استمع إلى الملخص
- استخدام القوة والتهديد بالسلاح ضد الفلسطينيين لمنعهم من الوصول إلى أراضيهم، يعكس نمطًا من العنف والترهيب في سياق السياسات الإسرائيلية للاستيلاء على الأراضي.
- الاستيطان الرعوي كاستراتيجية إسرائيلية لتغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي للضفة الغربية، يؤدي إلى تهجير السكان الأصليين ويعقد عملية السلام.
في طريقهم للاستيلاء على السفوح الشرقية لرام الله وما يُعرف بمنطقة شفا الغور، أقام المستوطنون الإسرائيليون بؤرة استيطانية رعوية جديدة شرق بلدة دير دبوان شرق رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، ما يعني بالنسبة للأهالي قطع طريق مزارعيهم ورعاة الأغنام عن مساحات شاسعة من الأراضي التي تصل إلى مشارف أريحا شرقي الضفة الغربية.
ومنذ السابعة من صباح أمس الأربعاء، اقتحم مستوطنون أرضا فلسطينية خاصة في "خلة المغارة" وهي عبارة عن قمة جبل، واختار المستوطنون، حسب رئيس بلدية دير دبوان عماد مصبح، أرضا معمرة ومحاطة بسياج من الأسلاك الحديدية، ومعهم قرابة 200 رأس من الأغنام، وبدؤوا بإقامة خيام لهم، واستمروا بالعمل داخل هذه الأرض حتى الثالثة من فجر اليوم الخميس، حسب ما أكد شهود عيان لـ"العربي الجديد".
يقول رئيس بلدية دير دبوان عماد مصبح، لـ"العربي الجديد"، إن المستوطنين قاموا بفتح باب السياج وإدخال أغنامهم إلى داخل حدود أرض المواطن محمود بركات عواودة، وهي أرض تحتوي على أشجار اللوز والزيتون، وبعضها مزروع منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما.
هم مستوطنون مسلحون، عددهم قرابة 15، موجودون بشكل دائم في هذه الأرض منذ الأمس، لكنهم مدعومون من مجموعة كبيرة من المستوطنين، قد يصل عددهم في لحظة ما إلى قرابة 300 في حال وقع أي حادث، فهم منظمون بحيث يمكنهم جمع بعضهم في مكان ما خلال دقائق. وحظي المستوطنون أمس بدعم من مسؤولين استيطانيين، ومن جيش الاحتلال. ويقول مصبح إن ما يسميه أهالي بلدته بـ"مختار" المستوطنات في المنطقة كان موجودا.
وأكد أحد النشطاء من البلدة لـ"العربي الجديد"، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن جيش الاحتلال قدم أيضا الليلة الماضية لحماية المستوطنين، بعد أن حصلت بعض المناوشات، وقام شبان من البلدة بعمليات "إرباك ليلي" ضد المستوطنين، حيث قام الجيش وحراس المستوطنات لساعات بتمشيط الطرق الزراعية والالتفافية بحثا عن الشبان.
ومنذ صباح أمس الأربعاء، يمنع المستوطنون أيا من أصحاب الأراضي والرعاة من الاقتراب من المنطقة. ويقول رئيس البلدية عماد مصبح إن مستوطنين مسلحين ينتشرون لمنع الأهالي من الوصول إلى الأراضي في المنطقة، ويهددونهم برفع السلاح وتوجيهه نحوهم.
ورغم تجارب مريرة كثير للبلدة مع المستوطنين، إلا أن هذه تعتبر المرة الأولى التي تجرى فيها المحاولة للاستيلاء على هذا الجبل بالتحديد، فالأرض هذه ملك شخصي وليست لها أي تصنيفات أخرى كأراضي دولة مثلا، وبحوزة أصحابها الأوراق الثبوتية لملكيتها، وهي أرض مزروعة بالأشجار، ويُعتنى بها بشكل دوري.
يؤكد مصبح أن البلدية تعمل على تحضير الأوراق الثبوتية وكل ما يلزم من أجل متابعة الأمر، لكن التخوف يظل قائما، فبقاء بؤرة استيطانية مثل هذه سيقطع الأهالي عن مساحات شاسعة جدا تصل إلى مشارف أريحا، بعضها مزروع بالقمح، وقد اقترب موعد حصاده في الثلث الأول من شهر يونيو/ حزيران المقبل، وقد يمتد تأثير المستوطنين هؤلاء واستيلائهم على مساحات أكبر من الأرض التي كانوا قد استولوا عليها في السابق، خصوصا أن أكثر من 80 بالمئة من أراضي البلدة مصنفة (ج) وفق اتفاق أوسلو، يملك الاحتلال سيطرة مدنية وأمنية كاملة عليها.
رغم أن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان لم تصنف بعد رسميا تحرك المستوطنين هذا أنه بؤرة استيطانية جديدة، كونها تراقب عادة تحركات المستوطنين وتتأكد من إبقاء مثل هذه الخيام بشكل دائم على شكل بؤرة استيطانية، إلا أنها لا تفصل هذا التحرك عن استراتيجية الاستيلاء على السفوح الشرقية للضفة الغربية وتهجير التجمعات البدوية.
فكما يقول المدير العام للنشر والتوثيق في الهيئة أمير داود، لـ"العربي الجديد"، فإن أراضي دير دبوان، ومناطق شرق رام الله بشكل عام، مستهدفة بالبؤر الرعوية الاستيطانية، كونها كانت تحتوي على عدد كبير من التجمعات البدوية، وبسبب السياسة العنيفة لهؤلاء المستوطنين، لم يتبق سوى عدد قليل من التجمعات البدوية الفلسطينية شرق رام الله.
يقول داود إن 18 تجمعا جرى ترحيلها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي (أي منذ بدء الحرب على غزة)؛ في المنطقة الممتدة من شرق رام الله والسفوح الشرقية حتى الأغوار الشمالية، من أصل 25 تجمعا رُحّلت في الفترة ذاتها في كل مناطق الضفة الغربية، أي أن أكثر من 70% من التجمعات التي رُحّلت هي في هذه المنطقة.
ولا يزال يصمد في المنطقة تجمعان بدويان، يقعان في مكان قريب من خيام المستوطنين التي أقيمت أمس، وهما تجمع مغاير الدير وتجمع المعرجات، وبقاء هذه الخيام الاستيطانية على شكل بؤرة استيطانية سيعني، برأي داود؛ تكثيف الاعتداءات على التجمعين من أجل تهجيرهما.
ويبدو التركيز على شرق رام الله من أهم الخطط للسيطرة على السفوح الشرقية للضفة، حيث لا يعمد المستوطنون فقط إلى الاستيلاء على الأغوار والسفوح الشرقية، بل إلى سرقة الأراضي التي تفصل الضفة الغربية عنها، وكذلك مناطق شفا الأغوار أي التي تطل على الأغوار، والاستيلاء على مفاصل الوصول إلى الأغوار، وهو ما يفسر السعي الحثيث للاستيلاء على مناطق شرق رام الله واستهداف المستوطنين لها، فشرق رام الله هي المنطقة التي تصل بين رام الله المدينة وقراها الشرقية وسط الضفة، وبين أريحا والأغوار شرقي الضفة.
ويعد الاستيطان الرعوي، حسب داود، أحد أهم العناوين للتحركات الاستيطانية، لارتباطه بالتهجير القسري، فهو مغلف بفكرة الزراعة والرعي، لكن هدفه الحقيقي تنفيذ اعتداءات ضد التجمعات الفلسطينية وترحيلها، ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى الأراضي.
ويتابع داود بأن الاستيطان الرعوي، حسب تصريحات عدد من قادة المستوطنين، هو أفضل طريقة للاستيلاء على مساحات كبيرة، لأن الاستيلاء على الأراضي من الجهات الرسمية للاحتلال يتطلب جهدا قانونيا، ويستهدف مساحات محددة، ولكن الاستيطان الرعوي يمنع وصول الفلسطينيين إلى مساحات شاسعة تمهيدا لفرض أمر واقع، يؤدي لاحقا بالتواطؤ بين المستوطنين وحكومة الاحتلال إلى الاستيلاء عليها رسميا.
وتعاني دير دبوان منذ عام 2022 من بؤرة استيطانية في منطقة أخرى تعرف بطريق الشيخ عمار، وهي تجربة مريرة، استولى من خلالها المستوطنون عمليا على جبل بجهاته الأربع بحكم القوة، حيث يُمنع المواطنون من الوصول إلى أراضيهم، بل إن أراضي قريبة لا يصل إليها المزارعون والرعاة الفلسطينيون إلا على شكل مجموعات للحفاظ على حياتهم.
ومما يوضح تواطؤ المؤسسات الإسرائيلية الرسمية مع المستوطنين، أن محكمة تابعة للاحتلال أمرت أكثر من مرة منذ عام 2022 بإزالة تلك البؤرة الاستيطانية، وأُزيلت بالفعل، لكن سرعان ما كانت تعود بشكل أفضل من السابق ولا تزال حتى الآن قائمة تنغص على الأهالي، وتستولي على أراضيهم.
وهذا ليس كل ما يواجهه أهالي دير دبوان، ففي شهر فبراير/شباط الماضي، أصدرت سلطات الاحتلال قرارا بالاستيلاء على 18 دونما من أراضيها، "بوضع اليد" بحجة "أغراض عسكرية عاجلة"، من خلال تشكيل منطقة عازلة حول مستعمرة "متسبيه داني"، حيث كانت هيئة مقاومة الجدار أشارت إلى أن ذلك يأتي ضمن تنفيذ فعلي لفكرة المناطق العازلة حول المستوطنات في الضفة التي اقترحها وزير الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، والتي شملت على الأقل ثلاث مستوطنات منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.