انعكاسات أفغانستان على العلاقات عبر الأطلسي: "ضربة قاسية" بددت المزاج الإيجابي بعد وصول بايدن
بعد كارثة أفغانستان يبدو أن هناك خسارة للثقة بين ألمانيا والشركاء الأوروبيين من جهة، والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، وذلك على خلفية التعاطي الأميركي مع الحلفاء بخصوص قرار الانسحاب ومن بعده إجلاء المدنيين. وخاصة بعدما شكّلت صور الانتكاسة إذلالاً للجيوش الغربية مجبولة بمشاعر الفشل وخيبة الأمل بعد عقدين من الاستثمار بتكاليف باهظة في كابول، الأمر الذي لا بد وأنه سيترك تداعياته على العلاقات المستقبلية بين شركاء ضفتي الأطلسي، بعد الانتعاشة القصيرة التي شهدتها العلاقات مع وصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الابيض.
وفي هذا الإطار، تحدث مرشح حزب المستشارة أنجيلا ميركل، رئيس وزراء ولاية شمال الراين فستفاليا أرمين لاشيت، أخيراً مع صحيفة "فرانكفورتر إلغماينه تسايتونغ" عن "ضربة قاسية" للعلاقات عبر الأطلسي، ومبرزاً استياءه من تصرفات الرئيس بايدن.
وأوضح قائلاً إنه أصيب بـ"خيبة أمل" لإعلان الأخير الانسحاب العسكري الذي أمر به الرئيس السابق دونالد ترامب من أفغانستان بـ"قرار منفرد، ومن دون إشراك الحلفاء بشكل كامل في هذا القرار الخطير".
وذهب لاشيت إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبر في مقابلته، أنه إذا لزم الأمر يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي قادراً على العمل بدون شركائه الأميركيين.
وكانت المستشارة ميركل، وبعد أن استولت "طالبان" على كابول واقتحم اليائسون من الشعب الأفغاني المطار للفرار من البلاد؛ قد عبّرت في مؤتمر صحافي، منتصف الشهر الماضي، عن استيائها من "التطور المرير والدراماتيكي المروع"، ومن أنّ "كل شيء يبدو الآن عبثاً".
وفي توصيف لهذا الواقع المستجد بين الشركاء الغربيين، قال الباحث السياسي من جامعة ريغنسبورغ شتيفان بيرلينغ مع شبكة "دويتشه فيله"، إنّ ما حصل "يشكل زعزعة كبيرة للثقة، ولا سيما في كفاءة أميركا بوصفها قوة عسكرية، وكل ذلك بعد أن عشنا مزاجاً إيجابياً للغاية تجاه بايدن بعد أربع سنوات كارثية في عهد ترامب، وبالطبع تغير هذا المزاج الآن".
من جهته، اعتبر باستيان غيغاريش من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أنّ أفغانستان "ستكون بمثابة اختبار واقعي لأولئك الذين لديهم خطط كبيرة لإحياء العلاقات عبر الأطلسي"، معتبراً أنّ ما حصل "جعل الأحداث أكثر إيلاماً، وحال كابول تُظهر بوضوح أنّ ألمانيا والقوى الأوروبية الأخرى، ليس لديها الوسائل لاتباع استراتيجية مستقلة".
وخلص بيرلينغ إلى أنّ مهمة أفغانستان، ومن منظور ألماني وأوروبي، كانت بدافع التضامن مع الولايات المتحدة، والآن "هناك شعور لدى الكثيرين بأنه تم فعل كل ذلك من أجل الولايات المتحدة، ونرى الآن كيف انتهى الأمر".
وفي خضم ذلك، أشارت صحيفة "هاندلسبلات" إلى أنّ شركاء الولايات المتحدة لن ينسوا أنه تم وضعهم تحت الأمر الواقع، وبايدن لم يشاركهم الجدول الزمني للانسحاب منذ البداية بعد القتال لعقدين جنباً إلى جنب في أفغانستان، و"ما تبقى هو الانطباع عن سوء تقدير دراماتيكي، والأزمة الحالية سيكون لها عواقب بعيدة المدى على علاقات واشنطن مع الشركاء الدوليين، وكارثة أفغانستان تسببت بندوب لا يمكن إصلاحها".
وكانت صحيفة "دي فيلت" قد ذكرت، الجمعة، أنّ هناك شكوكاً بأنه تم إبلاغ وزارتين ألمانيتين؛ هما الدفاع والخارجية، في الوقت المناسب باستعدادات الأميركيين لعملية الإجلاء من أفغانستان، لكن لم يتم الرد على البلاغ إلا بعد عدة أيام.
وبيّنت المتحدثة باسم السياسة الدفاعية عن "الحزب الليبرالي الحر" في البوندستاغ (البرلمان)، ماري أغنس شتراك تسيمرمان، أنّ "مهمة إنقاذ القوات المسلحة الألمانية كان من الممكن أن تبدأ قبل أيام، وكذلك إجلاء المزيد من الناس من كابول". علاوة على ذلك، بيّنت أنه وفي اجتماع للجنة الدفاع، نهاية أغسطس/آب الماضي، نفت وزيرة الدفاع الألمانية والمفتش العام للجيش إبرهارد تسورن الأمر.
وفي الإطار نفسه، أشارت الصحيفة عينها، إلى أنّ الحديث يدور الآن حول وصول برقية من السفارة الألمانية في واشنطن إلى الخارجية بشأن عملية الانسحاب الأميركية المقررة، وطلب في الاجتماع الاطلاع على هذه الوثيقة إلا أنه لم يتم تقديمها، وحتى بداية شهر سبتمبر/أيلول الحالي لم يصل أي تقرير إلى مكتب الحماية السرية في البوندستاغ، وهذا ما دفع بالسياسية تسيمرمان للاستمرار بالتساؤل عما إذا كانت الحكومة الألمانية على علم بالخطط الأميركية منذ 6 أغسطس/آب الماضي.
مع العلم، أنّ الاستعدادات لعمليات إخلاء الجيش الألماني لم تبدأ قبل 13 أغسطس/آب؛ أي بعد ثمانية أيام من أول تحذير محتمل. وأقلعت أول طائرة يوم 16 منه من ولاية سكسونيا السفلى إلى طشقند، ومن ثم تم إنشاء جسر جوي إلى كابول من العاصمة الأوزبكية. وبعد 37 رحلة جوية، تم إجلاء 5347 بواسطة "البوندسفير" من أفغانستان، في أقل من أسبوعين.
وبحسب تسيمرمان؛ كان من الممكن أن يكون عدد عمليات الإجلاء أكثر بكثير، قبل أن تشدد على أهمية أن تتغير بعض الأمور التنظيمية في الحكومة المقبلة، وداعية إلى إنشاء مجلس للأمن القومي يجعل تبادل المعلومات بين الإدارات بطريقة أفضل وأسرع.
وتجدر الإشارة إلى أنه وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، نفذت القوات المسلحة الألمانية أكبر وأطول انتشار لها في الخارج لدعم الولايات المتحدة في أفغانستان، وخلال مشاركته في مهمة "الناتو" هناك وعلى مدى 20 عاماً، خسرت 59 جندياً، بالإضافة إلى العديد من الجرحى وتكبدت تكاليف مالية باهظة على الخدمات اللوجستية وغيرها.