استمع إلى الملخص
- الحزب الديمقراطي منقسم حول مستقبل بايدن السياسي، بين معسكر يدعو لاستبداله لتجنب خطر عودة ترامب، وآخر يرى أخطاء المناظرة عارضة.
- بايدن أمام مأزق يتطلب قرارًا حاسمًا في ظل ضغوط داخلية وتراجع التبرعات، مع خشية الديمقراطيين من هزيمة كبيرة وتلميحات بالبحث عن بديل.
الأحد الماضي، كان الرئيس الأميركي جو بايدن في خلوة مع فريقه المختص بمنتجع كامب ديفيد، للاستعداد للمناظرة مع منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب. واليوم بعد أسبوع هو أيضا في خلوة لم تكن متوقعة في نفس المكان، لكن هذه المرة مع عائلته للتحضير لواحد من قرارين بعد أدائه السوبر- بائس في المناظرة، فهل تنبغي عليه الاستجابة لدعوات انسحابه والبدء في لملمة أوراق الانصراف، أم المعاندة والإصرار على لملمة ما يزعم أنه تبقى له من همّة وأوراق قوة للاستمرار؟ القرار مفصلي والمسؤولية كبيرة. بقاؤه في المعركة مجازفة كبيرة، خاصة إذا تكرر بؤس أدائه في المناظرة الثانية مطلع سبتمبر/أيلول القادم. وفي المقابل، مغادرته لا تخلو أيضاً من المجازفة في هذا الوقت المتأخر من الحملة الانتخابية.
الموضوع احتكر المشهد السياسي منذ لحظة نهاية المناظرة وما زال، وهكذا الجدل حوله. وفي تعامله مع هذا التطور الذي كان يخشاه الديمقراطيون، انقسم حزبه إلى معسكرين: النخب والمؤسسة السياسية. الأول تكاد تجمع أطرافه التي تضم استراتيجيين وخبراء انتخابات ومحللين وباحثين ووسائل إعلام وازنة، على ضرورة مغادرته فوراً والمجيء ببديل له، فالوقت لا يسمح بالانتظار طويلاً. ويطالب هذا الفريق بإطلاق حملة عاجلة وضاغطة لاستبداله، من باب أن ترشيحه أُصيب بعطب دائم لا يقوى صاحبه على معالجته بعدما جرى ربطه بعمره، فهو صار الآن مثل "إناء فخار مكسور". وبذلك ارتسمت صورة عجز غير قادر على تغييرها وبما يجعله غير قادر على استقطاب الأصوات الكافية للفوز. وقد أخذ هذا التفسير المزيد من الزخم في اليومين الأخيرين، حيث انضمت إليه وجوه بارزة ومؤثرة من خصوم الجمهوريين، وتجري على أساسه عملية استنفار على قاعدة أن استمرار بايدن يزيد من خطر عودة ترامب الذي يشكل "خطرا على الديمقراطية" الأميركية.
وعليه، لا بد من استباق الأمور في القريب العاجل قبل بلوغها نقطة الاستحالة، ويكون ذلك إما في غضون أيام أو أثناء انعقاد المؤتمر الوطني العام للحزب في منتصف أغسطس/آب القادم، لكن العجلة تبدو ضاغطة، كما تعكسه دعوة جيمس كارفيل، المرجع الانتخابي الاستراتيجي للحزب، بأن يلقي الرئيس بايدن كلمة بمناسبة العيد الوطني في 4 يوليو/تموز القادم، يعلن فيها عن تنحّيه عن الترشيح "فسحاً للمجال أمام الجيل الجديد ليتولى القيادة". واجتماع العائلة الاستثنائي اليوم في كامب ديفيد جرى ترتيبه على ضوء مثل هذه الردود والدعوات المستعجلة التي جاءت بلغة المطالبة وليس المناشدة. وزادها إلحاحاً أنها ترافقت مع معلومات وتسريبات عن شكوك و"إعادة نظر" في صفوف بعض كبار الممولين لحملة الرئيس الانتخابية، والتمويل عصب الحملة، فلو جرى انسلاخ قسم من هؤلاء عنه وواكب ذلك تضاؤل التبرعات في صفوف القاعدة المهددة بالمزيد من الانحسار، عندئذ تصاب الحملة بالشلل.
أما المعسكر الثاني، فجرى استنفاره أيضاً، حيث تولت رموزه اليوم الدفاع عن الرئيس من خلال تبسيط المسألة وتصويرها كغلطة عارضة ليست غريبة عن المناظرات من هذا النوع، خاصة وأن صاحبها "يملك مواصفات الرئاسة" ويشفع به تاريخ سياسي ورئاسي "حافل بالإنجازات"، كما يقول أنصاره في الكونغرس والذين توزع بعضهم اليوم (رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي والسيناتور كريس كونز) على شبكات التلفزة في محاولة لتقليل الخسائر وتهدئة المخاوف، لكنه بدا دفاع خارج السياق. إخفاق بايدن بهذه الصورة رسّخ القناعة بأن مسالة العمر تدعو للتخوف، وبالتالي فإن هذا الإخفاق لا بدّ وأن ينسحب على المتبقي من الحملة الانتخابية وبالمزيد من التدهور، وأرقام الاستطلاعات تعزز ذلك.
لكن الديمقراطيين إجمالاً هم أكثر المتخوفين، ويُنقل عن مجالسهم الخاصة كلام كثير من هذا القبيل، وخوفهم مزدوج. من جهة، يخشون مواصلة التمسك بالرئيس الذي قد يأخذهم إلى هزيمة تترتب عليها تبعات كبيرة، والبعض يقول "مخيفة". وفي ذات الوقت، هم غير مطمئنين لاستبداله الذي في كل حال، يواجه عقبة أخرى باستبعاد نائبته كامالا هاريس التي تعاني من فقر مزمن في رصيدها.
بايدن في مأزق كبير
الحزب الديمقراطي في أزمة صعبة والرئيس بايدن في مأزق كبير، والانطباع تعمم إلى حد بعيد بأنه لا يقوى على متابعة الحملة بصورة واعدة طيلة الأشهر الأربعة الباقية، ناهيك بالسنوات الأربع القادمة لو فاز. القرار بيده ولعائلته تأثير كبير في هذا المجال، وآخر المعلومات المتداولة أنها ما زالت تحثه على الاستمرار، مع تلميحات على أنه، أي الرئيس، ربما يكون قد تجاوز لغة الإصرار التي اعتمدها في ردوده الأولية على المطالبة بخروجه من السباق، وذلك ليس بمستبعد إذا توالت ضغوط النخب التي تلعب دور البوصلة للمرشح في انتخابات الرئاسة، والتحدي الأكبر للحزب ألا يبقى منقسما لفترة طويلة. ولاجتنابه، تقترح بعض الجهات الدخول في عملية مصارحة بين الفريقين بغية التوصل إلى مخرج ليبدو أنه أقرب إلى خيار البديل. وهكذا انتقل بايدن في غضون أيام من الحديث عن مسائل "اليوم التالي" لحرب غزة، إلى الانشغال بتداعيات "اليوم التالي" لأدائه الكارثي في المناظرة مع ترامب، والذي قد يتسبب بنهاية غير سارة لمسيرته السياسية التي امتدت حوالي نصف قرن.