بان كي مون يتجاهل تقارير الأمم المتحدة حول غزّة

18 يوليو 2014
دمار غزة نتيجة القصف الإسرائيلي (مصطفى حسونة/الأناضول/Getty)
+ الخط -

يلاحظ المتابع لما يصدر عن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، ولمداخلاته في الأسابيع الأخيرة في نيويورك، بخصوص تطورات الأوضاع في فلسطين المحتلة عامة، وقطاع غزة خاصة، أنّه لا يحترم أو لا يقرأ التقارير الصادرة عن الفروع المختلفة لمنظمات الأمم المتحدة التي يقف على رأسها.

وتبقى البيانات الصادرة عن مكتب بان كي مون، عامة، باهتة، خالية من أي موضوعية، وتساوي بين الضحية والجلاد. وكان آخر تلك البيانات ما صدر أمس الخميس، من ترحيب بالوقف المؤقت لإطلاق النار.

فقد ذكر الأمين العام في بيان له أن وقف إطلاق النار سمح "للمدنيين في غزة باستئناف نشاطهم اليومي المعتاد والبدء بإصلاح البنية الأساسية للمياه والكهرباء"، مضيفاً أن الهدنة الانسانية أمهلت "الإسرائيليين بعض الوقت من إطلاق الصواريخ عليهم، وتظهر الهدنة أن وقف الأعمال العدائية ممكن، إذا أبدت جميع الأطراف الإرادة ووضعت مصالح المدنيين أولاً".

وتجاهل الأمين العام توجيه أي إدانة في بيانه للقصف الإسرائيلي المتواصل ضدّ المدنيين الذي أدى لسقوط مئات الشهداء والجرحى، وأطنان المتفجرات التي تسقط على رؤوس أهالي غزة.

ولكن على عكس تصريحات الأمين العام، تأتي تقارير منظمات الأمم المتحدة المختلفة التي تعايش الواقع على الأرض لتسمي الأشياء بأسمائها، كما أنّها لا تتردّد في انتقاد الفصائل الفلسطينية المسلّحة، إن رأت أن الأخيرة قامت بما لا يتماشى مع القانون الدولي أو قرارات الأمم المتحدة أو بنود معاهدة جنيف الرابعة.

ومن أبرز التقارير الصادرة أخيراً حول الوضع في فلسطين المحتلة، تقرير "لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا"، "الإسكوا" والذي تعدّه سنوياً وترفعه للأمين العام.

ولفت التقرير الأخير الصادر في الـ16 من الشهر الجاري، الانتباه إلى "استهداف المنشآت المدنية وسقوط الضحايا المدنيين خلال التصعيد العسكري الجاري في قطاع غزة"، وأعرب عن القلق الشديد، إزاء التصعيد العسكري وما ينطوي عليه من "خروقات للقانون الدولي الإنساني ومن تداعيات اقتصادية واجتماعية وإنسانية، تعمق من معاناة الشعب الفلسطيني في القطاع على كافة المستويات".

ورأى التقرير أن التصعيد يأتي بعد سبع سنوات من حصار شبه كامل لـ 1.7 مليون فلسطيني "ويشكل بدوره عقوبة جماعية تحرمها القوانين والمعاهدات الدولية، بما في ذلك معاهدة جنيف الرابعة"، والتي أصدر مجلس الأمن 18 قراراً على الأقل، طالب فيها إسرائيل الالتزام بها.

وتحدث التقرير عن "الممارسات العنصرية واستخدام القوات الإسرائيلية للعنف المفرط وتدمير المنازل والعقوبات الجماعية"، وغيرها من الممارسات ضدّ الفلسطينيين، مشيراً إلى أن تلك الممارسات التي يقوم بها "عناصر من قوات الاحتلال بمن فيهم العسكريون والأمنيون والمستوطنون، لا تخضع لمساءلة أو محاسبة".

بدورها، أشارت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، "الأونروا"، في تقرير لها، إلى أن الحصار الإسرائيلي يترك أثراً مدمراً على المجتمع الفلسطيني في غزة، "لأن سبل الوصول إلى الأسواق وحركة الأشخاص من وإلى غزة لا تزال ممنوعة".

وأكدت الوكالة أن حصار غزّة أدى إلى تدمير الاقتصاد في القطاع بصورة واسعة "لدرجة أصبح فيها أغلب سكان غزّة يعتمدون على المساعدات الإنسانية من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية". وبحسب التقرير، فقد ارتفع عدد لاجئي غزة "الذين يعتمدون على (الأونروا) للحصول على المعونة الغذائية من 80 ألف شخص عام 2000 إلى 830 ألف شخص عام 2014"، وهي تطورات مخيفة ليس فقط على مستوى التغذية وحسب، بل على مستوى الوضع النفسي الناتج من الحصار، والاضطرار إلى الاعتماد على "الأونروا"، والبطالة والمشاكل النفسية التي يعيشها الكبار والصغار في القطاع، بسبب الحصار.

أما اللافت للانتباه على صعيد المساعدات الإنسانية، فهو النقص الحاد في الأموال "لصندوق الطوارئ" لقطاع غزة، إذ لم تتمكن "الأونروا" من سدّ عجز قدره 22 مليون دولار فقط، في ميزانيتها الخاصة بالطوارئ من أجل تأمين الغذاء (خبز وعلب سردين بالتعاون مع منظمة الغذاء)، والماء الصالح للشرب والرعاية الصحية الأساسية تحت ظروف الطوارئ الحالية.

كذلك أشار مدير عمليات "الأونروا" في غزة روبرت تيرنر، في أحد تقاريره الصادرة أخيراً تحت عنوان "ما التالي لغزة؟"، إلى أن "النازحين إلى مدارس ومؤسسات الأمم المتحدة عاشوا هذا النزوح والحروب ثلاث مرات منذ 2009، بل إن بعضهم عاد إلى اللجوء للغرفة نفسها التي لجأ إليها عام 2012".

وأوضح تيرنر أن قسماً كبيراً من مشاريع إعادة إعمار وترميم مدارس ومباني "الأونروا" بعد الحرب على غزة عام 2012، لم يُنجز لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى بالحصار وتصاريح الاحتلال.

ويعترف عدد من موظفي الأمم المتحدة على الأرض بأنّه بالنسبة إلى أهالي غزّة، فإنّ العودة إلى الهدوء تعني العودة إلى سنة ثامنة من الحصار، وهي العودة لأن يكون أكثر من نصف السكان، إما عاطلين من العمل أو موظفين بدون رواتب، وهي عودة للحبس في غزّة، الأمر الذي يتغافل عنه بان كي مون وقادة الدول المؤيدة لإسرائيل.

المساهمون