فيما كانت تستعد لسحب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء عمران خان في البرلمان، بعد تمكنها من حشد الأغلبية لذلك، تلقت المعارضة الباكستانية، أمس الأحد، صدمة المفاجأة التي كان تعهد خان، أول من أمس، بإحداثها، لقلب مخطط إطاحة حكومته.
الرئيس الباكستاني يحلّ البرلمان
وأفلت خان من إطاحته، عبر مناورة سياسية وصفها خصومه بغير الدستورية، بعد إقناعه الرئاسة الباكستانية بحلّ البرلمان، حيث باتت البلاد تتجه إلى إجراء انتخابات مبكرة، ما لم تبت المحكمة العليا بغير ذلك، بعدما أصبحت شكوى المعارضة من خطوات الحكومة والرئاسة في يدها.
وسريعاً اجتمع أعضاء في المحكمة، لمناقشة التطورات، فيما نأت المؤسسة العسكرية بنفسها عن حل البرلمان. وتدشن تطورات الأزمة السياسية في باكستان، والتي استفحلت بين الحزب الحاكم، "حركة إنصاف"، ومعارضيه، لا سيما بعد تخلي حلفاء خان عنه، منعطفاً جديداً من التأزيم، من شأنه إدخال البلاد في نفق سياسي طويل.
وجاء إعلان الرئيس الباكستاني عارف علوي، الذي يتمتع بمنصب فخري إلى حدّ كبير، أمس، عن حلّ الجمعية الوطنية، أي البرلمان، وحلّ الحكومة، بطلب من خان، وبعدما فشلت المعارضة التي كانت حشدت أمس لتمرير مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة، في مسعاها.
وجاء فشل المعارضة إثر رفض نائب رئيس البرلمان، قاسم خان صوري (من الحزب الحاكم)، قبول مذكرة حجب الثقة، بحجة عدم دستوريتها. وربط صوري رفضه مناقشة حجب الثقة، بحجة أن خطوة المعارضة جاءت بدفع خارجي، وهو ما ردّده خان طوال اليومين الماضيين.
أكّدت المؤسسة العسكرية أمس أن لا علاقة لها بالأزمة
وألقى خان أمس، خطاباً متلفزاً، أشار فيه إلى وجود "تدخّل خارجي" في مؤسسات باكستان الديمقراطية. وقال: "أرسلت نصيحة إلى الرئيس بحلّ الجمعية. سنجري انتخابات ونترك الأمة تقرر". وجاء البيان الرئاسي لحل البرلمان مقتضباً، مؤكداً موافقة الرئيس على طلب رئيس الحكومة.
من جهته، أوضح مستشار رئيس الوزراء، فرخ حبيب، في بيان، أن خان سيواصل العمل في منصبه وفق المادة 224 من الدستور، إلى حين تشكيل حكومة تصريف الأعمال للإشراف على الانتخابات التي يفترض أن تجري خلال 3 أشهر.
أزمة دستورية بعد حلّ البرلمان
وأثارت خطوة الرئاسة بحل البرلمان أزمة قانونية ودستورية في البلاد، مع رفض المعارضة لها، وتأكيد عزمها عدم الاستسلام. وجاءت الخطوة مفاجئة للمعارضة، التي كانت واثقة بأن لديها ما يكفي من الأصوات للإطاحة بخان. ورفعت المعارضة شكوى رسمية إلى المحكمة العليا في البلاد، التي بات عليها أن تحكم في ما كان قرار منع مناقشة مذكرة حجب الثقة نافذاً أم لا، بالإضافة إلى قرار حلّ البرلمان في وقت تواجه فيه الحكومة سحب ثقة. وأعلنت المحكمة العليا أنها تنظر في القضية وفي مدى دستورية الإجراءات التي اتخذها علوي وخان.
من جهتها، أكدت المؤسسة العسكرية في باكستان، أن لا علاقة لها بتطورات الأزمة يوم أمس، وأنها لم تكن على علم مسبق بها، من دون أن توضح طبيعة موقفها. وقال المتحدث باسم الجيش الباكستاني، رئيس مكتب العلاقات العامة في الجيش، بابر افتخار، في حديث لقناة "جيو" المحلية، إن المؤسسة العسكرية "لا علاقة لها بما حصل"، مضيفاً أن الجيش لم يكن على علم مسبق بالخطوات التي اتخذت.
ودّلت نبرة افتخار على أن المؤسسة العسكرية ليست راضية عمّا حصل، ولكن دون أن تدين أو تبارك رسمياً خطوة حلّ البرلمان. ويُبقي هذا الموقف الضبابي، الرهان لحسم هذه الأزمة، على المحكمة العليا، التي بادرت أمس إلى تسجيل دعوى من طرفها، قبل أن يصل إليها محامو المعارضة لتسجيل القضية والنظر فيها.
وحضر قضاة المحكمة العليا إلى مقر المحكمة، وبدأوا التشاور في ما بينهم، على الرغم من أن يوم أمس هو يوم إجازة رسمية. ومنعت المحكمة العليا الباكستانية، مساء أمس الأحد، الرئيس الباكستاني ورئيس الوزراء من اتخاذ أي خطوات تنفيذية بشأن قرار الرئيس حلّ البرلمان والمجلس الوزاري، إلى حين بتّ اللجنة القضائية الخاصة المكونة من قضاة المحكمة العليا في القضية.
وقالت المحكمة العليا، في مذكرة مفصّلة، أصدرتها، مساء أمس، إنها تنظر في المواد القانونية، وستجتمع اللجنة القضائية المخولة ظهر اليوم الإثنين للنظر في القضية مرة أخرى، والبت فيها.
في موازاة ذلك، واصلت المعارضة جلسة البرلمان بعد حلّه، وقامت بتعيين أياز صادق، القيادي في حزب "الرابطة الإسلامية"، رئيساً له. وأكملت المعارضة إجراءات سحب الثقة، بعد إعلان حلّ البرلمان، وصوّت 197 نائباً لسحب الثقة عن حكومة خان. وكانت "حركة إنصاف" قد فقدت الأسبوع الماضي غالبيتها في البرلمان الذي يضم 342 عضواً، بعد انشقاق حزب "الحركة القومية المتحدة" عن التحالف الحاكم، بالإضافة إلى إعلان نواب من الحزب الحاكم عزمهم التصويت لصالح سحب الثقة.
استياء في أوساط المقربين من عمران خان
وبدا الادعاء العام الباكستاني مستاء بشدة من خطوة خان. وأعلن نائب المدعي العام، خواجه خالد محمود، الاستقالة من منصبه احتجاجاً على خطوات الحكومة، مؤكداً في بيان، أن الإجراءات التي اتخذت غير قانونية، ومشيراً إلى أن المدعي العام خالد خان، غير راض أيضاً عمّا حدث، وسيقدم استقالته.
ولفت خالد محمود إلى أن المدعي العام، كان تعهد أمام المحكمة العليا قبل يومين، حين كانت تنظر في دعوى قدمتها الحكومة ضد النواب الذين تخلّوا عن ولائهم للحزب الحاكم، بأن التصويت على قرار سحب الثقة سيحصل، إذ لا يشتمل الدستور على أي خيار آخر (في حال إصرار المعارضة على سحب الثقة وامتلاكها الأكثرية لذلك). وأكد نائب المدعي العام أن الرئيس الباكستاني لا يمكنه حل البرلمان إذا كان ينظر في قرار سحب الثقة عن رئيس الوزراء، معتبراً أن خان يدفع البلاد نحو أزمة قانونية وسياسية كبيرة.
من جهته، لم يعلن المدعي العام الباكستاني، وهو أحد المقربين من خان، استقالته، أمس، لكنه أكد في حديث لـ"جيو"، أن حلّ البرلمان كان مفاجئاً له، معرباً عن عدم اعتقاده بأن تكون لخطوة الرئاسة والحكومة أي حيثية دستورية، مؤكداً أن المحكمة العليا ستبت في المسألة، وأن الرهان أصبح منصباً عليها لحلّها.
أكملت المعارضة إجراءات سحب الثقة بعد إعلان حلّ البرلمان، وصوّت 197 نائباً لسحب الثقة عن حكومة خان
لكن وزير الإعلام فواد شودري، والذي كان كلّفه خان أمس بتولي منصب وزير العدل (ربما لعزمه اتخاذ خطوات قانونية ضد المعارضين له)، رأى أمس أن لا حقّ للمحكمة العليا في النظر بأي قرار يتخذه البرلمان، مؤكداً في حديث للصحافيين، من أمام مقر المحكمة العليا (بعدما منع من دخول مبنى المحكمة)، أن المؤسسة القضائية والبرلمان مؤسستان مستقلتان لا يمكن لإحداهما التدخل في شؤون الأخرى، مستبعداً أن تكون للمحكمة كلمة في القضية. كما أعرب عن استغرابه لقيام المحكمة العليا بفتح أبوابها في وجه القضاة والعاملين يوم الأحد، ما رأى أنه "غير مناسب".
وأكد الوزير الباكستاني أن الإجراءات السياسية باتت تتخذ مجراها، وأن لا وجود للبرلمان اليوم ولا للحكومة. ولفت إلى أن خان سيراسل اليوم الإثنين زعيم المعارضة في البرلمان، شهباز شريف، من أجل التشاور حول تشكيل حكومة تصريف أعمال مهمتها الإشراف على الانتخابات المبكرة المقبلة.
وتعليقاً على الأزمة، استغرب الخبير القانوني جاويد بصير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، كلام شودري، معتبراً أن "الحزب الحاكم برمته، يبدو أنه خائف اليوم من قرار المحكمة الذي سيكون ملزماً، سواء جاء لصالح السلطة أو المعارضة".
وفي حال لم تبت المحكمة لصالحها، فإن المعارضة تصبح مضطرة للاستعداد للانتخابات، علماً أن معظم الأحزاب المعارضة كانت قد دعت إلى انتخابات مبكرة قبل قرار سحب الثقة. وبغض النظر عما سيكون عليه موقف المؤسسة القضائية، فإن عمران خان نجح في منع وصول المعارضة إلى الحكم، لكنه خسر بعضاً من قادة حزبه المقربين، الذين قد يزداد عددهم ربما خلال الأيام المقبلة.
وجرت أمس إقالة حاكم إقليم البنجاب، شودري سرور، وهو أحد مؤسسي الحزب الحاكم، من منصبه، بعد معارضته حلّ البرلمان، ما دفعه لاتهام الحكومة بارتكاب تجاوزات للنيل من معارضيها. كما أعلن النائب لياقت عامر، مغادرته الحزب الحاكم، فيما عدّ نائب زعيم "حزب الرابطة" - جناح قائد أعظم، شودري برويز إلهي، وهو الحزب المتحالف الوحيد الذي بقي مع حكومة خان، إجراء حلّ البرلمان خطوة غير قانونية.