لم تدم جلسة مجلس النواب اللبناني، اليوم الجمعة، أكثر من عشرِ دقائق تُلِيَت فيها رسالة رئيس الجمهورية، ميشال عون، حول التأخير في تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، قبل أن يدعو رئيس البرلمان، نبيه بري، لمناقشة الرسالة خلال جلسة يوم غد السبت.
ورفع بري جلسة المجلس بعد تلاوة رسالة عون في سيناريو كان متوقعاً، في ظل محاولات الأخير تهدئة التوتر القائم على خطِّ عون والحريري الذي يحضّر كلمة ردّ وُصِفَت بـ"النارية"، علماً أنّ أجواءً متقلّبة جداً سبقت موعد الجلسة.
وبدأت تلك الأجواء بإشاعة أنباء بأن الموضوع سيقتصر على تلاوة الرسالة فقط وتحديد جلسة لاحقة لمناقشتها، ومن ثم انتشرت تسريبات في اللحظات الأخيرة بأن بري سيعطي المجال لمناقشة الرسالة بناءً على طلب الحريري الذي قدِمَ من الخارج، للمشاركة في الجلسة وإلقاء كلمة الردّ التي حضّرها، وكذلك تلبيةً لرغبة صهر عون، رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الرد بـ"المثل" بعدما حضّر هو الآخر مداخلته.
وأجمع النواب لدى خروجهم من الجلسة التي عقدت في قصر الأونيسكو في بيروت، على كون السبب الأساسي وراء التأجيل يتمثّل في وجود إرادة لدى الرئيس بري بـ"تهدئة النفوس"، و"تخفيف التوترات".
وأكد مصدر مقرب من بري لـ"العربي الجديد" أن رئيس البرلمان الذي التقى الحريري قبيل الجلسة يريد استكمال الاتصالات والمشاورات خلال فترة الأربع وعشرين ساعة المتبقية، لمنع تحويل مجلس النواب إلى حلبة مواجهة بين رئيس الحكومة المكلف وباسيل، خصوصاً أنهما حضّرا نفسيهما جيداً لرفع سقف كلمتَيْهما، وحرص كلّ منهما اليوم على تجنّب الآخر وعدم إلقاء أي تحية على بعض.
وأشار النائب إبراهيم كنعان (ينتمي إلى التيار الوطني الحر) بعد الجلسة إلى أن "هدف رسالة الرئيس عون تحريك وضع الحكومة المأزوم لإخراج البلاد من حال انعدام الوزن، وهذا أهم ما يجب أن تخلصَ إليه المناقشات النيابية غداً".
وقال مصدرٌ في "تيار المستقبل" لـ"العربي الجديد" إنّ الحريري يعتزم الرد على رسالة الرئيس اللبناني بالوقائع والحقائق، وسيكشف كل الأوراق التي بين يديه ليضعها أمام الرأي العام، وإظهار المعرقلين الأساسيين الذين يؤخرون تشكيل الحكومة، ويلقون المسؤولية على الأفرقاء الآخرين.
المصدر ذاته، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أشار إلى أنّ عون بعدما خسر كل أوراقه، وعجز عن إخضاع الحريري لشروطه وإعطائه الثلث المعطل، لجأ إلى الرسالة التي هي حق دستوري له، مضيفا أنها سرعان ما ارتدّت عليه بردود فعل استنكرت خطوته التي تزيد من التشنجات والتجاذبات السياسية في مرحلة تتطلب التهدئة والحوار البنّاء والتلاقي، خصوصاً أنه يطلب من المجلس اتخاذ قرار أو إجراء، بينما لا صلاحية للنواب بسحب التكليف من الحريري.
وطلب عون من مجلس النواب مناقشة رسالته واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب بشأنها، وقد شدّد خلالها على أن مفاعيل التأخير السلبية لتشكيل الحكومة انسحبت على الاستقرار السياسي والأمان الصحي والاجتماعي والاقتصادي والمالي والخدماتي العام، وحالت دون معالجة الملفات الحساسة، وأكدت أنه "لا يجوز أن تبقى أسباب التأخير موضع تكهّن أو اجتهاد، ولا أن تأسر التأليف إلى أفقٍ غير محددٍ".
وقال الرئيس اللبناني في رسالته إنه أصبح من الثابت أن الرئيس المكلف لا يزال يأسر التأليف، متجاهلاً كل مهلة معقولة لتأليف حكومة قادرة على الإنقاذ، والتواصل المجدي مع مؤسسات المال الأجنبية والصناديق الدولية والدول المانحة، مشيراً إلى أنه لا محال من التقيد بالنهج الواجب والمعهود في تأليف الحكومات الذي يرتكز على عدالة توزيع الحقائب بين الكتل البرلمانية المشاركة، ويحاكي التمثيل الشعبي.
ولفتت رسالة رئيس الجمهورية إلى أن "تشكيل الحكومة ممكن إذا ما تخلى الرئيس الحريري عن مقولة إنه هو من يشكل، وإن الرئيس عون يصدر المرسوم"، متهمةً الحريري بانقطاعه عن إجراء الاستشارات النيابية، وعن التشاور المستمرّ والواجب مع رئيس الجمهورية.
ويؤكد خبراء قانونيون أن رسالة عون دستورية في الشكل، وله حق مراسلة رئيس البرلمان عند الاقتضاء الذي بدوره يجب أن يدعو مجلس النواب إلى الانعقاد خلال 3 أيام لتلاوة الرسالة ومن ثم مناقشتها، ولكن في المقابل يشددون على أن الرئيس المكلف لم يقيّده الدستور بأي مهلة للتأليف وإلا الاعتذار.
ويضيف هؤلاء أنه لا يحق للمجلس أن يقرّر سحب التكليف منه أو إجباره على الانسحاب وبيده فقط الاعتذار عن مهمة تشكيل الحكومة، وكل ما يمكن لمجلس النواب فعله إصدار توصية تحث الطرفين المعنيين بالتشكيل سريعاً، والتوقف عن إهدار وقت لا يصب في صالح لبنان، ما يجعل من رسالة عون سياسية وفي إطار المواجهة المستمرّة.