تشهد الدنمارك أزمة ثقة برئيسة الحكومة، ميتا فريدركسن، المسنودة بأغلبية برلمانية من اليسار ويسار الوسط، على وقع مطالب بمحاكمتها بسبب ما تسمى "فضيحة حيوان المنك"، التي أدت في ذروة جائحة كورونا إلى قرار إعدام الملايين منها.
ويعتبر حزب "راديكال فينتسرا" (يسار الوسط) الداعم لها برلمانيا، أن القرار كانت تعوزه "الشفافية"، ما جعله ينذر فريدركسن: إما الإعلان عن انتخابات برلمانية مبكرة قبل أكتوبر/ تشرين الأول القادم أو إسقاطها بحجب الثقة عنها.
وترفع مؤشرات إجراء الانتخابات قبل موعدها بنحو عام بحجة "تنقية أجواء الديمقراطية"، مستوى التنافس على ناخبي اليمين القومي المتشدد. فمعسكر اليمين القومي-الشعبوي، الذي مثله لربع قرن تقريبا "حزب الشعب الدنماركي" بات أكثر تفتتا وتراجعا في الاستطلاعات.
الانهيارات في الحزب، الذي جعل مهمته الرئيسة مناهضة سياسات الهجرة في البلد، لامست نواته الصلبة باستقالات لأبرز شخصياته في البرلمان وآخرها قبل أيام قليلة سورن إسبرسن (حليف دولة الاحتلال الإسرائيلي في لجنة الصداقة الصهيونية -الدنماركية) والعضو المشارك في تأسيسه كريستيان ثولسن دال، وسط اتهام من مؤسسته المثيرة للجدل، بيا كيرسغورد، بوجود "مؤامرة".
يعتبر البعض ما يجري "هزيمة تاريخية" لجناح التطرف القومي. فبعدما كان "حزب الشعب الدنماركي" قد احتل المرتبة الثالثة في البرلمان في انتخابات 2015، هبط الحزب من 37 مقعدا (من أصل 179)، ومن اعتباره "بيضة قبان" تشكيل حكومات يمين الوسط، إلى 16 مقعدا في انتخابات 2019. توالي الاستقالات من كتلته البرلمانية وضعه اليوم أمام حقيقة أنه لا يُمثل سوى بـ5 مقاعد، وتضعه الاستطلاعات عند عتبة 4 في المائة، المطلوبة كي تتمثل الأحزاب في برلمان كوبنهاغن.
قضايا كثيرة داخل الحزب وفي سياساته أثرت على شعبيته. فزعيمه الحالي، مورتن ميسرشميت، المدعوم من كيرسغورد، دانته محكمة دنماركية العام الماضي بإساءة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي في 2016 حين كان عضوا في برلمانه. ورغم ذلك فُرض ميسرشميت كزعيم للحزب، في يناير/ كانون الثاني الماضي، ليعمق أزمته الداخلية وانفضاض الناخبين من حوله.
ومع ذلك، لا يعني انهيار الحزب الشعبوي "الشعب الدنماركي" انحساراً تاماً لمعسكر التشدد، فقد صبت تلك التطورات لصالح حزب "البرجوازية الجديدة"، بزعامة بيرنيلا فيمرموند، و"ديمقراطيي الدنمارك" (الذي تأسس قبل أيام) بزعامة وزيرة الهجرة السابقة، إنغا ستويبرغ.
ورغم أن الوزيرة السابقة، ستويبرغ، وجدت مذنبة (في ديسمبر/كانون الأول الماضي) في قضية توجيهات حكومية خارج القنوات الرسمية لفصل أزواج سوريين قصّر في 2015 و2016، وقضت حكما بالسجن لشهرين في منزلها بسوار مراقبة إلكتروني، واعتبرها البرلمان "غير جديرة بعضويته"، فقد استطاعت خلال أسبوعين حشد تأييد ما لا يقل عن 40 ألف ناخب للترشح (المطلوب نحو 20 ألف صوت) بقائمة عن حزبها اليميني المتشدد الجديد، والمتشابه في توجهاته مع "ديمقراطيي الدنمارك".
انطلق أخيراً التنافس بين السيدتين، فيرموند وستويبرغ، لاقتناص تركة "الشعب الدنماركي"، حيث تقدم ستويبرغ نفسها بخطاب نقدي ومتشدد حيال المهاجرين لسحب البساط من تحت "البرجوازية الجديدة"، المركز على مسلمي البلد، بل ويرشحها أنصارها بتفاؤل إلى "رئاسة الحكومة"، إن حققت نسبة مئوية تزيح حزبي يمين الوسط التقليديين "المحافظين" و"راديكال فينسترا" (الأكثر تشكيلا لحكومات يمين الوسط).
في كل الأحوال، الشيء المؤكد في الحراك الذي يهوي بحزب شعبوي، وبروز آخرين بديلا، أن تشتت الأصوات سيضعف ذلك المعسكر، رغم الأحلام بالوصول إلى الحكم. ومن ناحية أخرى، هذا لا يعني أن يسار الوسط (الاجتماعي الديمقراطي) لم ينجرف بمواقفه نحو يمين الوسط، بحسب الاتهامات الموجهة من قبل أحزاب يسارية لسياسات رئيسة الحكومة فريدركسن.
إجمالا، الخبر السيئ الآخر لمعسكر القوميين المتشددين أن الأقليات، كما يطلق على المواطنين من أصول مهاجرة، لم تعد "ناخبي كنبة"، بل أصبحت مشاركة في العملية الديمقراطية بشكل متزايد. واعتمادا على نتائج انتخابات 2019، فإن إقبال المهاجرين على الانتخابات زاد بمقدار 4.4 في المائة عن انتخابات 2015، فيما النسبة لدى أحفادهم ارتفعت بنحو 11 في المائة، لتتراوح بين 64 عند الكبار و71 في المائة لدى الشباب.
وذلك الإقبال، رغم أنه ليس بمستوى مشاركة نحو 84 في المائة من الدنماركيين، ليس في مصلحة اليمين القومي المتشدد، المراهن على تهميش ذاتي وانتشار إحباط، خصوصا بين الأجيال الشابة من الأصول المهاجرة. ترتفع التوقعات التي ترى أن الانتخابات القادمة يمكن أن تشكل فرصة لمن يسمون "أولاد المهاجرين"، رغم ولادتهم في البلد، لقلب توقعات معسكر القوميين المتشددين في تهميش أصواتهم.