تناولت صحيفة بوليتيكن الدنماركية، اليوم الثلاثاء، ملف إعادة الجامعة العربية النظام السوري إلى صفوفها في سياق تقرير مطول تطرقت فيه إلى مآلات الربيع العربي، مشيرة إلى عدم تغيير هذه العودة من واقع سورية ومستقبلها، طالما بقي نظامها نفسه.
ورأت الصحيفة أنّ نظام بشار الأسد "الذي كان في عزلة، يسعى وراء دفع فواتير إعادة البلد الذي دمره ودمر اقتصاده، بعد أن قرر الهجوم العسكري على ثورة شعبية ضد حكمه". وأشارت إلى أنّ المقاطعة الغربية ستتواصل، فـ"العزلة الدولية المفروضة منذ عام 2011 باقية، بينما علاقات النظام الخارجية من غير بعض العرب تقتصر على الصين وروسيا والهند وحكومة الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق".
وأعادت "بوليتيكن" التذكير بـ"ارتكاب الديكتاتور في سورية عمليات قتل لنحو 450 ألف إنسان وتهجير 13 مليوناً، داخل البلاد وخارجها، بعد تدميره نحو ثلث البلد بقصف شاركت فيه الطائرات الروسية بمعاونة إيران وحزب الله اللبناني وباقي مليشياتها، حيث يعيش 80% من السوريين اليوم تحت خط الفقر، وفقدت العملة 97% من قيمتها".
وفي ذات الاتجاه ذكّرت الصحيفة بأنّ تكلفة إعادة إعمار سورية "تتطلب على الأقل 400 مليار دولار، وفي أسوأ الأحوال ضعفا هذا المبلغ". وشددت على أنّ "الدول العربية ترفض تحمّل مساعدة الأسد مالياً".
وأشارت في الوقت عينه إلى أنّ "انتصار الديكتاتور، باستعادة مكانته في الجامعة العربية، لا يغيّر من واقع أنّ سيطرته على كل سورية بعيدة، ومنذ بداية العام الحالي فقط لا تزال الأوضاع في درعا (جنوب)، التي انطلقت منها الاحتجاجات في 2011، مشتعلة حيث قتل ما لا يقل عن 184 شخصاً، فيما إدلب وشرقيّ سورية خارج سيطرته، ومصير أكثر من 100 ألف معتقل أو مختفٍ معلّق".
وقالت الصحيفة إنّها "عودة دون تحقيق العدالة، ودون مطالب ديمقراطية، وبدون مطالب وقف التعذيب ورفع الرقابة عن حرية التعبير والرأي، وبلا أي اشتراط لتأمين عدم اضطهاد المعارضين، ولا حتى ضرورة تمكين اللاجئين من العودة إلى ديارهم وبضمان حرياتهم السياسية".
واعتبرت أنّ عودة النظام إلى "حرارة الأنظمة العربية"، "ليست سوى انعطافة أخرى في مسار الربيع العربي".
وتطرقت الصحيفة إلى مصير ثورات الربيع العربي التي انطلقت في نهاية 2010. وقالت إنّ تونس "أذنت بانطلاق الربيع، فأسقط الديكتاتور زين العابدين بن علي، بينما الآن تتجه نحو نظام استبدادي، فزعيم المعارضة بات مسجوناً، ويحكم الرئيس المنتخب استبدادياً"، وعددت الصحيفة كل دول الربيع العربي والانقلاب على ثوراتها.
وشددت على أنّ "طرد النظام السوري من الجامعة العربية جاء على تلك الخلفية الممتدة من تونس حيث ازدهر ذلك الربيع، وعودته الآن تعني عودة إلى أحضان المستبدين، الذين استفادوا من تحويل الثورات إلى حروب أهلية، من اليمن إلى سورية وليبيا، وفي أفضل الأحوال استُبدِلَت بمفاوضات سلام الآن".
وحول أوضاع العراق، قالت الصحيفة إنه "عاش ديمقراطية ركيكة، وهو غارق اليوم بسيطرة المليشيات وانتشار الفساد"، فيما لبنان "البلد الذي تمتع لسنوات عديدة بالحرية السياسية والاقتصادية في العالم العربي، يعاني من انهيار اقتصادي وسياسي". وقالت: "لم تتمكن البلاد من انتخاب رئيس جديد خلال العام الماضي، وحركة حزب الله القوية منهمكة في القتال من أجل دكتاتورية الأسد داخل سورية المجاورة".
التهكم في لغة "بوليتيكن" حيال "انتصار الأسد" بعودته إلى الجامعة العربية بدا واضحاً في إشارتها إلى أنه لم يستطع البقاء "بدون القوات الجوية الروسية والحرس الثوري الإيراني ومرتزقة حزب الله وباقي المليشيات، ورغم ذلك لا يسيطر الأسد إلا على ثلثي سورية".
وقالت: "إذا حضر النظام اجتماع القمة في 19 مايو/ أيار الجاري، فإنّ ذلك مؤشر على أنّ الأمور باقية كما كانت، حيث الفساد والمليشيات الخاصة، والاضطهاد السياسي، وبالتالي ستستمر الحرب كحقيقة لا يمكن إخفاؤها".
في نهاية المطاف، قالت "بوليتيكن" إنّ "رقبة الأسد تحت ضغوط كبيرة رغم العودة إلى الجامعة العربية"، وذلك باعتبار "خياره العسكري والقمعي هو المفضّل، بعد أن أصبح مجرم حرب وتاجر مخدرات، وأحال بلده إلى خراب، بدل تبني الديمقراطية لشعبه".
وختمت بالقول إنّ "الدول العربية لن تكون قادرة على دفع فاتورة الإعمار"، في حين أنّ الدول والمؤسسات الغربية القادرة على تمويل إعادة إعمار سورية ترفض الدفع، ما دام الأسد يرفض تحقيق العدالة، ويرفض الحل السياسي الذي يمنح السوريين الحرية السياسية، ويبقى غير قادر على منح اللاجئين السوريين الثقة بأنّ العودة آمنة".