- الوثيقة تواجه اعتراضات لتجاهلها تقديم الجناة للعدالة واتهامات للمكون العربي بالتعاون مع داعش، مما يعيق عودة النازحين ويثير مخاوف أمنية.
- تدعم الحكومة العراقية وثيقة الوئام لتعزيز التعايش ومعالجة المشاكل الاجتماعية، لكن توجد اعتراضات داخل المكون الأيزيدي ترى فيها تقليلاً من شأن معاناتهم.
ترفض الجماعات المسلحة الأيزيدية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في مدينة سنجار، بمحافظة نينوى شمالي العراق (115 كيلومتراً غرب مدينة الموصل)، وثيقة الوئام المجتمعي التي تمّ توقيعها نهاية شهر مارس/آذار الماضي بين أطراف قبلية ودينية عربية وإسلامية وأيزيدية، بهدف إصلاح أوضاع المدينة ذات المكونات القومية والدينية المتعددة، والتي تأثرت كثيراً خلال عقد من الزمن، من جرّاء احتلال تنظيم داعش عام 2014 للمنطقة وتنفيذه جرائم مروعة وصلت إلى سبي آلاف النساء وقتل الرجال. وتواجه سنجار اليوم، بالإضافة إلى تداعيات احتلال "داعش"، المشاكل الأمنية واستمرار غياب الحلول لأزمة النازحين فيها، ناهيك عن الصراع السياسي.
وثيقة الوئام في سنجار
ووقّع عدد من رؤساء عشائر المكونين الأيزيدي والعربي، في 30 مارس الماضي، في سنوني، الضاحية الشمالية لمدينة سنجار، وثيقة التفاهم التي سموها "الوئام"، وتحوي بنوداً عدة، وتهدف بحسب القائمين عليها، إلى ترسيخ السلام والتعايش بين المجتمعين الأيزيدي والعربي. وتتمثل النقاط الرئيسية للوثيقة، التي صادق عليها محافظ نينوى عبد القادر الدخيل، بحزمة من المقررات، أبرزها إعادة إعمار المنطقة، وحصر جميع المشاكل والقضايا الجنائية والإرهابية فيها بيد القضاء والأجهزة الأمنية، وعودة جميع السكان إلى منازلهم وقراهم.
تهدف وثيقة الوئام بحسب القائمين عليها، إلى ترسيخ السلام والتعايش بين المجتمعين الأيزيدي والعربي، وتوحيد الملف الأمني
كما تدعو الوثيقة إلى توحيد الملف الأمني في المدينة وضواحيها، وجعل جميع القوات الأمنية ترتبط بإدارة واحدة تأتمر بأوامر الحكومة وتسير ضمن منهجيتها الأمنية، إلى جانب تنظيم حملات فعّالة لمعالجة ما واجهته سنجار من خراب ودمار إبان سيطرة "داعش" والعمليات العسكرية، بالإضافة إلى الإسراع في إنجاز معاملات تعويض المتضررين خصوصاً لذوي الضحايا والمفقودين. كما تنص على تنفيذ مشاريع إيصال مياه الشرب والمشاريع الإروائية لمواجهة آثار التغير المناخي وتطوير قطاع الزراعة في المنطقة. وبحسب بيان محافظ نينوى، فإن الوثيقة "تمثل دعماً حقيقياً للمنطقة، وتحتوي على مشروع متكامل قُدّم إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يشمل خدمات المناطق المحرومة في غرب نينوى، وخصوصاً أقضية تلعفر وسنجار والبعاج". واعتبر أن "التنظيمات الإرهابية حاولت زرع الفتنة بين مكونات نينوى وتمزيق النسيج المجتمعي من خلال زرع أفكار الكراهية والتعصب، ونترقب بشغف كبير عودة الأيزيديين إلى سنجار ليكون لهم دور كبير في صناعة المجد الجديد لنينوى".
وعلى الرغم من مرور أكثر من 9 سنوات على استعادة الدولة السيطرة على سنجار، إلا أن جزءاً كبيراً من النازحين يرفض العودة، بسبب مخاوفه الأمنية جرّاء سيطرة المليشيات على المدينة، واستهدافها للأسر العربية التي ترغب في العودة، تحت مزاعم تعاون المكون العربي ككل مع تنظيم "داعش". وينتشر في سنجار حزب العمّال الكردستاني ومليشيا وحدات حماية سنجار ومليشيا "أيزيدي خان"، إلى جانب فصائل بالحشد الشعبي، منها كتائب حزب الله والنجباء والإمام علي. الوثيقة لاقت اعتراضاً سريعاً من قبل فصائل مسلحة متنفذة في المدينة، وترتبط بشكل وثيق بحزب العمال الكردستاني، وهي الفصائل ذاتها التي ترفض عودة النازحين العرب وتصادر منازلهم وأراضيهم.
وأصدرت "وحدات حماية سنجار"، الذراع المحلية لـ"الكردستاني"، و"الإدارة الذاتية" في سنجار التي تضم ممثلين عن تشكيلات مسلحة وسياسية عدة تُقدم نفسها ممثلة عن المكون الأيزيدي في المدينة، بيانات ترفض الوثيقة، وتعتبرها محاولة "تسوية" للجرائم التي نفذت في سنجار، من خلال الدعوة إلى "الوئام". كما اعتبرت مليشيا "أيزيدي خان"، أحد الفصائل المسلحة الأيزيدية القريبة من "الكردستاني" أن الوثيقة" التفاف لمنع تقديم الجناة ومن تلطخت أيديهم بدماء الأيزيديين إلى القضاء لنيل جزائهم وليأخذ المجتمع الأيزيدي حقه بذلك". وتتهم تلك الجماعات، المكون العربي في المدينة بأنه قدم مساعدة لتنظيم داعش في تنفيذه الجرائم التي ارتكبت، وهو ما ينفيه بطبيعة الحال ممثلو المكون العربي الذين يؤكدون أنهم ضحايا لـ"داعش" أيضاً.
عدنان: المعترضون هم القريبون من الكردستاني وحلفاء إيران، بذريعة أن جمعية التحرير للتنمية المبادرة لكتابة الوثيقة، تتبع الأميركيين
من جهته، أشار محمد عدنان، وهو أحد وجهاء عشيرة البو حمدان، إلى أن "المعترضين على الوثيقة هم القريبون من حزب العمال الكردستاني، وحلفاء إيران من الفصائل العراقية والتي تدعم بطريقة مباشرة مليشيات أيزيدية، لذلك فقد اعترضوا على الوثيقة بذريعة أن جمعية (التحرير للتنمية) التي بادرت إلى كتابة الوثيقة وجمع الفرقاء أولاً، تتبع الأميركيين". ورأى أن "بعض هذه الأطراف المسلحة تسعى إلى تعقيد العلاقة بين الأيزيديين والعرب، مع العلم أن المجتمع متماسك وأن أزمة داعش انتهت، وتعرض الطرفين إلى خسائر كبيرة".
ولفت عدنان إلى أن "الوثيقة تهدف بالدرجة الأولى إلى دعم سنجار ومعالجة المشاكل الاجتماعية داخلها، ورسم خريطة وأساسات هادئة لعودة النازحين من البلدة منذ نحو 10 سنوات، وهم الشريحة الأكثر تضرراً، وقد دفعوا ثمناً باهظاً بسبب وجودهم في المخيمات". وأوضح عدنان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الوثيقة حظيت بتأييد الحكومة في بغداد، لأنها تحتوي على جانب أمني مهم، ونصّت على أن تكون مرجعية القرار الأمني لدى محافظ نينوى ورئيس الوزراء، وهذا القرار يسحب البساط من الجماعات المسلحة والمليشيات القريبة من مسلحي الكردستاني".
اعتراضات داخل المكون الأيزيدي
وكان ممثل المكون الأيزيدي في مجلس محافظة نينوى، عيدان الشيخ كالو، قد ذكر في بيان الأسبوع الماضي، أنه لم تتم دعوته إلى الاجتماع الذي عقد في مدينة الموصل بخصوص إعلان ما يسمى وثيقة الوئام المجتمعي. وبيّن، أن "أي إهمال من قبل أي جهة حكومية أو غير حكومية لدور التمثيل الأيزيدي في المحافظة مرفوض"، مستكملاً بأنه "اتخذ هذا الموقف ليعلم الشارع الأيزيدي أنه لن يُتخذ أي قرار انفرادي، وسأدافع بقوة عن حق التمثيل الشرعي للأيزيدية في جميع المحافل".
ويسكن سنجار، القريبة من الحدود العراقية السورية ومن الحدود التركية أيضاً، خليط من العراقيين الأيزيديين والعرب والأكراد، موزعين على ثلاثة نواحٍ إدارية: مركز قضاء سنجار، ناحية سنوني، والقيروان (كان تعداد سكّان سنجار في 2013، قبل احتلال "داعش" حوالي 88 ألف نسمة بحسب آخر إحصاء للمدينة). وتمثل سنجار أحد الملفات الأمنية لتركيا التي تطالب بغداد بفرض سلطتها فيها وإنهاء نفوذ وأنشطة حزب العمال الكردستاني فيها. وتنفذ تركيا بين فترة وأخرى هجمات على مناطق تواجد "الكردستاني" في سنجار بواسطة الطيران المسّير.
وبحسب عضو مجلس محافظة نينوى محمد هريس، من حزب تقدم عن العرب السنّة، فإن "جميع شرائح وفئات المجتمع في نينوى، تؤيد الاستقرار وحالة الهدوء والوئام في سنجار، لكنْ هناك رفض للتصالح مع جهات متورطة بالدم العراقي"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "الوثيقة تحظى بدعم الحكومة المحلية في نينوى، وتؤيد دعم شريحة الأيزيديين وعودة نازحي قضاء سنجار". وبعد دخوله المنطقة منتصف عام 2014، ارتكب تنظيم داعش جرائم مروعة استهدفت المكون الأيزيدي، تنوعت بين قتل وتشريد وسبي للنساء ومصادرة للأموال، ما دفع مَن بقي من الأيزيديين إلى مغادرة سنجار، وتبعهم الأكراد والعرب، الذين وجهت إليهم تهم التعاون مع مسلحي "داعش"، وهي تهمة تنفيها العشائر العربية وترفضها بشكل مطلق.
حسين شيخ كالو: هناك من يرى أن الوثيقة لها آثار سلبية على ملف الإبادة الجماعية بحق الأيزيديين
ورأى الصحافي الأيزيدي المختص بشؤون الأقليات، حسين شيخ كالو، أن "وثيقة الوئام التي وقعتها مجموعة من الأطراف، بينهم أشخاص مثّلوا دور شيوخ العشائر، لكنهم لا يمثلون كل الأيزيديين، بالتالي فإن هناك من يرى أن الوثيقة لها آثار سلبية على ملف الإبادة الجماعية بحق الأيزيديين". واعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الوثيقة لا تحقق ما ينشده الأيزيديون، بل تخدم نسبة من العرب. وبكل الأحوال فإن المعترضين لا يقفون بالضد من السلام المجتمعي، لكن هناك وقفة بالضد من عودة أي منتمٍ للتنظيم الإرهابي". وتقول منظمة الأمم المتحدة إن نحو 70 في المائة من الأيزيديين ما زالوا خارج سنجار بسبب انعدام الاستقرار الأمني والسياسي، وتأخر إعادة الإعمار، علماً أن "داعش" كان دمّر نحو 80 في المائة من البنى التحتية و70 في المائة من منازل المدنيين في سنجار ومناطق محيطة، بحسب المنظمة. ولا يزال أكثر من 2800 شخص في عداد المفقودين، وبعضهم كان اعتقلهم "داعش"، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.