منذ أن أطلق بنيامين نتنياهو، في معركته الانتخابية ضد شمعون بيريس عام 1996 عبر حركة "حاباد" الدينية اليهودية، شعار "نتنياهو طوف ليهوديم" (نتنياهو جيد لليهود) بما يحيل إلى أن بيريس جيد للعرب، ومعيار جيد لليهود هو المعيار الأساسي المعلن صراحة في السياسات الإسرائيلية الإقليمية والدولية، والمحلية انتخابياً.
وفيما يتفق الإسرائيليون، بيسارهم ويمينهم، على أن فترة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كانت جيدة لنتنياهو وإسرائيل، يبدو أن وحدة الحال بين ما هو جيد لنتنياهو هو جيد لإسرائيل ستنتهي مع فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية، والفصل بين هذا التزاوج بما قد يلحق ضرراً بنتنياهو من وجود بايدن في البيت الأبيض، من دون أن يعني ذلك أنه ينسحب على دولة الاحتلال نفسها.
نتنياهو سيجد معادلة للتعامل مع إدارة يقودها بايدن
ويكفي في هذا السياق الإشارة إلى تصريحات رئيس القسم السياسي والأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية زوهر فالتي، في مقابلة موسعة، نادرة من نوعها في وسائل الإعلام، رغم وجوده في منصبه منذ أربع سنوات. فقد حدد فالتي أن العلاقات الاستراتيجية والعلاقة الأمنية الحميمية بين إسرائيل والولايات المتحدة لا تتأثر بهوية من يجلس في البيت الأبيض، بما يؤكد عملياً بقاء الالتزام الأميركي بالأمن الإسرائيلي، وبالتفوق العسكري الإسرائيلي حتى بعد صفقات الأسلحة مع الإمارات.
مع ذلك، فإن القراءات المختلفة في إسرائيل لنتائج الانتخابات، حددت ملفين رئيسيين قد يحدث فيهما تغيير في الموقف الأميركي، الأول هو إيران، حتى في حال سعي الإدارة الجديدة إلى اتفاق جديد مع طهران، حيث تطلب إسرائيل تحسين شروط الاتفاق السابق بما يشمل الترسانة الصاروخية الإيرانية. والملف الثاني هو الفلسطيني، لجهة سعي الإدارة الجديدة لطرح خطتها الخاصة بها، ومحاولة العودة لحل الدولتين، من دون أن يعني ذلك نقل السفارة الإسرائيلية من القدس، خصوصاً أن بايدن كان قد صوّت في عام 1995 مع قرار نقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة.
وفيما رأى كثر، وبينهم عاموس هرئيل في "هآرتس"، وإيتمار أيخنر وناحوم برنيع في "يديعوت أحرونوت"، وحتى قادة المستوطنين، وعلى رأسهم رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية يوسى دغان، أن نتنياهو سيجد معادلة للتعامل مع إدارة جديدة، بقيادة بايدن، فإن ذلك لا يعني أن تكون العلاقة، وباعتراف إسرائيلي من كافة الأقطاب، بينهم أيضاً وزير الطاقة يوفال شطاينتس، على غرار ما كانت في عهد ترامب. لكن أيضاً لا يعني بالضرورة حالة من الصدام المتواصل، فبايدن ليس باراك أوباما ولا هو بيل كلينتون، بل تربطه علاقة جيدة مع نتنياهو، كما أنه ينتمي لجيل الديمقراطيين المحافظين في الحزب الديمقراطي، الذين يلتزمون بمبدأ إبقاء إسرائيل فوق الخلافات والقضايا الحزبية الأميركية.
قد يحدث بعهد بايدن تغيير أميركي في ملفي إيران وفلسطين
مع ذلك، وبالرغم من التوقعات بأن يعود بايدن لضخ الحياة من جديد في حل الدولتين، إلا أن إسرائيل تراهن، على ما يبدو، وهو ما يفهم أيضاً من تصريحات زوهر فالتي، على أن الإدارة الجديدة لن تملك بالضرورة الحافز الذي يجعلها تضع الملف الفلسطيني في مقدمة اهتماماتها، بل هو ملف مرشح للترحيل، أو وضعه على الرف، لحين الانتهاء من الملفات والقضايا الحارقة، وفي مقدمتها جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية، والشرخ في المجتمع الأميركي كما عكسته الانتخابات، والعلاقات الخارجية الأميركية، خصوصاً في مواجهة الصين وروسيا.
صحيح أن إسرائيل لن تتأثر كدولة، ولا أمنها الاستراتيجي، من التغيير في البيت الأبيض، لكن نتنياهو، وهذا ما أشارت له، سيما كدمون في "يديعوت أحرونوت"، سيتأثر من التغيير المقبل، فهو سيكون سيئاً لنتنياهو، لكنه جيد لإسرائيل. وبحسب عاموس هرئيل أيضاً سيفقد نتنياهو عملياً "الهالة" الدولية التي وفرتها له علاقته مع ترامب، لدرجة تحوله إلى حد ما لقناة الاتصال، لزعماء دوليين، من أوروبا (دول الكتلة الشرقية سابقاً) ودول عربية وأخرى في آسيا والطريق لقلب ترامب. وسيفقد نتنياهو بشكل مباشر تقريباً، مع استلام بايدن البيت الأبيض، الهدايا الانتخابية التي أسبغها عليه ترامب في ثلاث معارك انتخابية، بدءاً من الاعتراف بالقدس ومروراً بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، ونقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة، والإعلان أن المستوطنات ليست عقبة أمام عملية السلام.
في المقابل، يتوقع مراقبون أن إدارة جديدة، بقيادة بايدن، وإن كان الأخير لا يميل للصدام والمواجهة مع نتنياهو، إلا أن ذلك لن يعني بالضرورة عدم ممارسة ضغوط، لجهة وقف مخطط الدمج ووقف البناء في المستوطنات. وهذا الأمر قد يضع نتنياهو في حالة مواجهة دبلوماسية، قد تؤثر في قراراته لجهة الإبقاء على حكومة الوحدة الحالية بالشراكة مع بني غانتس، للاستفادة منها في مواجهة البيت الأبيض، من جهة، أو في حال قرر الاتجاه لانتخابات جديدة، التوجه لتصعيد ضد البيت الأبيض، وإعادة بناء وقوفه في مواجهة إدارة بايدن، على غرار سياسته في مواجهة إدارة أوباما، في ما يتعلق بلمف إيران، وإن كان قد خضع لضغوط أوباما فيما يتعلق بوقف البناء الجديد في المستوطنات.
ومع أنه من السابق لأوانه تحديد وجهة الإدارة الجديدة في حال فاز بايدن نهائياً بالرئاسة الأميركية، وتمكن من تجاوز حالة الشرخ القائمة في المجتمع الأميركي، فإن نتنياهو يميل إلى توظيف الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب، لتقييد أي تحرك أميركي ضد سياساته بشكل فعلي. وقد يضطر التلويح بهذا الخيار من قبل نتنياهو إدارة بايدن إلى تفضيل ترحيل الملف الفلسطيني، والاكتفاء بخطوات رمزية، مثل إعادة فتح ممثلية فلسطينية في واشنطن وإعادة تفعيل القنصلية الأميركية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة، كعربون صداقة وخطوات أولية توحي بتغيير قادم. في المقابل ستطلب الولايات المتحدة تنازلات فلسطينية، أقلها إعادة التنسيق الأمني الفلسطيني مع دولة الاحتلال، والعودة إلى مسار من الاتصالات والحوار تمهيداً لإحياء المسار التفاوضي مع الاحتلال، بموازاة ضخّ مساعدات أميركية للسلطة، بما يضمن بقاءها وتجنب سيناريوهات تفككها وانحلالها.