تواجه حكومة تصريف الأعمال العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي، اتهامات من أعضاء كتل وأحزاب سياسية، تتعلق بتجميد الحكومة لملف التحقيق بوصول النفط العراقي إلى الأراضي الفلسطينية لصالح الاحتلال الإسرائيلي، من خلال عمليات تصدير النفط من إقليم كردستان العراق، عبر الموانئ التركية.
وفي جديد الملف، أعلن عضو البرلمان عن محافظة البصرة، عدي عواد، أمس الأول الجمعة، أنه حصل على وثائق رسمية من وزارة النفط تؤكد وصول النفط العراقي إلى الاحتلال الإسرائيلي، معلناً أنه سيتجه إلى القضاء.
عواد الذي فاز بولاية ثانية في البرلمان الجديد عن مدينة البصرة أقصى جنوبي البلاد ضمن قوى "الإطار التنسيقي"، كتب على حسابه في موقع "فيسبوك": "كنت أبحث عن دليل بيع حكومة إقليم كردستان، النفط العراقي للكيان الصهيوني، وقد حصلت على الرد من وزارة النفط وشركة تسويق النفط (سومو) بأسماء وأرقام وتواريخ الناقلات التي كانت تنقل النفط العراقي إلى الكيان الصهيوني، الذي بيع من قبل حكومة إقليم كردستان العراق، منذ سنوات وحتى هذه اللحظة".
وأضاف: "الأسبوع المقبل سأتجه إلى القضاء العراقي لأبرئ ذمتي أمام الشعب العراقي وأمام الله". وعرض النائب العراقي سلسلة من الوثائق بتواريخ من عام 2014 ولغاية عام 2021، توضح أسماء ناقلات نفطية انتهت حمولتها النفطية إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة، وكانت نقطة انطلاقها من الموانئ التركية.
وكان عواد، قد قال في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، إن "إقليم كردستان يبيع النفط خارج إطار شركة سومو، كما أنه يقوم بالبيع بأسعار أقل من السوق العالمي".
التحقيق بقضية النفط العراقي
وأكد أن "حكومة عادل عبد المهدي رفعت شكوى لدى المحكمة الاتحادية، تضمنت التحقيق بقضية وصول النفط العراقي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن الحكومة الحالية لم تتابعها وتوقفت".
واعتبر أن وقف عملية وصول النفط العراقي إلى دولة الاحتلال يكون "عبر شروط تضعها السلطات العراقية (الحكومة والبرلمان) وتحديداً من خلال بنود الموازنة المالية السنوية، إذ لا بد من وضع محددات وشروط تلزم الإقليم التصرف بالنفط العراقي بطرق غير قانونية والتعامل مع إسرائيل".
وكانت قوى سياسية قد أعلنت نيّتها طرح قانون جديد يجرم كل أشكال التعامل مع دولة الاحتلال، في وقت يؤكد مسؤولون في مدينة أربيل عدم علاقة حكومة الإقليم بمآل النفط بعد تصديره من موانئ خارج البلاد.
تدرس قوى سياسية إقرار قانون يُجرّم التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي بعقوبات تصل إلى الإعدام
وفي العام 2018 كشف مسؤولون عراقيون عن تحريك حكومة عادل عبد المهدي السابقة، عبر وزارة النفط شكوى لدى القضاء تتعلق بعمليات تصدير النفط من قبل حكومة إقليم كردستان خارج القانون، ووصول جزء منه إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة وتحديداً ميناء حيفا.
لكن الملف ظل بإطار المناوشات الإعلامية والضغط والتجييش على مستوى الشارع العراقي، ضمن اتهامات عادة ما تكون بإطار حزبي أو مع أي أزمة مالية بين حكومتي بغداد وأربيل.
وأكد عضو بارز في تحالف "النصر"، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي لـ"العربي الجديد"، توجّه قوى سياسية لتقديم عدد من القوانين الجديدة، من من بينها "قانون يُجرّم التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي بعقوبات تصل إلى الإعدام، انطلاقاً من كون العراق في حالة حرب مفتوحة مع الاحتلال منذ عام 1948 ولغاية الآن".
وأوضح المصدر أن "القانون سيعالج أيضاً مسألة استمرار وصول كميات من النفط العراقي إلى الاحتلال الإسرائيلي، على أنه أحد أشكال التطبيع"، محمّلاً في الوقت ذاته حكومة الكاظمي مسؤولية التغاضي عن استمرار حكومة الإقليم بالتعامل مع شركات نفطية ووسطاء لنقل النفط لدولة الاحتلال.
وكشف عن أن القانون سيتضمن أيضاً "مقاطعة الشركات والجهات الأجنبية الداعمة للاحتلال، والعمل على إعادة تفعيل مكتب المقاطعة المركزي داخل الجامعة العربية الذي تتحمل الجامعة مسؤولية تلاشي فاعليته".
وأثير سنّ قانون تجريم التطبيع مع الاحتلال للمرة الأولى في نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، بعد تنظيم مؤتمر في مدينة أربيل، دعا مشاركون فيه للتطبيع مع الاحتلال.
وطرح النائب عن التيار الصدري صباح الساعدي مشروع القانون، لكن ذهاب البرلمان إلى حل نفسه قبيل أيام من إجراء الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حال دون المضي بالقانون.
ويملك العراق شركة "سومو"، وهي أكبر شركة تسويق للنفط العراقي، والجهة الرسمية الوحيدة المخولة بموجب القوانين العراقية السارية بإبرام عقود تصدير النفط الخام وكذلك عقود تصدير واستيراد المشتقات النفطية.
حكومة عبد المهدي رفعت دعوى بسبب وصول النفط العراقي إلى إسرائيل
ورحّب وزير العدل العراقي الأسبق، النائب السابق وائل عبد اللطيف بإيجاد تشريع واضح يوقف وصول النفط العراقي للاحتلال الإسرائيلي بطرق ملتوية، معتبراً أنه من القوانين التي تتصدّر الأولويات.
وذكر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "النفط العراقي يصل منذ سنوات إلى الكيان الصهيوني عبر إقليم كردستان ومنه إلى ميناء جيهان التركي"، مضيفاً أنه التقى برئيس الإقليم آنذاك مسعود البارزاني، وتحدث معه بهذا الأمر.
ولفت إلى أن "لدى الحكومة العراقية (المنتهية ولايتها)، وتحديداً الكاظمي، علما بمواقع وأسماء البواخر التي تحمل النفط العراقي ووجهاتها، حتى قبل أن يصبح رئيساً للحكومة، عند خدمته رئيساً لجهاز المخابرات".
وأوضح أن "جهات في إقليم كردستان تبيع النفط خارج عمليات وزارة النفط في بغداد، وبالتالي فإن إقليم كردستان يبيع النفط بأسعار أرخص من الأسعار العالمية، وربما تصل إلى نصف السعر ودولة الاحتلال مشتر رئيسي له بعد وصوله إلى الأراضي التركية".
واتهم عبد اللطيف القوى السياسية في بغداد بأن "جميعها تعلم بهذا الملف، لكن لا توجد إرادة سياسية لإنهاء هذا الاستهتار، بل إن بعضها يتغاضى عن هذا الملف من أجل طموحات ومصالح سياسية مع الأحزاب في الإقليم، خصوصاً في فترات تشكيل الحكومات أو التوافقات على تقسيم الوزارات والمناصب".
بدوره، تطرق النائب السابق كريم عليوي إلى الملف، مشيراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "البرلمان والحكومة في بغداد على علم كامل بالملف منذ سنوات، ويعلمان حجم كميات النفط الكبيرة التي تصل من العراق إلى الاحتلال بطرق غير شرعية وغير مباشرة".
وأقرّ بإخفاقه مع زملائه بشأن "تمرير قانون النفط والغاز، الذي يحدد مستويات تصدير النفط إلى الخارج، ويضعها ضمن إطار قانوني وخاضع لرقابة عالية، وهو ما يتسبّب بمشاكل عديدة ومستمرة ليس من بينها فقط خسائر مالية، بل بذهاب النفط العراقي لجهات غير معلومة ومنها الاحتلال الإسرائيلي".
لكن المستشار السابق في رئاسة إقليم كردستان كفاح محمود، أشار إلى أن "إعادة فتح هذا الملف تقوده جهات تسعى إلى تشويه سمعة الإقليم، وقد لاحظنا منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات العراقية، أن هناك الكثير من القصص التي روّج لها للنيل من الإقليم".
وأكد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "إقليم كردستان يعاني منذ سنوات من مشكلة بيع النفط، بسبب عدم التفاهم الحكومي بين أربيل وبغداد من جهة، ومعارضة جهات سياسية قريبة من الحكومة الاتحادية من جهة أخرى".
إقليم كردستان يبيع النفط بأقل من السعر العالمي
لكنه رأى أن "الإقليم يضطر إلى بيع نفطه إلى ميناء جيهان التركي، والإقليم كبائع ليس ملزماً بأن يسأل من المشتري، لأن هناك شركات نفطية تدخل على خط المزايدات وتحصل على النفط، بالتالي فإن الإقليم لا يتعامل مباشرة مع إسرائيل، بل ربما إسرائيل تقوم بشراء النفط من ميناء جيهان".
قانون عراقي مخصص للتطبيع
بالنسبة إلى الناشط في الحراك المدني أحمد حقي، فإن "الحديث عن قانون عراقي مخصص لملف التطبيع مع الاحتلال تفجّر بشكل رئيس بعد مؤتمر أربيل نهاية سبتمبر الماضي، الذي نظمته شخصيات عراقية مغمورة، ودعا في ختامه إلى التطبيع مع الاحتلال وأصدر القضاء على أثرها مذكرة اعتقال فورية بحق ستة شخصيات من المنظمين والمشاركين في هذا المؤتمر".
وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن المادة 201 من الدستور التي تجرم التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، تعتبر كافية للقضاء والسلطات الحكومية العراقية بمسألة التعامل مع هذا الملف، بما فيه مسألة وصول النفط العراقي عبر شركات وسيطة لدولة الاحتلال".
ورأى أن "المشكلة تكمن في انتقائية تطبيق القانون وقلة الحزم في التنفيذ أيضاً، خصوصاً أن التوافقات والحسابات السياسية بين الفاعلين هي من تسير الأوضاع في البلاد أكثر من الاحتكام للدستور أو القانون".