ينتظر المشهد في ليبيا ما ستفرزه الأيام المقبلة من تداعيات إثر تعذر إجراء الانتخابات في موعدها المفترض 24 ديسمبر/كانون الأول، وكذلك مصير السلطة التنفيذية بمجلسها الرئاسي وحكومتها، ما يطرح تساؤلات عدة بخصوص السيناريوهات المتوقعة لما بعد هذا اليوم.
وفي وقت سابق، قالت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا، عبر صفحتها على "فيسبوك"، إنها تقترح تأجيل الجولة الأولى من الاقتراع، إلى 24 يناير/كانون الثاني 2022.
وبالتزامن عقدت المستشارة الأممية إلى ليبيا ستيفاني وليامز، لقاءً بعدد من أعضاء ملتقى الحوار السياسي، وسط حديث عن سعيها إحياءه من جديد ليكون مظلة لصياغة حلول لتجاوز الاختناقات السياسية والقانونية على طريق الانتخابات.
مجلس النواب الليبي يشكل لجنة لوضع خريطة طريق لما بعد 24 ديسمبر
وقرر مجلس النواب الليبي، اليوم الخميس، تشكيل لجنة مكونة من 10 أعضاء، مهمتها إعداد مقترح لخريطة طريق ما بعد 24 ديسمبر، الذي كان مفترضاً أن تجري فيه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وأكد القرار تقديم اللجنة تقريرها إلى مكتب هيئة الرئاسة خلال أسبوع، لعرضه على مجلس النواب خلال جلسته المقبلة.
وتتكون اللجنة من أعضاء المجلس، وهم نصر الدين مهني غباشي مفتاح "رئيساً"، وكل من عبد السلام عبد الله محمد نصية، ومصباح دومة امحمد أوحيدة، ومحمد سعد حماد صالح، وعيسى محمد السنوسي العريبي، ومفتاح عيسي الكرتيحي، ومحمد إبراهيم إسماعيل تامر، وخالد علي محمد الاسطي، وسليمان محمد محمد الفقيه، والمبروك عبد الله منصور الكبير.
وكانت اللجنة النيابية في البرلمان قد اقترحت، أمس الأربعاء، تأجيل موعد الانتخابات شهراً، لتؤكد بذلك تأخيراً كان متوقعاً إلى حد بعيد وسط خلافات حول القواعد، بما في ذلك أهلية عدد من المرشحين لخوض السباق.
ولم يعلن مجلس النواب الليبي عن موعد جلسته التي سيحدد فيها موقفه من المرحلة المقبلة، فيما أكد رئيس اللجنة البرلمانية المكلفة بالتواصل مع مفوضية الانتخابات الليبية، عبد الهادي الصغير، انعقادها يوم الاثنين المقبل، برئاسة عقيلة صالح.
وفسر الناشط السياسي من طبرق، صالح المريمي، هذا الغموض بأنه "أحد استراتيجيات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الذي لا يزال يسيطر على قرارات مجلس النواب الليبي ويصدر القرارات والقوانين بشكل غامض، ويتركها محل جدل لخلط الأوراق إذا لم يكن اتجاه الأوضاع يسير في صالحه".
ورأى المريمي أنّ "سيناريو التأزيم والتعقيد بهدف تجميد الأوضاع على ما هي عليه لتأجيل الانتخابات لمدد أطول، هو أقرب السيناريوهات، في ظل الاختلافات الحادة بين الأطراف الليبية".
تفعيل ملتقى الحوار السياسي الليبي؟
توازياً، التقت المستشارة الأممية ستيفاني وليامز عدداً من أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي، بمقر البعثة الأممية في طرابلس.
وكانت وليامز، قد قالت في تغريدة على "تويتر"، الثلاثاء، إنّ اللقاء ناقش العملية الانتخابية وتنفيذ خريطة الطريق مع "الالتزام بدعم ومواصلة المضي قدماً بناءً على موقف مبدئي يستند إلى خريطة الطريق والحاجة لانتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية".
سعدتُ اليوم بلقاء مجموعة من أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي بمقر البعثة في طرابلس. أجرينا نقاشًا صريحًا حول العملية الانتخابية وتنفيذ خريطة طريق الملتقى، مع الالتزام بدعم ومواصلة المضي قدمًا بناءً على موقف مبدئي يستند إلى خريطة الطريق والحاجة لانتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية. pic.twitter.com/5sJHiAKUXS
— Stephanie Turco Williams (@SASGonLibya) December 21, 2021
وكشفت عضو ملتقى الحوار الليبي، ماجدة الفلاح، التي شاركت في اللقاء مع وليامز، أنّ الاجتماع اتفق على ضرورة "تفعيل ملتقى الحوار السياسي، وهي أهم خلاصة للاجتماع".
وأردفت، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "تم الاتفاق أيضاً على ضرورة عقد اجتماع بواسطة تطبيق (زوم) لمناقشة ما هي الخطة القادمة لما بعد 24 ديسمبر، لا سيما في ظل التأجيل للانتخابات"، مشيرة إلى "وجود فرصة للوصول إلى توافق حول شكل المرحلة المقبلة".
ولفتت الفلاح إلى عدم تحديد موعد للقاء الافتراضي بين أعضاء الملتقى حتى الآن، مشيرة إلى أنّ "الجميع يدرك أنه من الصعب إجراء الانتخابات دون قاعدة دستورية".
إجراء انتخابات برلمانية قبل الرئاسية؟
وتداولت أوساط ليبية معلومات حول عدد من الخطوات التي يمكن أن تشكل توقعات لسيناريوهات محتملة، منها ما كشفت عنه مصادر ليبية، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، حول مساعٍ تجتهد وليامز لتحويلها إلى واقع، وتتعلّق بتقديم إجراء الانتخابات البرلمانية لتجديد الشرعية حتى يتسنى لمجلس النواب الجديد الإشراف على عملية إجراء الانتخابات الرئاسية، وهو ما أكده رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، في تصريحات سابقة، يوم الجمعة الماضي.
كما أكد ذلك، موسى فرج عضو ملتقى الحوار السياسي الذي شارك في اللقاء مع وليامز، على اتفاق الأعضاء على "أهمية وضرورة إجراء انتخابات برلمانية في أقرب وقت لتعزيز شرعية المؤسسات".
وأضاف، في تصريحات صحافية، اليوم الخميس، أنّ "اللقاء أكد ضرورة اختيار مؤسسة تشريعية جديدة تقود البلاد لاستكمال الاستحقاقات الوطنية والدستورية لتحقيق الاستقرار السياسي والمجتمعي".
ولفت فرج إلى أنّ "وليامز طرحت خلال اللقاء العديد من الرؤى، التي أشارت إلى إمكانية تحقق إجراء انتخابات برلمانية قبل الرئاسية"، قائلاً "بات الجميع يدرك صعوبة إجراء الانتخابات على الأقل الرئاسية منها دون قاعدة دستورية".
دَفع المجلس الرئاسي الليبي للعب دور أكبر؟
ولكن قد تكون مساعي وليامز التي لا تزال تجري لقاءات مكثفة مع عدد كبير من المسؤولين، باتجاه إحياء ملتقى الحوار السياسي الليبي، مرتبطة أيضاً بدفع المجلس الرئاسي للعب دور أكبر في هذه الفترة، فقد كشفت مصادر ليبية لـ"العربي الجديد"، عن عزم المجلس الرئاسي الليبي إطلاق مبادرة لـ"إزاحة" المواعيد الانتخابية لإنقاذ العملية الانتخابية، ولتفادي حدوث فراغ في السلطة.
وقد يواجه سيناريو إحياء ملتقى الحوار السياسي الليبي صعوبات؛ أبرزها، بحسب رأي المريمي في حديثه لـ"العربي الجديد"، معارضته مصالح مجلس النواب "الذي سنّ قوانين انتخابية تؤجل الانتخابات البرلمانية إلى ما بعد الرئاسية بهدف بقائه في السلطة لمراقبة نتائج الانتخابات الرئاسية إذا ما كانت في مصلحة حلفائه".
لكن في المقابل، يعتقد الباحث في الشأن السياسي الليبي خليفة الجداد، أنّ إجراء انتخابات برلمانية في وقت قريب "أمر ممكن"، قائلاً "هذا الاتجاه يتوقف على قدرة وليامز على استخدامها لكل الوسائل الضاغطة على الأطراف للقبول به"، مذكّراً بقدرتها على تجسير الخلافات بين الأطراف إبان قيادتها لمرحلة انتخاب السلطة التنفيذية الحالية، وإنهاء الانقسام الحكومي في البلاد.
ماذا عن أجسام السلطة التنفيذية في ليبيا؟
ووسط هذه الضبابية تبرز مسألة شرعية بقاء السلطة التنفيذية، فقد أكد عدد من أعضاء مجلس النواب الليبي، في تصريحات مختلفة، أنّ مجلس النواب سينظر في إمكانية تشكيل حكومة بديلة، خلال الجلسة المقبلة، إذ سبق أن حدد انتهاء ولاية الحكومة بيوم 24 ديسمبر، عند منحه الثقة لها، لكن عضو ملتقى الحوار الليبي، ماجدة الفلاح أكدت أنّ خارطة الطريق حددت عمر الحكومة بوصول البلاد إلى فترة الانتخابات يوم 24 ديسمبر أو بانتهاء المرحلة التمهيدية، المحددة بيوم 21 يونيو/حزيران المقبل.
وقالت "ما زال في عمر الحكومة بقية وأي إجراء بخصوصها سيزيد من عدم الاستقرار في الأوضاع الحالية".
وكانت مصادر ليبية قد تحدثت، لـ"العربي الجديد"، عن عزم المجلس الرئاسي إطلاق مبادرة لـ"إزاحة" المواعيد الانتخابية لعدة أشهر، ولتفادي حدوث فراغ في السلطة.
ومن بين السيناريوهات الراجحة، بحسب قراءة الباحث الليبي في الشأن السياسي خليفة الجداد، "دخول البلاد في مرحلة حوار سياسي جديد، لأنّ عليها أن تنتظر توافقات دولية تتقلص فيها دائرة الخلافات القائمة في الملف الليبي، والذي بات متصلاً بملفات أخرى أهم في المنطقة، وبالتالي تؤجل الانتخابات إلى مدد أطول".