنتظر أن يشهد ختام الجلسة السادسة مساء الخميس المقبل، كشف النقاب عن قرار تاريخي يتيح للرئيس الحالي، شي جين بينغ، التمديد لفترة رئاسية ثالثة تستمر حتى عام 2027.
وفي تعليقها على انعقاد اجتماع اللجنة المركزية، ذكرت صحيفة "الشعب" اليومية الناطقة باسم الحزب الشيوعي، بأن القرار المتوقع صدوره خلال أيام، سيجيب على سؤالين رئيسيين: "لماذا نجحنا في الماضي؟ وكيف يمكننا الاستمرار في النجاح بالمستقبل؟"، وهي معادلة يرى مراقبون أنها تحمل إشارة إلى أن قرار تمديد ولاية الرئيس نابع من رغبة قادة الحزب في الحفاظ على مكتسباته وإرثه التاريخي، باعتبار شي جين بينغ، القائد الوحيد القادر على المضي قدماً بالحزب في رحلة جديدة بعد مسيرة مائة عام. واستند هؤلاء إلى فقرة من خطاب الرئيس الصيني بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب، قال فيها "لضمان نجاحنا في المستقبل ينبغي أن نتصرف بتصميم أكبر في الحفاظ على التزامنا بأهدافنا التأسيسية، والسعي إلى أفق أرحب في الرحلة الجديدة التي تنتظرنا".
تعزيز الأيديولوجيا
وحول هذه الحيثيات، قال أستاذ العلوم السياسية السابق في جامعة خنان، لاو بينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن جلسات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عادة ما تحظى باهتمام بالغ، ليس فقط بسبب القرارات الحاسمة والتاريخية -وإن كانت محدودة- بل أيضاً بسبب إصدار سياسات ولوائح وقوانين خاصة بخطط استراتيجية تتعلق بالاقتصاد والسياسة والمجتمع.
وتوقع بينغ أن تسفر الجلسة السادسة للجنة المركزية عن قرارات مهمة بشأن سياسات تحديد النسل التي اتبعتها الصين خلال العقود الماضية، وكذلك محاربة شيخوخة المجتمع الصيني، وتراجع معدلات الخصوبة والعزوف عن الإنجاب، وهي ظواهر باتت تشكل قلقاً كبيراً لقادة الحزب، على حد قوله.
كما تحدث الأستاذ الصيني عن تركيز الرئيس شي على مسألة الأيديولوجيا الحزبية، وضرورة تثقيف الشباب والأجيال الجديدة وربطهم وجدانياً بتاريخ الحزب والأفكار الاشتراكية، ولفت إلى أن جلسات اللجنة المركزية التي تستمر أربعة أيام قد تشهد توجيهاً مباشراً من الرئيس شي لقيادات الأحزاب الإقليميين، بضرورة التجديد الوطني والتحديث الاشتراكي، والعمل على إحياء مبادئ الشيوعية في مختلف المناطق والمقاطعات، ومحاربة مظاهر التغريب التي بدأت تنتشر داخل المجتمع الصيني، خصوصاً عند فئة الشباب.
أزمة قيادة
من جهته، قلل الباحث في جزيرة هونغ كونغ، مارك لام، من أهمية القرار المتوقع صدوره في نهاية جلسات اللجنة المركزية، وقال إن الضجة الكبيرة التي أثارها الإعلام الصيني حول قرارات مرتقبة، ووصف مسودة القرار بـ"الوثيقة التاريخية" هو محاولة من الحزب الشيوعي لإضفاء الشرعية على إجراء أتُخذ قبل ثلاث سنوات.
وأضاف، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "ما تمر به الصين حالياً من تحديات داخلية وخارجية، ينبغي أن يجعل الحديث عن قرار التمديد للرئيس هامشياً، على اعتبار أن الصين دولة شمولية يقودها حزب واحد، وبالتالي فإن أي خرق للدستور ليس أمراً مستهجناً"، على حد قوله.
ولفت لام إلى أن "ما يجب أن يمثل أهمية وأولوية لقادة الحزب الشيوعي، هو كيفية مجابهة الضغوط الدولية، سواء فيما يتعلق بتقويض هامش الحريات في هونغ كونغ، أو في مسألة تايوان، أو ملف حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ". وختم بقوله إن "تسليط الضوء على قرار التمديد للرئيس الصيني، وتمجيد تاريخه في هذه الظروف الصعبة، يشير إلى وجود أزمة في القيادة، وليس الحديث عن الاستقرار السياسي سوى غطاء لفشل غير معلن".