دفعت التهديدات المتفاقمة للمسلحين المرتبطين بتنظيمي "القاعدة" و"داعش" في الغرب الأفريقي، وفي موازاة الانسحاب الفرنسي العسكري من مالي، دولة بنين إلى بدء مشاورات إقليمية مع دول أفريقية عدة.
وإذا كان مفهوماً إجراء مسؤولي بنين مباحثات مع نظرائهم في النيجر وبوركينا فاسو، بسبب الحدود الجغرافية المشتركة، فإن طلبهم التعاون مع رواندا كان لافتاً، لوقوع الأخيرة في المقلب الشرقي من القارة الأفريقية، وتبعد نسبياً عن ساحة الصراع في غربها.
تعاني بنين ضعفاً في بنيتها الأمنية
والسبت الماضي، كشف المتحدث باسم حكومة بنين، ويلفريد لياندر أونغبيدجي، أن "رواندا قد تقدّم دعماً لوجستياً لمساعدة بنين في مواجهة تمرد متفاقم، يهدد أجزاءً من منطقة غرب أفريقيا". ونقلت عنه وكالة "رويترز" قوله: "إن المحادثات مع رواندا جارية حول المساعدة المحتملة، التي لن تشمل نشر أي قوات رواندية في بنين".
وأضاف أونغبيدجي: "كما هو الحال مع النيجر وبوركينا فاسو، نجري مناقشات مع رواندا حول الدعم اللوجستي وتوفير الخبرة". ومع أن المتحدث باسم الجيش الرواندي، رونالد رويفانغا، رفض التعليق على ما أسماه "التعاون الدفاعي الراهن" بين بلاده وبنين، إلا أن موقع "تاريفا" الرواندي، ذكر أول من أمس الاثنين، أنّ الجيش ينتظر الأوامر من السلطات العليا، للانتقال إلى شمال بنين، على الحدود مع النيجر وبوركينا فاسو، ومقاتلة التنظيمات المسلحة.
ونقل الموقع عن موقع "أفريكا أنتليجنس"، ومقره فرنسا، كشفه الجمعة الماضي، أن رواندا قد تُرسل 700 جندي إلى بنين، مضيفاً أن "الدفعات الأولى من الجنود ستصل في أكتوبر/تشرين الأول المقبل". ولفت موقع "أفريكا أنتليجنس" إلى أن "قلّة من الزعماء الإقليميين أُعلموا بهذه التطورات".
"الخبرة الرواندية"
ومفهوم الاستعانة بـ"الخبرة الرواندية"، مرتبط أساساً بنجاح القوات الرواندية في مواجهة الجهاديين في موزامبيق، المطلة على المحيط الهندي. وسُجّل في أغسطس/آب 2021، استعادة القوات الرواندية، الداعمة لجيش موزامبيق، ميناء موسيمبوا دا برايا، من "داعش".
كذلك فإن الجيش الرواندي يقاتل على الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، مجموعات تابعة لـ"داعش". وقد يكون نجاح هذا الجيش في معاركه حتى الآن، هو الدافع الأساسي لبنين لطلب الاستعانة به. وتشهد بنين، إلى جانب دولتي توغو وساحل العاج في خليج غينيا، هجمات متزايدة من متشددين مرتبطين بـ"القاعدة" و"داعش"، مع تصاعد للعنف جنوباً من دول الساحل: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وحول موضوع بنين تحديداً، جاء في تقرير لمؤسسة "كونراد أديناور" الألمانية، نُشر في 1 يوليو/تموز 2021 العام الماضي، بعنوان "شمال دول خليج غينيا: الجبهة الجديدة للمجموعات الجهادية؟"، فصل مخصص عن الدولة البالغة مساحتها 114,763 كيلومتراً مربعاً، ولا يبلغ عديد جيشها أكثر من 11 ألف جندي.
"أفريكا أنتليجنس": رواندا ستُرسل 700 جندي إلى بنين
وجاء في التقرير أن "الوضع في شرق بوركينا فاسو يشكّل تهديداً مباشراً لبنين"، مشيراً إلى أن "الحدود بين البلدين (بطول 306 كيلومترات) خارجة عن سيطرة السلطات البنينية، كذلك فإن المجموعات الجهادية تحتل كل الغابات من شرق بنين إلى غربها".
وحول ما إذا كانت هذه البقعة الجغرافية ستتحول إلى جبهة جديدة، نقل التقرير عن مصدر في بنين تأكيده أن "السؤال لا يتعلق بما إذا كانوا سيأتون، بل متى". واستبعد المصدر في حينه نية المسلحين بـ"إعلان الجهاد في بنين"، بل ربطه بدفع الفرنسيين، وجيشي النيجر وبوركينا فاسو، المسلحين إلى بنين.
وتطرق التقرير إلى "كتيبة عثمان دان فوديو"، الموالية لتنظيم "داعش في الصحراء الكبرى"، تضمّ نحو 40 عنصراً ويقودها شخص من بنين معروف باسم "عبد الله". وعبد الله غادر البلاد إلى مالي في عام 2012، منضماً إلى "حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا".
ومع أن بنين كانت بعيدة نسبياً عن ساحات القتال، إلا أنه في 1 مايو/أيار 2019، اختُطف سائحان فرنسيان مع دليلهما السياحي البنيني في متنزه بندجاري. قُتل الدليل وحرّر الجيش الفرنسي السائحين، خلال محاولته إنقاذ سائحين آخرين (كوري جنوبي وأميركي).
ولم يتفق المحللون على ما إذا كانت عملية الخطف من تدبير الجهاديين، لأن البعض رأى أنّ عصابات خطف قد تكون خلف العملية، من أجل "بيع" السياح للمسلحين.
حادثة لافتة مع حراس المتنزهات
أما الحادثة التي هزّت بنين، فوقعت في 9 يونيو/حزيران 2020، حين كان فريق من "حراس المتنزهات الأفريقية" يجول على الغابات، فوجد 12 رجلاً مدججين بالأسلحة، ويقودون 6 دراجات نارية، ومعهم أجهزة راديو و"توكي ووكي".
وبحسب شهادة فريق الحراس، فقد كان هؤلاء يتحدثون اللغة العربية، وواحد منهم فقط يتحدث بالفرنسية. وذكر التقرير أن حواراً جرى بين المسلحين والحراس، الذين أفادوا بأن المجموعة المسلحة شددت على "عدم وجود شيء ضد بنين"، وأنهم "يعبرون البلاد إلى مكان آخر". ولاحقاً، ذكرت السلطات أن بعض أفراد هذه المجموعة قُتل في نيجيريا، لكن الحادثة أظهرت مدى هشاشة الأمن في بنين.
بعدها، وفق تقرير "مؤسسة كونراد أديناور"، تتالت الأنباء عن عبور مجموعات مسلحة بنين باتجاه بوركينا فاسو، آتين من نيجيريا. واللافت أن شبكة الهواتف في بنين لا تصل إلى جميع المواطنين، ما يُصعب إخطار السلطات بمرور المجموعات المسلّحة، في ظلّ النقص في العناصر الأمنية في تلك المناطق.
وفي 14 فبراير/شباط 2021، دخل مسلحون فندق "بوينت تريبل" على الحدود بين بنين والنيجر وبوركينا فاسو، ونهبوه قبل مغادرته. وسارعت قوات بنين إلى التمركز خارج الفندق، غير أنه بعد ثلاثة أيام، هاجم المسلحون الفندق والجيش معاً. وأظهر هذا التطور، وفق التقرير، أن الدول المعنية بالصراع ضد المسلحين، باتت مقتنعة بأنها ستتعرّض لهجماتهم.
وفي السياق، نوقش مفهوم شنّ عمليات وقائية، انطلاقاً من "مبادرة أكرا"، نسبة إلى عاصمة غانا، بهدف الحدّ من إنشاء المجموعات المسلحة قواعد لها. والمبادرة المذكورة، أطلقت في سبتمبر/أيلول 2017، من قبل بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغانا وتوغو "استجابة لمشكلة تزايد انعدام الأمن المرتبط بالتطرف العنيف في المنطقة". وتهدف إلى "منع انتشار الإرهاب في منطقة الساحل والتصدي للجريمة المنظمة". وانضمت مالي والنيجر كمراقبَين إلى المبادرة.
(العربي الجديد، رويترز)