تزداد التسريبات الإعلامية عن سعي فرنسي لمغادرة مالي على خلفية التوتر مع المجلس العسكري الحاكم، وآخرها كشف مجلة "أفريكا إنتلجنس" مساء أمس الجمعة، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من المتوقع أن يعلن عن نهاية عملية "برخان" وسحب القوات الفرنسية بشكل نهائي الأسبوع المقبل، خلال القمة الأوروبية-الأفريقية.
ومنذ وصول العقيد أسيمي غويتا إلى السلطة في مالي، عبر انقلاب عسكري، ازداد التوتر بين باماكو وباريس، وتصاعدت التظاهرات العدائية المناهضة للوجود الفرنسي في البلاد. كما مثّلت عملية طرد السفير الفرنسي في مالي أخيراً، نقطة تحول في العلاقة بين البلدين، ليبدأ فصل مضطرب في غاية الصعوبة بين فرنسا ومستعمراتها الأفريقية السابقة.
ويقتصر الوجود العسكري الفرنسي في مالي على 2500 جندي، ما يزالون منتشرين في ثلاث قواعد عسكرية في البلاد، ازدادت مهمتهم صعوبة مع الانقلابين المتعاقبين، بالإضافة إلى مزاحمة مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية لهم، فضلاً عن الهجوم الأخير الذي تعرضت له إحدى قواعدهم في جاو، وأدت إلى مقتل جندي فرنسي وسقوط عشرات الجرحى.
خطة بديلة
وذكر مصدر فرنسي مقرب من الملف لـ"العربي الجديد"، أن وزارة الدفاع الفرنسية تبحث في خطة بديلة "تتضمن إعادة نشر القوات الفرنسية في النيجر، فلدى فرنسا قاعدة في نيامي تتشارك بها مع القوات الأميركية".
وأكد المصدر أن المفاوضات جارية مع السلطات هناك "لوضع إطار اتفاق يحدد وضع هذه القوات، خصوصاً مع احتجاج قائم، لكن بصيغة محدودة وأقل عدائية، على الوجود الفرنسي في تلك المنطقة (..) وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي كانت هناك الأسبوع الماضي بالفعل".
وأضاف المصدر "بديهياً، ما يزال بمقدور فرنسا لعب دور في مكافحة الإرهاب في أفريقيا، وهذا يؤكده وزير الخارجية جان إيف لودريان باستمرار، لكن من دون وجود فرنسي في منطقة الساحل ستكون الأمور معقدة، لذلك يتم البحث في مواقع بديلة تنتشر فيها القوات الفرنسية من دون الوصول إلى سيناريو سحب كامل للجنود من المنطقة، على الرغم من أنه أيضاً موضوع تم نقاشه بجدية في حال ساءت الأمور أكثر".
ولدى فرنسا قواعد عسكرية لوجستية في النيجر وتشاد وساحل العاج، ودول أخرى في خليج غينيا، وتلك القواعد كان لها دور بارز في مهمة "برخان"، إذ ساعدت في عملية تحرير شمال مالي، واغتيال العديد من قادة القاعدة في المنطقة، فضلاً عن دورها في تدريب أكثر من 40 ألف عسكري مالي.
لكن مع ازدياد التوتر مع سلطات الأمر الواقع التي فرضها الانقلابيون، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد القوات الفرنسية، التي باتت في نظرهم "قوات استعمار جديدة"، لم يعد أحد يتحدث عن النجاحات التي حققتها عملية "برخان" خلال تسع سنوات من الوجود العسكري الفرنسي في الساحل، وهو أطول وجود عسكري فرنسي في الخارج بعد أفغانستان.
ويرفض المجلس العسكري المالي اتفاقيات الدفاع مع فرنسا. بالنسبة لوزير الخارجية الفرنسية، لا يمكن أن يبقى الوضع على ما هو عليه، بحسب تصريحات نقلتها قناة "فرانس إنفو" الأسبوع الماضي. والسبب هو على وجه الخصوص وجود قوات شبه عسكرية موالية لروسيا من شركة "فاغنر"، على علاقة قوية جداً من المجلس العسكري في مالي.
ووفقاً لباريس، يوجد بالفعل أكثر من ألف منهم في مالي، جاؤوا في إطار استغلال روسيا تقليص فرنسا وجودها في منطقة الساحل: من 5 آلاف جندي قبل سنتين، إلى 2500 كان يفترض أن يبقوا حتى عام 2023. وفي شمال البلاد، الجزء الذي تمت استعادته من يد "القاعدة" بفضل عملية "برخان"، انسحب الجيش الفرنسي بالفعل من ثلاث قواعد.
القمة الأوروبية-الأفريقية من 17 إلى 18 فبراير/شباط، ستشهد إعلاناً مرتقباً حول مستقبل الوجود الفرنسي في مالي
يشار إلى أن القمة الأوروبية-الأفريقية من 17 إلى 18 فبراير/شباط، ستشهد إعلاناً مرتقباً حول مستقبل الوجود الفرنسي في مالي. "فرضية الانسحاب مطروحة بالفعل على طاولة المشاورات الجارية بين باريس والعواصم الأوروبية والأفريقية المنخرطة في هذا البلد في محاربة المتشددين" وفق ما نقلت صحيفة "لوموند" عن مصدر دبلوماسي في الثالث من فبراير/شباط الماضي.