شهد يوم الجمعة الماضي، 18 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، آخر محاولات المستوطنين اقتحام "بيت الصمود"، مقر "تجمع شباب ضد الاستيطان" في منطقة تل الرميدة، وسط مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية، حيث اقتحموا باحته، لكنّ النشطاء الفلسطينيين تصدوا لهم وأخرجوهم، في حادثة جديدة تعد من أبسط ما يتعرّض له هذا البيت.
وعلى طريقة الاعتقال الإداري التي خبرها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، عمد جيش الاحتلال إلى إغلاق "بيت الصمود"، عبر تجديد قرار عسكري يقضي بإعلان المنطقة عسكرية بشكل يومي، ولمدة 24 ساعة في كلّ مرة. والقرار كان قد صدر لأول مرة في عام 2007 ولجأ إليه الاحتلال مراراً، لكن الوضع هذه المرة استمر 12 يوماً منذ بداية الشهر الحالي، في محاولة لحسم المعركة على البيت والسيطرة عليه. لكن النشطاء الفلسطينيين استمروا بكسر الإغلاق، حتى تمكنوا من دخول البيت، ووقف تجديد الإغلاق، والاستمرار بإقامة الفعاليات فيه.
قصة "بيت الصمود"
وتعود قصة هذا المنزل إلى عام 2001. ويؤكد مؤسس "تجمع شباب ضد الاستيطان" عيسى عمرو، لـ"العربي الجديد"، أن ملكية البيت تعود إلى عائلة سياج، لكن موقعه الذي يتوسط عدداً من المستوطنات، جعله مستهدفاً منذ بدايات انتفاضة الأقصى، ما اضطر ساكنيه للخروج منه عام 2001، تحت وقع الاعتداءات المتكررة، وليتخذه جيش الاحتلال منذ ذلك الحين وحتى ديسمبر/ كانون الأول 2006، معسكراً له، مع إغلاق كامل للمنطقة المحيطة.
أغلق جيش الاحتلال بيت الصمود وأعلن المنطقة عسكرية
وفي يناير/كانون الثاني 2007، اقتحم المستوطنون المنزل الذي لم يكن قابلاً للسكن، بعد انسحاب جيش الاحتلال منه، وكانت نيّة المستوطنين إصلاحه والسيطرة عليه والسكن فيه، لكن عمرو استأجر المنزل من مالكيه، بحسب ما يؤكد، وخاض في حينه معركة متعددة الأشكال، من العراك بالأيدي إلى الإجراءات القانونية، انتهت بإعلان جيش الاحتلال البيت منطقة عسكرية مغلقة بعد طرد المستوطنين من داخله.
لم يسلّم عمرو والنشطاء الفلسطينيون بواقع إغلاق البيت قبل 15 عاماً، فدخلوه بالقوة بعد ستة أشهر، ومكثوا في داخله لحمايته، وليصبح اسمه "بيت الصمود"، كمقر لتجمع "شباب ضد الاستيطان". لكن الاحتلال بمستوطنيه وجيشه لم يسلّم أيضاً بالواقع الذي كرّسه النشطاء الفلسطينيون، وعادت الاعتداءات بأشكال مختلفة.
عرقلة التواصل بين المستوطنات
ويقع "بيت الصمود"، في منطقة تل الرميدة، التي تعد من أقدم المناطق المسكونة في فلسطين، محاطاً بمجموعة كبيرة من الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون. ويتوسط المنزل المستوطنات المقامة على أراضي الفلسطينيين في تل الرميدة (رمات يشاي)، و"الدبويا"، و"بيت رومانو" المقامة في بناية مدرسة أسامة بن المنقذ. والحفاظ على "بيت الصمود" يعني عرقلة التواصل والاتصال الجغرافي بين تلك المستوطنات، وإقامة كتلة استيطانية كبيرة وممتدة، ولذا فإن الأنشطة الفلسطينية التي استمرت لسنوات داخله كانت متنوعة، وتعبر عن فكرة الصمود والمقاومة والمرابطة، في مقابل استيطان واحتلال يستخدم كل الأساليب للسيطرة عليه.
يقول عمرو إن "قرار الإغلاق الأخير والذي استمر 12 يوماً، أصدره جيش الاحتلال بشكل مفاجئ، لكن بعد قرابة 10 أيام من التصعيد الممنهج في الاعتداءات من المستوطنين على (بيت الصمود) والمنطقة المحيطة". ويؤكد عمرو أن التصعيد خلال الأيام التي سبقت الإغلاق، شمل عشرات الاعتداءات من المستوطنين على الأهالي والنشطاء وقاطفي الزيتون، وتعرُّض متضامنين أجانب للضرب، بالإضافة إلى محاولة المستوطنين سرقة محاصيل الزيتون، وكل ذلك يضاف إلى سلسلة اعتداءات خلال الأعوام الماضية.
وتعرض البيت لمحاولة المستوطنين إحراقه مرات عدة، بالإضافة إلى اقتحامات متكررة من جيش الاحتلال، وسرقة ممتلكات "بيت الصمود" الخارجية، واعتقال نشطاء من داخله.
موقع المنزل بين عدد من المستوطنات جعله مستهدفاً
ووصل الأمر إلى قدوم عدد كبير من جنود الاحتلال، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتلاوة القرار العسكري الذي يفيد بإغلاق المنزل، وإغلاق المنطقة لـ24 ساعة، والصادر عن القائد العسكري للمنطقة؛ بحجة اتخاذ إجراءات للحفاظ على الأمن والنظام العام، لكن الهدف الحقيقي كما يراه "تجمع شباب ضد الاستيطان"، هو السيطرة على "بيت الصمود".
ولذا، فإن النشطاء والمتضامنين تحدوا خلال فترة الإغلاق قرار جيش الاحتلال. ويقول عمرو في هذا الصدد: "تحدينا القرار ولم ننصع له، هناك نشطاء دخلوا وتحدّوا، وقد قَدم نشطاء دوليون، ونظّمنا حملة دولية لكسر القرار، وراسلنا منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة والدبلوماسية الدولية والخارجية الفلسطينية، وجلسنا إما على حدود المنطقة المعلنة عسكرية، أو حتى في داخلها".
ويرى عمرو أهمية في كسر القرار، لأنه كان إحدى أدوات السيطرة على البيت وكل المنطقة المحيطة به، ما يعني تهويد مدينة الخليل، والسماح بتواصل المستوطنات مع بعضها في قلب المدينة، فضلاً عن أهداف عديدة أخرى يسعى الاحتلال من خلال القرار لتحقيقها. ومن هذه الأهداف، ضرب الرواية الفلسطينية، لأن البيت يعد وجهة رئيسية للمتضامنين والصحافيين الدوليين الذين يزورون فلسطين.
إحدى الاعتداءات التي نفذها المستوطنون، طاولت الناشط في التجمع والصحافي مهند قفيشة، الذي يروي لـ"العربي الجديد" ما تعرّض له في 29 أكتوبر الماضي، حين سرق المستوطنون هاتفه النقال، واعتدوا عليه بالضرب.
يقول قفيشة إنه وصل مصطحباً صحافياً أجنبياً إلى المنطقة لتصوير قطاف الزيتون، فاعتدى المستوطنون على الصحافي الأجنبي قبل وصوله إلى البيت. حينها رفع قفيشة هاتفه لتوثيق الاعتداء، فأحاط به المستوطنون، وقام أحدهم بسرقة هاتفه، وحين لحق به، هرب المستوطن إلى مدخل المستوطنة المجاورة، وهناك منع جندي الاحتلال قفيشة من الوصول إلى المستوطن.
تعرض قفيشة إثر ذلك للاعتداء بالضرب من أكثر من 10 مستوطنين، ما أدى إلى رضوض وأوجاع في فكّه السفلي وظهره. قدم قفيشة شكوى لدى شرطة الاحتلال معززة بتقرير طبي وبفيديو يوثق ما حصل، لكن شرطة الاحتلال، وعلى مدار خمسة أيام، حاولت المماطلة لحماية المستوطنين.
يؤكد قفيشة أن ما حصل جزء من مسلسل طويل من الاعتداءات التي يشهد عليها كمواطن يتردد كثيراً على المنزل، كمثل ضرب المستوطنين الحجارة، والطرق على الأبواب، لكن الاعتداءات تكثّفت بشكل ملحوظ قبل قرار جيش الاحتلال إغلاق المنطقة والبيت قرابة 12 يوماً.