يسوء الوضع في تونس يوماً بعد يوم، اقتصادياً وسياسياً بالخصوص، تضيق المحاكم بالملاحقات وقضايا الرأي، ويتوسع الخوف كل يوم، بينما يسير الرئيس قيس سعيّد في طريقه إلى تثبيت حكمه غير عابئ بأحد. ولكن جمهور المدافعين عنه يتضاءل، إذ فشل في كل المحطات التي دعا إليها التونسيين منذ انقلابه على الدستور في يوليو/تموز 2021، وحتى من كان يتوقع ربحاً ما من هذا الانقلاب وصمتَ على الظلم، بدأ يعي حجم المأساة التي شارك فيها وإن كان بالصمت.
وبعد كل هذه الفترة، شرع بعض النخبة في تونس في طرح الأسئلة الحقيقية، أسئلة الديمقراطيّة والحرية، وليس أسئلة السياسة والأحزاب والحسابات التي شجعت الانقلاب على التمادي في مسيرته واستهداف المعارضين واحداً بعد الآخر.
والسبت الماضي، نظّمت جمعيات تونسية ندوة مهمة، كان عنوانها واضحاً ومباشراً "الاستبداد الناشئ: تناقض الخطاب والممارسة، وأزمة القوى الديمقراطيّة". ومن بين ما تضمّنته الورقة المقدمة للندوة أسئلة هامة، أهمها "كيف يمكن صياغة خطاب ديمقراطي واضح ومسموع، لا يُقصي الخصم ولا يُلغي الصراع، ولا يعزل الديمقراطية عن مضمونها الاقتصادي والاجتماعي؟ ما السبيل إلى فضح زيف معادلة الخبز أو الحرية؟". وحاولت الندوة ما قالت إنه إلقاء "حجر في المياه الراكدة... وتشخيص نظام الحكم وسياساته وفضح نفاقه، وكذلك مساءلة أنفسنا أمام المرآة. فإذا كان التخلي عن ممارسة حرياتنا إزاء سلطة الخوف أقصر طريق لفقدان ما تبقّى منها، فإن مجابهة هذا الاستبداد الناشئ ستبقى عقيمة، ما لم يصحبها جُهد فكري وتقييم نقدي ونقاش صريح".
تبدو الأسئلة صحيحة وموضوعية، وقد تشكّل فعلاً بداية صحوة ومساءلة لنخبة بقيت تتفرج على قتل ديمقراطيتها يوماً بعد يوم بسبب حسابات خاطئة، بيّنت الأيام زيفها وسذاجتها. ولكن يبقى السؤال الأهم متعلقاً بالعلاقة داخل المنظومة السياسية في تونس، وخصوصاً مع الإسلاميين، وينبغي طرح هذه الأسئلة بوضوح على الطاولة وحسمها نهائياً. ليس من شك في أن هناك مراجعات ضرورية على كل الأطراف أن تقوم بها سريعاً، ولكن عميقاً وبشكل ينهي الجدل في هذا الخصوص مرة واحدة، ويُفضي إلى تحديد أولويات الجميع بشكل لا لُبس فيه، وعلى رأسها حماية الديمقراطية وصندوق الانتخابات الشفاف، قبل كل شيء.
ما حدث من ارتباك ليلة 25 يوليو 2021 داخل المنظومة السياسية في تونس يدل بشكل واضح على عدم إدراك للأولويات، وقد يكون الوضع الحالي ونتائجه حرّكت هذا الوعي، فهل هي بداية صحوة في تونس أم هي مجرد لحظة عابرة؟