استمع إلى الملخص
- المحادثات بين بوتين وكيم جونغ أون تغطي "القضايا الأكثر أهمية وحساسية"، بمشاركة وفد رفيع المستوى يعكس أهمية الملفات العسكرية والتقنية، مع توقع توقيع وثائق هامة.
- الزيارة تعكس تقارب موسكو وبيونغ يانغ في ظل التحديات الجيوسياسية، مع سعي روسيا لدعم كوريا الشمالية ضد العقوبات الدولية وتأكيد بوتين على أهمية الشراكة بناءً على التكافؤ والاحترام المتبادل.
وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية، الثلاثاء، في مستهل زيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الدفاعية بين الدولتين المسلّحَتين نووياً. وقبيل وصول بوتين، عُلّقت لافتات ضخمة على أعمدة إنارة في أنحاء بيونغ يانغ تحمل صورة الرئيس الروسي مبتسماً، وكتب عليها "ترحيب حار بالرئيس بوتين"، بالإضافة إلى أعلام روسية، وفق ما أظهرت مشاهد نقلتها "فرانس برس" عن وسائل إعلام روسية رسمية.
وعشية الزيارة، أصدر بوتين أمراً رئاسياً قال فيه إن موسكو تتطلع إلى توقيع "معاهدة شراكة استراتيجية شاملة" مع كوريا الشمالية. فيما أوضح مساعده في مجال السياسة الخارجية يوري أوشاكوف أن المعاهدة ستشمل التعاون الأمني، بحسب "رويترز". وتستمر زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية حتى يوم غد الأربعاء، وهي الأولى من نوعها منذ عام 2000. وستجري المراسم الرسمية لاستقبال الوفد الروسي والتوجه إلى مقر زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، يوم غد الأربعاء، على أن تجري المحادثات الروسية الكورية الشمالية في الإطارين الضيق والموسع.
وأوضح أوشاكوف، في تصريحات صحافية، أمس الاثنين، أن القضايا "الأكثر أهمية وحساسية" سيتم تداولها في إطار غير رسمي أثناء جولة في المقر وخلال "تناول الشاي". ويضم الوفد الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف، والنائب الأول لرئيس الوزراء دينيس مانتوروف، ونائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، ووزير الدفاع أندريه بيلاوسوف، ونائبه المعني بشؤون شراء الأسلحة أليكسي كريفوروتشكو، ومدير مؤسسة الفضاء الروسية (روس كوسموس)، يوري بوريسوف، وهو ما يعزز الترجيحات بتصدر ملفات التعاون العسكري - التقني جدول أعمال الزيارة.
ومن المنتظر أن يوقع الطرفان في ختام المحادثات على مجموعة من الوثائق، وأن يدلي بوتين وكيم بتصريحات صحافية ويضعا إكليلا من الزهور على نصب جنود "الجيش الأحمر" السوفييتي الذين شاركوا في تحرير كوريا من الاحتلال الياباني خلال الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945). وفي طريق العودة إلى المطار، سيزور بوتين كنيسة ثالوث واهب الحياة، وهي الكنيسة الأرثوذكسية الوحيدة في كوريا الشمالية.
وفي ساعة متأخرة من مساء يوم غد، سيبدأ بوتين زيارة دولة إلى هانوي، حيث سيعقد في 20 يونيو/حزيران محادثات مع أعلى المسؤولين السياسيين في فيتنام التي زارها لآخر في عام 2017. وأوضح أوشاكوف أن موسكو وبيونغ يانغ تعملان حاليا على إعداد اتفاقية حكومية شاملة ستحل، في حال توقيعها، محل الاتفاقيات السابقة المؤرخة بأعوام 1961 و2000 و2001.
وأشار إلى أن احتمال التوقيع على الاتفاقية يعود إلى الظروف الجيوسياسية الجديدة في العالم والمنطقة والتغييرات التي طرأت على العلاقات بين البلدين، وقد تتناول قضايا أمنية إلى جانب الشؤون السياسية والاقتصادية، مؤكدا في الوقت نفسه أنها لن تكون موجهة ضد دول ثالثة. ومن اللافت أن بوتين لم يزر كوريا الشمالية سوى مرة واحدة حتى الآن، وذلك في بداية ولايته الأولى في يوليو/تموز 2000، والتقى حينها مع زعيم كوريا الشمالية آنذاك كيم جونغ إل.
واستبق بوتين زيارته إلى بيونغ يانغ بنشر مقال في صحيفة "نودون سينمون" الكورية الشمالية بعنوان "روسيا وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية: آفاق الصداقة والتعاون عبر سنوات"، تناول فيه تاريخ علاقات الشراكة بين البلدين وآفاق تطورها وأهميتها في العالم المعاصر. ولفت بوتين، في مقاله الذي نشر نصه بالموقع الرسمي للكرملين الليلة الماضية، إلى أن "علاقات الصداقة وحسن الجوار بين روسيا وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية تستند إلى مبادئ التكافؤ والاحترام والثقة المتبادلة، وتمتد لأكثر من سبعة عقود وثرية بالتقاليد التاريخية المجيدة".
وفي عرض مفصل لمسيرة العلاقات، ذكّر بوتين بأن الاتحاد السوفييتي كان أول دولة اعترفت بكوريا الشمالية الوليدة وأقامت العلاقات الدبلوماسية معها، فيما قام مؤسس الجمهورية، "الرفيق" كيم إل سونغ، بزيارة إلى موسكو في مارس/آذار 1949 شهدت التوقيع على اتفاقية التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين، لتضع قاعدة لمواصلة تعزيز التعاون الثنائي. وقدم الاتحاد السوفييتي، الذي كانت تشاركه كوريا الشمالية الأيديولوجيا الشيوعية، عونا لبيونغ يانغ في بناء الاقتصاد وتنظيم منظومة الرعاية الصحية وتطوير العلوم والتعليم وإعداد الكوادر الإدارية والفنية. وخلال فترة الحرب الكورية في أعوام 1950 - 1953، "مد الاتحاد السوفييتي يد العون إلى شعب جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في نضاله من أجل الاستقلال"، وفق ما ذكّر به بوتين.
أما اليوم، فكانت كوريا الشمالية بين الدول المعدودة التي انحازت صراحة لروسيا في حربها على أوكرانيا منذ أيامها الأولى في عام 2022، واعترفت بنتائج الاستفتاءات التي أجرتها موسكو في "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" المعلنتين من طرف واحد ومقاطعتي زابوريجيا وخيرسون في الشرق الأوكراني تمهيدا لضمها إلى السيادة الروسية بشكل أحادي الجانب في سبتمبر/أيلول من العام قبل الماضي. أضف إلى ذلك التسريبات الإعلامية المتكررة حول احتمال حصول روسيا على ذخيرة من كوريا الشمالية لاستخدامها في الحرب في أوكرانيا.
بدورها، تدعو موسكو إلى إعادة النظر في نظام العقوبات غير محدد المدة الذي يطبقه مجلس الأمن الدولي بحق بيونغ يانغ على خلفية برنامجها الصاروخي النووي وانضمامها إلى "النادي النووي" بحكم الأمر الواقع. وأجرى كيم جونغ أون زيارة رسمية إلى روسيا في منتصف سبتمبر/أيلول 2023، وحينها اصطحبه بوتين إلى مطار "فوستوتشني" ("الشرقي") الفضائي الواقع في أقصى شرق البلاد.
وفي يوليو/تموز 2023، زار وزير الدفاع الروسي آنذاك سيرغي شويغو بيونغ يانغ لحضور مراسم الاحتفال بذكرى مرور 70 عاما على انتهاء الحرب الكورية. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هو الآخر بيونغ يانغ. ومنذ بضعة أشهر، بدأت تتردد أنباء حول عزم بوتين على زيارة كوريا الشمالية بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في مارس/آذار الماضي، إلى أن تم تحديد موعدها بيومي 18 و19 يونيو الجاري.