كشف مسؤول أمني عراقي، أمس الإثنين، لـ"العربي الجديد"، عن رفض بلاده طلبات جديدة تقدّمت بها دولتان أوروبيتان لنقل عناصر تنظيم "داعش"، من مواطنيهما الموجودين في سجون "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في الجانب السوري ضمن محافظة الحسكة، إلى العراق، ومحاكمتهم وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب العراقي النافذ في البلاد، مؤكداً في الوقت نفسه عدم وجود تغيير في خطة السلطات الحكومية استقبال عراقيي مخيم الهول بعد إنشاء مخيمات خاصة لهم بعيداً عن مراكز المدن ومؤمنة بشكل مناسب، وتهيئة برنامج للتعامل معهم وإعادة تأهيل الأطفال والنساء بالتعاون مع الأمم المتحدة.
ويُعتبر الرد العراقي الجديد هو الثاني من نوعه منذ عام 2019 حول الموضوع نفسه، إذ سبق أن تقدّمت دول غربية عدة بطلبات للعراق لاستقبال معتقلي تنظيم "داعش"، من جنسيات تلك الدول، ومحاكمتهم لديه وفقاً للقوانين العراقية النافذة، وقدّمت لبغداد خلال ذلك عروضاً بمنح مالية حتى تتمكّن من بناء سجون محصنة وإطلاق برامج تأهيل. وأصدرت وزارة الخارجية العراقية في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2019 إبان حكومة عادل عبد المهدي، بياناً قالت فيه إن "العراق معني بتسلم الإرهابيين الدواعش الذين يحملون الجنسية العراقية وعوائلهم، وسيُحاكَمون في المحاكم العراقـية وفق القوانين النافذة"، مؤكدة أن "العراق غير معني بالإرهابيين الأجانب الذين قاموا بعمليات إرهابية خارج العراق، وعلى دولهم أن تتكفل بهم".
طلبت دولتان أوروبيتان من العراق في الأسابيع الماضية استقبال نحو 80 إرهابياً من تنظيم "داعش"
وقال مسؤول في مستشارية الأمن الوطني في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن بلاده "رفضت طلبات تقدّمت بها دولتان أوروبيتان في الأسابيع الماضية لاستقبال نحو 80 إرهابياً من تنظيم داعش، يحملون جنسيتي الدولتين، موجودين في سجون قوات سورية الديمقراطية (قسد)". وأضاف أن "دولة ثالثة سبق لها أن قدّمت طلباً بواسطة سفيرها في بغداد، لاستقبال مواطنيها المتورطين بالإرهاب ومحاكمتهم منتصف شباط الماضي، لكن العراق يعتبر أنه غير معني بالملف، وقد يتسبّب بمشاكل أمنية خطيرة له، كما أن هناك اعتراضات سياسية وحتى شعبية على هذه الخطوة". ووصف المشكلة بأنها أكبر من قدرة العراق على حلها، لكن في الوقت نفسه فإن إجراءات تسلّم إرهابيي "داعش" من الجنسية العراقية مستمرة، خصوصاً من تورطوا بجرائم داخل العراق، كما أن عملية بناء معسكرات بعيدة عن مراكز المدن شمال وغرب العراق لاستقبال العراقيين من سكان مخيم الهول السوري مستمرة وبعلم بعثة الأمم المتحدة والتحالف الدولي اللذين ينسقان في هذا الإطار، ويلتزم العراق باستقبال مواطنيه فقط.
في السياق ذاته، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي مختار الموسوي، إن "العراق رد في الأيام القليلة الماضية بالرفض على طلب نقل معتقلي داعش الأجانب إلى سجونه ومحاكمتهم"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أن "الحكومة تتعرض منذ أسابيع لضغوط تمارسها دول أوروبية إلى جانب واشنطن من أجل إقناعها باستقبال دواعش موجودين في سورية عند قسد كون هذه الدول تعتبر وجودهم حالياً في معتقلات قسد غير آمن"، مبيناً أن القوى السياسية سبق أن أبلغت رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أنه "لا مكان لهم بالعراق، والمشكلة ليست عراقية ولا يمكننا مساعدتهم في حلها".
ولفت إلى أن "هناك اعتراضات سياسية حتى في ما يتعلق بنقل عوائل عناصر داعش العراقيين من مخيم الهول إلى داخل العراق كونها باتت مدارس لإنتاج الإرهابيين وتمثل خطراً، ويمكن أن تكون مصدر ابتزاز جديد من قِبل واشنطن وجهات أخرى للعراق".
دول غربية عدة تخشى عودة مواطنيها المتورطين مع "داعش" والمعتقلين حالياً في سورية
الخبير في الشأن الأمني العراقي أحمد الشريفي، المتابع لهذا الملف، قال لـ"العربي الجديد" إن "دولاً غربية عدة تخشى عودة مواطنيها المتورطين مع تنظيم داعش والمعتقلين حالياً في سورية لأسباب عدة، بينها أن القوانين المعمول بها في تلك الدول لا تتناسب مع خطورة وحالة الإرهابيين، وأخرى كونها تخشى من خطورة هؤلاء على وضعها الأمني عموماً، خصوصاً أن هؤلاء لديهم قدرة على التواصل مع بعض الأفراد المتشددين وهم في داخل السجون، ولهذا هي ترفض وتسعى لإيجاد حل من خلال العراق".
واعتبر أن "رفض بغداد الجديد للضغوط في هذا الإطار صحيح، ففي حال الموافقة سيتحوّل العراق إلى سجن ضخم يؤوي آلاف الإرهابيين الخطرين، وهو ما يمثّل تهديداً أمنياً للبلاد في كل الأحوال، وهؤلاء يمكن أن يشكّلوا خطورة حتى وإن كانوا في السجون، فهناك طرق للتواصل مع الخلايا النائمة عبر طرق كثيرة".
وتعليقاً على الموضوع، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي نايف الشمري، لـ"العربي الجديد"، إن "دولاً عدة تريد تحويل العراق إلى سجن كبير لمسلحي داعش، وللعام الرابع ترفض تسلّم مواطنيها الإرهابيين الموجودين في سجون قسد غير المؤمنة أساساً وعلى مقربة من حدودنا مع سورية". وأضاف الشمري أن الحكومة العراقية ردت أخيراً على عدة طلبات بهذا الخصوص بالرفض لاعتبارات أمنية وأخرى سياسية وحتى اعتبارية في القبول بأن يكون العراق سجناً مركزياً للإرهابيين من مختلف دول العالم".