يبدو أن قمة الاتحاد الأوروبي، التي انطلقت أمس الخميس في بروكسل، وتستمرّ اليوم الجمعة، تواجه مشكلة قديمة - جديدة في وحدة الموقف. على رأس الاختلافات الأوروبية، إلى جانب قضية سياسات الهجرة واللجوء، يأتي الموقف من "ضمانات أمنية لأوكرانيا".
من الواضح أن دول الاتحاد تواجه ضغوطاً للدمج بين ضمانات المعسكر الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، قبل قمة الأخير في عاصمة ليتوانيا فيلنيوس يومي 11 و12 يوليو/تموز المقبل.
وبحسب ما رشح من "نقاشات ساخنة"، استمرت مساء أمس الخميس، بشأن بنود البيان الختامي، فإن الأوروبيين منقسمون بشأن الضمانات الأمنية لكييف. وجدّد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، صباح اليوم الجمعة، مطالبته بضرورة حصول بلده على الضمانات، وخصوصاً في ما يتعلق بإطلاق مفاوضات الانضمام إلى "نادي بروكسل".
ويراهن الأوكرانيون، في خضم حرب مستعرة مع روسيا منذ العام الماضي، على أن ينضموا على الأقل إلى أحد معسكري الغرب، "الأطلسي" أو "نادي بروكسل"، قبيل قمة "الأطلسي" التي تشهدها واشنطن العام المقبل، في الذكرى 75 لتأسيسه.
بعض الدول التي تبدي حماسة لتسريع انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي، ومنحها ضمانات الدفاع عنها، تواجَه بعقبات معارضة دول أخرى. معسكر المعارضين يرى أن ناديه لا يجب أن يتحول إلى "مستودع سلاح وحلف عسكري". وعلى الرغم من ذلك، يجد مؤيدو طرح التزامات أوروبية بشأن مستقبل أوكرانيا الدفاعي-الأمني "ضرورة" لتعزيز موقفها في مواجهة الغزو الروسي المستمر منذ نحو 16 شهراً.
وبحسب ما يرشح من بروكسل، فإن الأهم بالنسبة لمعسكر دعم كييف الأوروبي، ومن ضمنه دول اسكندنافيا والبلطيق وبولندا، وبدعم من ألمانيا وفرنسا، يتعلق بصورة خاصة بـ"مواصلة الدعم العسكري لأوكرانيا"، بحسب ما ذهب إليه رئيس ليتوانيا غيتاناس ناوسيدا. ووفقاً لما نقلته وكالات أوروبية، صباح اليوم الجمعة، فإن المعضلة التي تواجهها بروكسل تتعلق بتمرير اتفاق على "الاستعداد، مع الشركاء، لتقديم الالتزامات الأمنية المستقبلية تجاه أوكرانيا"، وعلى اعتبار أن ذلك "سيساعدها على الدفاع عن نفسها على المدى الطويل، وردع الأعمال العدوانية ومقاومة جهود زعزعة الاستقرار".
ويظهر من المناقشات المتواصلة أن المستشار النمساوي كارل نيهامر، على عكس رئيسة الحكومة الدنماركية ميتا فريدريكسن، غير موافق على فكرة انخراط أوروبا في ضمانات عسكرية - أمنية لأوكرانيا. ويتسلح نيهامر بمواقف أيرلندا ومالطا وقبرص، وإلى حدّ بعيد بمواقف رئيس الحكومة المجري فيكتور أوربان، المعارض بشدة لانخراط الاتحاد الأوروبي في مستقبل أوكرانيا الدفاعي.
وتخشى الدول المعارضة للضمانات الأوروبية لكييف من توريط أوروبا في تعاون وثيق مع واشنطن، للقفز عن اشتراطات عضوية "الأطلسي". ويشمل التعاون انخراط الاتحاد الأوروبي أكثر في "دعم الصناعات الدفاعية - العسكرية الأوكرانية"، و"التدريب العسكري المشترك"، من بين أمور أخرى. وعمل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي السابق أندرس فوغ راسموسن على ورقة ذلك التعاون تحت مسمّى "ميثاق كييف الأمني"، كإعداد غربي لأوكرانيا من أجل عضوية "الأطلسي". ووفق ما يظهر من تصريحات راسموسن، فإن بنود "الميثاق" تحظى بدعم واشنطن وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وبولندا، بالإضافة إلى دول أصغر في أوروبا.
وأشار الأمين العام الحالي لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ، بعد جلسة مع زملائه الأوروبيين في بروكسل، أمس الخميس، إلى أن الأوروبيين يعوّلون على اتفاق في صفوف "الأطلسي" من أجل خطوات ملموسة في قمة فلينيوس لكيفية التعامل مع عضوية كييف في الحلف.
أيضاً، يبدو أن بعض الدوائر الأوروبية تبدي خشية من تسارع الحديث عن ضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، بعدما تحولت إلى دولة مرشحة العام الماضي. وهؤلاء بصفة محددة لا يروق لهم عدم إيفاء أوكرانيا بالمتطلبات السبعة للعضوية. ويتعلق الأمر، من بين أمور عدة، بمكافحة الفساد والبيروقراطية، والإصلاحات القضائية، ومواجهة الأوليغارشية، والفصل التام بين السلطات.
أمام رئاسة المفوضية الأوروبية حتى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، على أبعد تقدير، لتقديم تقريرها حول ما إذا كانت كييف قد أوفت بتلك المتطلبات. والأسبوع الماضي، أوضحت رئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين أنه أمام أوكرانيا "الكثير لفعله" لتطبيق النقاط السبع.
ويفتح السجال حول الضمانات الأمنية الأوروبية لأوكرانيا الباب لنقاشات واسعة حيال مستقبل الإصلاحات في النادي الأوروبي، وخاصة آليات اتخاذ القرارات، بتحويلها من الإجماع إلى الأغلبية. وذلك يهدف بصورة واضحة إلى التغلب على "الفيتو" الذي تمارسه دول مثل المجر، وقبرص، ومالطا، وأخرى صغيرة، تؤثر على تبني أوروبا قرارات مصيرية قبل توسع أوروبا (فبالإضافة إلى أوكرانيا، تطرق دول البلقان ومولدوفا وجورجيا أبواب بروكسل). ويأتي ذلك في الوقت الذي يُتوقع مستقبلاً أن يتوسع النادي الأوروبي إلى نحو 35 دولة، بدلاً من 27 حالياً.
وتؤيد برلين وباريس ودول "الشمال" بقوة إدخال تغييرات، وخصوصاً في ما يتعلق بإلغاء حق النقض في مجالات السياسة الخارجية والأمنية والضريبية.
في كل الأحوال، وبغض النظر عن نتيجة المناقشات في بروكسل، فإن الشيء المؤكد هذه الأيام أن أوروبا التي تتوقع طول أمد المواجهة في أوكرانيا، بكل ما لذلك من انعكاسات عليها، ذاهبة إلى تأكيد "وقوفها إلى جانب أوكرانيا، بدعم مالي واقتصادي وإنساني وعسكري ودبلوماسي، طالما كان ذلك ضرورياً"، بحسب مصادر صحافية في بروكسل. وذلك التأكيد يأتي برغم منغصات مخاوف بعض الدول في وسط القارة وجنوبها من انخراط أوروبي نشط في مواجهة روسيا بأوكرانيا.