قبل أيام من موعد التصويت على الدستور الجديد في تشيلي في 4 سبتمبر/ أيلول المقبل، تواجه مؤيدو ومعارضو مسودة الدستور الجديد، أول من أمس الأحد، في وسط العاصمة سانتياغو، بعدما صبّت تظاهرتان متعارضتان في مكان واحد. وعلى الرغم من أن مسودة الدستور جاءت استجابة لمطالب الشعب بمزيد من الديمقراطية، وبقدر أقل من المركزية، وهو ما تلحظه بنود المسودة، إلا أن هناك اعتراضات من بعض الفئات في المجتمع عليه.
اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين للدستور التشيلي الجديد
ووصلت أول من أمس مسيرة دراجين يؤيدون إقرار الدستور الجديد الذي سيكون موضع تصويت في الرابع من سبتمبر المقبل، إلى ساحة باكويدانو المعروفة باسم ساحة إيطاليا، والتي تشهد احتجاجات منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
واصطدمت المسيرة بتظاهرة أخرى نظمها أشخاص آتون من قرى على أحصنة وعربات ومعارضون لمسودة الدستور. وعند المستديرة الرئيسية للعاصمة، تبادلت المجموعتان الشتائم وتراشقتا بالحجارة وضُرب بعض الدرّاجين بالعصي.
وأظهر شريط فيديو بثته قنوات تلفزيونية محلية عربة تصطدم بالعديد من الدراجين وهي تقتحم المسيرة المؤيدة للديمقراطية. وتأتي هذه المواجهة في آخر أيام الحملة التي تسبق استفتاء الرابع من سبتمبر والذي سيُدعى من أجله نحو 20 مليون شخص في تشيلي للتصويت الإلزامي، تأييداً أو رفضاً لمسودة الدستور الجديد.
وفي حال رفضت مسودة الدستور الجديد، سيبقى الدستور الحالي، الذي تمّت كتابته خلال عهد بينوشيه الاستبدادي (1973-1990)، وتم تعديله عشرات المرات بعد العودة إلى النظام الديمقراطي، سارياً.
يشعر التشيليون بأنهم مستبعدون من المشاركة السياسية الحقيقية
ويتضمن الدستور التشيلي الحالي عدداً من الموروثات من عهد الحكم الديكتاتوري لبينوشيه، وقد أجمع التشيليون على ضرورة شطبها عبر وضع دستور جديد. ولهذا الهدف، قامت تشيلي خلال الأشهر الاثني عشر الماضية بإعادة صياغة دستورها بالكامل، الذي جاء في 144 صفحة و388 مادة.
وأتت العملية الدستورية نتيجة اتفاق واسع النطاق بين الأحزاب السياسية التشيلية، هدف إلى إنهاء موجة من الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في أكتوبر 2019، وشارك فيها الملايين، الذين نددوا بعدم المساواة وتدهور الخدمات العامة وطالبوا بالتغيير. وشكلت هذه الاحتجاجات نقطة انطلاق من أجل تحقيق مزيد من العدالة والمساواة الاقتصادية والاجتماعية.
وبعد مرور عام واحد على انطلاق الاحتجاجات، صوت التشيليون بأغلبية ساحقة لصالح صياغة دستور جديد، وفي اقتراع لاحق صوتوا لـ155 عضواً كي يشكلوا الجمعية الدستورية التي تسلمت مهام وضع الدستور، وشغل الرجال والنساء فيها عدداً متساوياً من المقاعد، بما في ذلك أعضاء يتحدرون من السكان الأصليين.
وعلى الرغم من أن التشيليين ينتخبون أعضاء البرلمان والرئيس، إلا أنهم يشعرون بأنهم مستبعدون من المشاركة السياسية الحقيقية. كما أن تشيلي دولة شديدة المركزية وهو ما يؤدي لشعور السكان خارج العاصمة بأنهم معزولون. كذلك، بقيت النزاعات قائمة على مدار العقود الماضية مع مجتمعات السكان الأصليين. وفي نظر المؤيدين لمسودة الدستور الجديد، فإن هذا الأخير يمثّل محاولة لإصلاح هذا الوضع.
ويقول المؤيدون للدستور إن المسودة الجديدة تراعي حقوق السكان الأصليين والضمانات الاجتماعية المختلفة واللامركزية في السلطة، وهو ما سيلبي مطالب المجتمع بدولة أكثر مساواة، في أعقاب احتجاجات عام 2019. من جهتهم، يرى المنتقدون أن بنود مسودة الدستور الجديد غير عملية وتثير الانقسام، ومن شأنها أن تضر بالاستقرار السياسي للبلاد والديناميكية الاقتصادية التي عرفتها في السنوات الماضية.
تعديلات الدستور التشيلي الجديد
ومن المقرر أن يمنح الدستور الجديد، إذا ما أقرّ، أقاليم البلاد الـ16 استقلالية أكبر مقابل الدولة المركزية، كما سيتم تشكيل "مجلس الأقاليم" ليحل محل مجلس الشيوخ، والأول هو هيئة استشارية متعددة القوميات للتمثيل الإقليمي.
ويعد ذلك التغيير الأكثر وضوحاً في الهيكل الدستوري التشيلي، بحسب مقال نشر في موقع "أميركا كوارترلي"، الشهر الماضي. وكان الدافع وراء هذا التغيير هو شعور بعض واضعي مسودة الدستور الجديد بأن مجلس الشيوخ التشيلي هو غرفة نخبوية، حيث لا يشارك بشكل جوهري في عملية الإصلاح. وأراد واضعو مسودة الدستور إنشاء مجلس جديد يمكن أن يمرر التشريعات بشكل أكثر كفاءة.
لكن البعض يشعر بأن استبدال الغرفة الثانية للبرلمان من شأنه أن يجعل السياسة غير مستقرة، خصوصاً أن المجلس الجديد سيكون عرضة للتغييرات المتكررة في تركيبته الأيديولوجية، وبالتالي سيقرّ مجموعات مختلفة من القوانين.
من المقرر أن يمنح الدستور الجديد أقاليم البلاد الـ16 استقلالية أكبر مقابل الدولة المركزية
إلى ذلك، تعتبر اللامركزية طلباً طويل الأمد في تشيلي، إذ إن السلطات تتركز في العاصمة. وتلبي مسودة الدستور الجديد هذا الطلب، عبر إعطاء سلطات جديدة للمناطق والبلديات ومناطق السكان الأصليين. ويخشى البعض هنا على سلامة الدولة ومدى السيطرة على البلاد. ويأتي القلق على خلفية تدهور الوضع الأمني في بعض المناطق ولا سيما المناطق الجنوبية الوسطى ذات الكثافة من السكان الأصليين.
بالإضافة إلى ذلك، ستُعتبر تشيلي دولة متعددة القوميات. ويتعرض هذا الاقتراح لانتقادات حادة لأنه يتناقض مع فكرة وجود شعب واحد يعيش معاً في دولة واحدة، إذ يعتبر مشروع الدستور الجديد أن الشعوب الأصلية والسكان التشيليين يجب أن يعيشوا في دولة مشتركة، وفق مقال "أميركا كوارترلي".
ويمنح مشروع الدستور الجديد الشعوب الأصلية عدداً من الحقوق الجديدة، ويسمح لهم مثلاً بإنشاء محاكمهم الخاصة على المستوى المحلي، الأمر الذي أثار انتقادات بأنه يوفر نظاماً قضائياً موازياً.
كما يمنح الدستور مساحة بارزة للحقوق الاجتماعية بما في ذلك القرارات النسوية، وحماية البيئة. كذلك، نص مشروع الدستور على أنه يجب أن تكون هياكل جميع مؤسسات الدولة قائمة على المساواة بين الجنسين.
(العربي الجديد، فرانس برس)