من المنتظر أن يبدأ البرلمان العراقي بمناقشة ما تحقق من برنامج حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وذلك بعد نحو 8 أشهر على تشكيلها. ويؤكد برلمانيون أن ملفات شائكة تتعلق ببرنامج الحكومة ستطرح في مجلس النواب وأبرزها مستقبل الوجود العسكري الأميركي في العراق، فضلاً عن قضايا أخرى مثل الأزمة المالية التي تضرب البلاد، والعلاقة بين بغداد وإقليم كردستان.
ويواجه الكاظمي سلسلة اتهامات بالتقصير والإخفاق في تنفيذ وعود عديدة وفقرات ببرنامجه الحكومي، لم يحقق أياً منها لغاية الآن.
ويتضمن جدول أعمال جلسة غد السبت، عرضاً لتقرير لجنة متابعة تنفيذ البرنامج الحكومي لمناقشة ما تحقق منه خلال الأشهر الماضية.
وأكد عضو في تحالف "الفتح"، بالبرلمان العراقي الذي يمثل الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي"، أنّ الحكومة مطالبة بتنفيذ ما وعدت به عند تشكيلها، وما تعهدت به خلال برنامجها الحكومي بشأن إخراج القوات الأجنبية، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن الكاظمي لم يفِ بأهم التعهدات التي قطعها بعد نيل حكومته ثقة البرلمان في مايو/ أيار الماضي والمتعلق بجدولة خروج القوات الأجنبية التزاماً بقرار سابق للبرلمان بهذا الشأن.
وبيّن النائب الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن نواب تحالفه يتهيأون لممارسة ضغوط برلمانية على الحكومة من أجل دفعها باتجاه العمل بجدية لحسم ملف الوجود الأجنبي وخصوصاً الأميركي في العراق، مشيراً إلى أن "الحكومة لم تخفق في هذا الملف وحده، بل إنها لم تتمكن من معالجة أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية أخرى ضربت البلاد خلال الأشهر الأخيرة".
وكان البرلمان العراقي قد صوّت، مطلع العام الحالي، على قرار يلزم الحكومة بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، على خلفية اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس "هيئة الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس بضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي.
وطلب عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كاطع الركابي من حكومة الكاظمي، توضيح موقفها من الوجود الأميركي داخل البلاد، معتبراً، في إيجاز صحافي، أنّ صمت الحكومة يثير الاستغراب إزاء استمرار وجود هذه القوات.
وأشار إلى وجود "صمت مستغرب من قبل الحكومة بشأن قرار البرلمان إخراج القوات الأجنبية من العراق، على الرغم من المناقشات داخل لجنة الأمن والدفاع"، لافتاً إلى أن "صمت الحكومة بحاجة إلى توضيح، من أجل إطلاع الجميع على ما تم اتخاذه بشأن القوات الأجنبية وتحديداً الأميركية في العراق".
وتضمّن البرنامج الحكومي لحكومة الكاظمي تعهداً بتنفيذ قرار البرلمان السابق، القاضي بإنهاء تواجد أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية وفقاً لجداول زمنية واضحة ومحددة تقترن بموافقة مجلس النواب.
ومطلع الشهر الحالي، دعا رئيس لجنة متابعة تنفيذ البرنامج الحكومي حازم الخالدي رئيس الحكومة إلى احترام قرار البرلمان في ما يتعلق بموضوع السيادة، رافضاً بشكل قاطع بقاء أي قوة أجنبية دون موافقة الحكومة والبرلمان.
وأكد عضو البرلمان عن تحالف "سائرون"، أمجد العقابي، وجود مطالبات حقيقية لإخراج القوات الأجنبية، نتيجة لوجود قرار برلماني بهذا الشأن، مبيناً في حديث لـ "العربي الجديد" أن الحكومة مطالبة بالالتزام بذلك.
وأوضح أن إخراج القوات الأميركية كان من بين الالتزامات التي قدمها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، متوقعاً أن يؤدي انسحابها إلى بسط الأمن والاستقرار.
وأضاف أنّ الانسحاب الأميركي يصب في صالح العراق، موضحاً أن الهجمات التي تعرضت لها مواقع توجد فيها مصالح أميركية بالعراق كانت بسبب الوجود العسكري. وتابع: "لو كانت السفارة الأميركية في العراق موجودة لغرض الخدمات لما تعرضت للاستهداف"، مبيناً أن القوات العراقية لديها الاستعداد لمسك زمام الأمور.
ولم يعارض العقابي إبرام اتفاقيات جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية في مختلف المجالات، في حال انسحاب القوات الأميركية من البلاد.
من جهته أشار عضو البرلمان جمال كوجر إلى وجود أطراف خارجية تدفع العراقيين للمطالبة بإخراج القوات الأميركية من البلاد، متسائلاً "هل استغنينا بشكل كلي عن الوجود الأميركي في العراق؟".
ورأى أن الواقع يشير إلى وجود حاجة لوجود القوات الأميركية، وخصوصاً في ما يتعلق بالخبراء والمدربين والغطاء الجوي، لكنه شدد في حديث لـ "العربي الجديد"، على ضرورة التمييز بين القوات التي تجري المطالبة بإخراجها.
يواجه الكاظمي سلسلة اتهامات بالتقصير والاخفاق في تنفيذ وعود عديدة وفقرات ببرنامجه الحكومي، لم يحقق أياً منها لغاية الآن
وتابع: "في الواقع، نحتاج إلى الخبراء والمدربين والغطاء الجوي، وبالتالي علينا أن نقرر إلى أي من هذه القوات نحتاج، وهل نحن في غنى عن القوات الأميركية بالكامل"، مؤكداً وجود حاجة لهذه القوات، وأن السفارة الأميركية في العراق هي إحدى أكبر السفارات في المنطقة.
ولفت إلى أن "الوجود الأميركي مهم جداً، وتوجد الكثير من دول العالم التي تطلب أن يكون لأميركا وجود فيها كجزء من إجراءات الحماية"، معتبراً أن خروج القوات الأميركية من العراق دون رغبة واشنطن "ستكون له تداعيات كبيرة ومتعددة لا تحمد عقباها".
واستبعد كوجر قيام الولايات المتحدة الأميركية بسحب جميع قواتها من العراق بسبب استمرار الوجود الأميركي في المنطقة، موضحاً أن المصلحة الأميركية تحتم استمرار التواجد في العراق. وتابع: "ستبقى هناك قوات أميركية باسم المدربين والدعم الجوي"، متوقعاً عادة انتشارها بعيداً عن حساسية بعض الأطراف منها.
وأكد مسؤول حكومي بارز لـ "العربي الجديد"، أن الحكومة لم تخالف برنامجها الحكومي بشأن الوجود الأميركي في العراق، بدليل دخولها في حوار استراتيجي واسع مع واشنطن في يونيو/ حزيران الماضي، مبيناً أن استئناف الحوار تأخر بسبب الانتخابات الأميركية والتغيير الرئاسي الذي حدث هناك بمجيء جو بايدن لرئاسة أميركا بدلاً عن دونالد ترامب.
وأوضح أن الوجود الأميركي في العراق لا يُعدّ احتلالاً كما يحلو للبعض أن يسميه لأنه جاء ضمن إطار جهود التحالف الدولي الذي تتزعمه واشنطن لقتال تنظيم "داعش" الإرهابي، والذي كان له دور بارز في هزيمة التنظيم، ولا يزال طيران التحالف ينفذ ضربات جوية ضد بقايا "داعش" في مناطق متفرقة من البلاد.