كشفت مصادر عراقية رفيعة المستوى في العاصمة بغداد، أمس الجمعة لـ"العربي الجديد"، عن تأجيل لقاء كان مخططاً له بين الجانبين السعودي والإيراني في بغداد، في 2 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، إلى وقت آخر لم يتم تحديده، وسط تضارب في المعلومات حول سبب التأجيل في كونه مرتبطا بأزمة نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وما خلفته من ارتدادات على المشهد السياسي في بغداد، وأخرى تتحدث عن أن التأجيل متعلق بالجانبين السعودي والإيراني. وخلال اللقاءات الأربعة التي تمت بين البلدين في بغداد، لم تكشف الدوائر المعنية في الحكومة العراقية عن أي تفاصيل مسبقة حيالها أو أسماء الشخصيات المشاركة من الجانبين، وظلت التسريبات مقتصرة على مصادر حكومية ومعلومات تدلي بها دوائر مقربة من كلا الوفدين المتحاورين.
تأجيل الجولة الجديدة من المباحثات حصل قبل محاولة اغتيال الكاظمي
وانطلقت أولى جلسات الحوار بين إيران والسعودية في إبريل/نيسان الماضي في بغداد بعد سلسلة زيارات قام بها مسؤولون عراقيون إلى الرياض وطهران لجمع الطرفين على طاولة واحدة، من بينهم مستشار الأمن الوطني العراقي قاسم الأعرجي، ووزير الخارجية فؤاد حسين، ضمن تصورات عراقية بأن تخفيف التوتر بين البلدين يمكن أن يسهم في تهدئة الساحة العراقية، خصوصاً بما يتعلق بنشاط الفصائل المسلحة الحليفة لإيران.
وعقد الجانبان السعودي والإيراني أربع جولات حوار ببغداد، ثلاث منها في عهد الحكومة الإيرانية السابقة، والجولة الرابعة في 18 سبتمبر/أيلول الماضي، بمشاركة وفدين رفيعي المستوى من طهران والرياض. وهي الأولى في عهد الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي الذي تسلم الرئاسة الإيرانية، مطلع شهر أغسطس/آب الماضي. وبحسب مصادر تحدثت من بغداد لـ"العربي الجديد"، فإن اللقاء السعودي الإيراني الذي كان مقرراً في 2 نوفمبر تأجل لإشعار آخر. وأوضح أحدهم وهو سياسي بارز في بغداد، بأنه لا يمكنه تحديد سبب التأجيل على وجه الدقة، وما إذا كان السبب الأوضاع الحالية في بغداد أو أنه تم بناء على طلب أحد الجانبين. لكنه أكد أن التأجيل تم قبل التوتر الأخير ومحاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي في 7 نوفمبر الحالي، لذا لا يمكن ربطه بالأوضاع الداخلية في العراق حالياً.
بدوره، كشف مسؤول في مكتب الكاظمي أنه "لم يكن هناك موعد نهائي لعقد اللقاء الإيراني ـ السعودي مطلع هذا الشهر ولم يصل أي ممثل سعودي أو إيراني إلى بغداد"، منوّهاً إلى أنها "ليست المرة الأولى التي يتغير فيها موعد اللقاء وقد يعقد قريباً". وشدّد على "رغبة الطرفين في مواصلة اللقاءات وعدم توقفها بالوقت الحالي"، واصفاً ملف الوساطة العراقية بين طهران والرياض بأنه "بيد رئيس الوزراء بناء على طلب سعودي سابق، كشرط لاحتضان بغداد اللقاءات ولذا تبقى المعلومات شحيحة جداً". وكانت وزارة الخارجية الإيرانية قد كشفت في وقتٍ سابق، أن المباحثات حققت "تقدّماً جاداً" بشأن أمن الخليج، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية "إرنا"، لكنها أكدت يوم الإثنين الماضي، أنها "لن تتفاوض" حول حلفائها مع السعودية، مشيرة إلى أنه من المبكر الحديث عن خطوة إعادة فتح السفارات بين البلدين، ورابطة ذلك بـ"خطوات مؤثرة تتخذها الرياض".
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، إن "حواراتنا مع السعودية حول قضايا ثنائية وإقليمية، ونحن لن نتفاوض حول أصدقائنا مع أي أحد"، معتبراً أن "الرياض تعلم أن سياسة الضغوط والحصار ضد الدول الأخرى قد فقدت تأثيرها منذ زمن طويل". وأكد "أننا نقف إلى جانب الشعب اليمني وأصدقائنا"، في إشارة غير مباشرة إلى الحوثيين المتحالفين مع إيران. كما وصف خطيب زادة الحوارات بين إيران والسعودية في بغداد بأنها "جادة وشفافة"، رابطاً مستقبلها "بجدية الطرف الآخر في تجاوز التصريحات الإعلامية". وعما إذا كانت الحوارات قد اقتربت من إعادة فتح السفارات، قال المتحدث الإيراني إنه "من المبكر الحديث عن ذلك"، في انتظار "خطوات مؤثرة تتخذها السعودية".
الكاظمي نجح حتى الآن في خفض مستوى التوتر بين السعودية وإيران
وفي هذا الإطار قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي السابق، عامر الفايز، إن "الجولات الأربع التي أجريت في بغداد وجمعت مسؤولين سعوديين وإيرانيين، تمت بشكل عالي الكتمان، ولم يبلغ رئيس الحكومة أي طرف بما فيها البرلمان بنتائجها أو حيثياتها. بالتالي، من الممكن أن تكون الجولة الخامسة جارية حالياً من دون علم منا أو ستعقد خلال الأيام المقبلة، ولا أحد يعلم بذلك". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الكاظمي نجح حتى الآن في خفض مستوى التوتر بين البلدين عبر هذه الجولات، ويجب أن تستمر هذه السياسة العراقية بعد ذهاب حكومة الكاظمي، لضمان بقاء بغداد على الحياد وعدم الانحياز إلى أي طرف".
لكن المحلل أحمد الشريفي، أشار إلى أن "التوتر السياسي في بغداد يمنع حالياً إقامة أي جولات حوار أو فعاليات سياسية دولية، لا سيما مع استمرار الاحتجاج السياسي والشعبي للقوى الخاسرة بالانتخابات الأخيرة، لكن يمكن القول إن إيران والسعودية مرتاحتان لنتائج الجولات الأربع التي عقدت في بغداد، لأن الطرفين يريدان تقليل الاحتقان والخروج من الأزمة الإقليمية الحالية". وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "السعودية أكثر مرونة في هذه الحوارات، لكن الإيرانيين يسعون إلى فرض إرادتهم عبر ما تمتلك طهران من أذرع سياسية وعسكرية في المنطقة. بالتالي فإن هناك تفاوتا بميزان القوى أثناء الحوار، وسعت حكومة الكاظمي إلى تذليل المصاعب، ويمكن اعتبار أنها نجحت جزئياً بهذا الملف".