يعد بشير صالح بشير (75 عاماً) الذي تقدّم بأوراق اعتماده للترشح للانتخابات الرئاسية الليبية أحد أعمدة نظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي منذ انقلابه العسكري عام 1969، إذ كان من الخلايا المدنية التي تشكلت مبكراً في الجنوب الليبي للتخطيط للانقلاب، إذ عرف بقربه من القذافي مبكراً، بحكم الزمالة بينهما في سبها جنوب البلاد.
ورغم ملازمته الطويلة لرفيقه القديم القذافي في كل حقب وتحولات مرحلة حكمه، إلا أن عدم حضوره الإعلامي وظهوره إلى جانبه يؤكد وصف التقارير الإعلامية له بـ"الرجل الغامض"، فكل ما يُعرف عنه قبل ثورة فبراير/ شباط عام 2011 أنه شغل منصب محافظة فزان عام 1974 عدة أعوام، قبل أن ينخرط في حملة أطلقها القذافي لتحويل السفارات الليبية في الخارج إلى مكاتب شعبية نهاية سبعينيات القرن الماضي.
وبرز اسم صالح كأحد أهم الزاحفين على السفارات الليبية في دول أفريقيا، حيث تولّى خلال عقد الثمانينيات منصب سفير ليبيا لدى تنزانيا، وكان عين القذافي على أفريقيا.
وفي عام 1990 كُلف بمنصب أمين العلاقات الخارجية بمؤتمر الشعب العام (البرلمان)، فيما شغل منصب رئيس جهاز المراسم العامة (1994 - 1998)، كما تولى إدارة مكتب القذافي الخاص عام 1998، ليظهر بعدها في العديد من المناسبات والزيارات بجانب القذافي خلال زيارته إلى أفريقيا وخلال تأسيس الاتحاد الأفريقي.
وكان صالح الرجل الأمين على توجه القذافي نحو أفريقيا، إذ أدار محفظة أفريقيا للاستثمار التي كانت الذارع المالية لسياسيات القذافي في تلك القارة الأفريقية.
وبحكم عمله في عديد من الدول الأفريقية، ربط صالح علاقات دبلوماسية وطيدة مع فرنسا، وشكّل حلقة الوصل بين القذافي والإليزيه لسنوات، حتى إن شهادته اعتبرت من أهم الشهادات في التحقيقات التي أجريت حول حملة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عام 2007، وأسرار تمويلها من قبل القذافي.
وحتى الآن لا تزال شخصية صالح يحوم حولها الغموض وتكتنفها الكثير من الأسئلة، خصوصاً في علاقته مع فرنسا التي استقبلته بشكل رسمي، وكانت الواسطة في إخراجه من ليبيا إثر القبض عليه في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، من قبل ثوار "كتيبة ثوار طرابلس".
واعترف ساركوزي في أحد تصريحاته في إبريل/ نيسان 2012 أن ترحيل صالح من ليبيا "تم بالتوافق التام مع رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل"، مشيراً إلى أنه موجود في فرنسا. فيما فرّ من هناك عقب تصريحات ساركوزي بشهرين تقريباً صوب جنوب أفريقيا، إذ أصدرت شرطة "الإنتربول" بطاقة لاعتقاله بناء على طلب من ليبيا للتحقيق معه بشبه اختلاس أموال الدولة.
وأقام صالح في عزلة يلفها الغموض طيلة سنوات بين أكثر من عاصمة أفريقية حتى ظهر مجدداً عبر وسائل الإعلام، إثر تعرضه لمحاولة اغتيال في جوهانسبرغ في مارس/ آذار 2018، إلا أن شرطة جنوب أفريقيا أكدت أن الحادث لم يكن إلا محاولة سرقة عادية، الأمر الذي لم يقنع المتابعين للحدث، خاصة أن جنوب أفريقيا تعد أحد مراكز إدارة محفظة أفريقيا للاستثمار التي تدير أصولاً واستثمارات تقدّر بمليارات الدولارات.
ولفتت تحركات صالح في جنوب أفريقيا أنظار الأمم المتحدة التي أصدرت قرارات بتجميد أموال ليبيا في الخارج، إذ زار فريق خبراء تابع للأمم المتحدة جنوب أفريقيا عدة مرات بهدف البحث عن أدلة حول أحد كنوز القذافي المخبأة في جوهانسبرغ وتقدر بمليار دولار، إضافة إلى كميات من الذهب والأحجار الكريمة.
وبحسب تقرير خبراء الأمم المتحدة لعام 2017 فقد جرت محاولات استخدام تلك الأصول المخفية لدفع ثمن صفقة أسلحة لصالح شركة "دنيل" للأسلحة في جنوب أفريقيا، كاشفة النقاب عن أن تلك الأسلحة تتضمّن 150 طائرة "هليوكبتر" و180 سيارة من طراز "كاسبير" ضد الألغام، و450 مركبة مدرعة.
وعلى الرغم من أن التقرير أشار الى تورط شخصية ليبية (لم يسمها) في محاولة الاستفادة من تلك الأصول، إلا أن الكثير من التقارير الإعلامية اعتبرت أن الحديث يدور حول صالح بحكم إدارته أصول محفظة أفريقيا للاستثمار، إضافة إلى معرفته بأسرارها، عدا عن وجوده في جنوب أفريقيا.
وبقيت أسرار تلك الصفة ولصالح من كانت ستورد تلك الأسلحة طي المجهول.
وفي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مرئية تُظهر لحظة وصول بشير صالح على متن طائرة خاصة إلى مطار سبها جنوب البلاد، في وقت شكك فيه الكثير من المتابعين في صحة تلك المقاطع واعتبروا أنها قديمة.