تتكرر عمليات القصف الجوي والصاروخي للحرس الثوري الإيراني على إقليم كردستان العراق، منذ مطلع يناير/ كانون الثاني من عام 2020، عقب اغتيال واشنطن قائد "فيلق القدس" السابق قاسم سليماني، ولغاية الآن، تحت عناوين مختلفة، مخلّفة قائمة كبيرة من الضحايا المدنيين في كل مرة.
وتترافق مع عمليات القصف أيضاً موجة من الاستياء الشعبي العراقي، وتوحد في المواقف الداخلية الرافضة لها، فضلاً عن الإدانات الدولية، إذ تتورّط طهران في كل مرة بتبريرات غير مقنعة، لا سيما أنها تتحدث عن مقرات للموساد الإسرائيلي أو مراكز تجسس لصالح الولايات المتحدة أو استهداف جماعات معادية لها، في حين أن الخسائر لا تتضمن غير المدنيين العراقيين.
وقصفت إيران، ليل الاثنين، بالصواريخ الباليستية، مواقع في أربيل، مخلّفة 10 قتلى وجرحى، أصغرهم طفلة بعمر عام واحد، فيما طالب رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني، في بيان له، المجتمع الدولي بإدانة القصف.
وقالت إيران إنها "أطلقت صواريخ باليستية على أهداف في العراق وسورية، دفاعاً عن سيادتها وأمنها وكذلك لمواجهة الإرهاب، وأن هذا القصف من حقها المشروع والقانوني لردع تهديدات الأمن القومي".
ودانت هولندا وفرنسا وكندا وبريطانيا والولايات المتحدة، وكذلك الأمم المتحدة هذه الهجمات، فيما قرّر رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني تشكيل لجنة برئاسة مستشار الأمن الوطني للتحقيق في الهجوم وجمع المعلومات لدعم موقف الحكومة دولياً، وتقديم الأدلة والمعلومات الدقيقة.
في السياق، قال زعيم الحزب الديمقراطية الكردستاني (الحاكم في أربيل) مسعود البارزاني، في بيان له، إنّ "الجميع يعلم أن أربيل تعرضت منذ عام 2020 ولغاية الآن لعشرات الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الجائرة من قبل الحرس الثوري الإيراني والقوات المتحالفة معه"، مؤكداً أن "هذه الهجمات تمثل ظلماً واضحاً بحق الشعب الكردي".
وأضاف أن "مرتكبي هذه الجرائم ومن يقفون وراء هجمات أربيل يعلمون جيداً أن افتراءاتهم وأعذارهم وادعاءاتهم ليس لها أي أساس"، مستكملاً حديثه: "لصبرنا حدود، ففي الهجوم والجريمة الأخيرة، الليلة الماضية، أبادوا أُسرة بريئة من أربيل، وهو ما ندينه بشدة، وليس هناك شك بأن هذا الهجوم ليس من المروءة ولا من الشهامة بشيء، ولكنه عار كبير على المجرمين".
وقُتل في القصف الأخير رجل الأعمال الكردي المعروف في أربيل بيشرو دزيي، رفقة زوجته وابنتيه، بعد سقوط ثلاثة صواريخ على منزلهم، وبيشرو هو صاحب مجمع "أمباير" السكني المعروف وسط مدينة أربيل، كما أن يملك عدة شركات تجارية واستثمارية، في حين أن القنصلية الأميركية في أربيل أكدت في بيان أنها لم تتأثر ولم تسجل أي خسائر بشرية بين صفوفها.
ومنذ عام 2020، وجهت إيران العشرات من الضربات الجوية والصواريخ والطائرات المسيرة الملغومة نحو مناطق الكردية على الحدود مع إيران، بحجج وذرائع مختلفة، منها الرد على جماعات كردية إيرانية معارضة للنظام الإيراني، فيما قصف الحرس الثوري الإيراني مناطق حيوية داخل أربيل.
وفي مارس/ آذار من عام 2022، قصف الحرس الثوري الإيراني مقراً بعشرة صواريخ، قال إنه "يتبع للموساد الإسرائيلي، ويتضمن وحدة تجسس على إيران"، لكن الصواريخ الإيرانية استهدفت منزلاً كبيراً محاطاً بمزرعة يمتلكها رجل الأعمال الكردي الشهير "باز رؤوف كريم"، والذي يعمل أيضاً مديراً لشركة "كار" النفطية، كما قصفت إيران بالصواريخ بلدة كويسنجق، في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2022، وقالت إنها موجهة ضد المعارضة الإيرانية الكردية المسلحة في أربيل، وراح ضحية ذلك 8 أشخاص.
من جهته، قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، سورت أيزيدي، إنّ "إيران تتجاوز على العراق وسيادته بأعذار غير منطقية وغير مقنعة، بل إنها أعذار مستهترة وسافرة، وإنها تريد أن تغطي على فشلها الداخلي في مواجهة الجماعات المعارضة لها من الداخل من خلال توجيه ضربات ضد مواقع كردية"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "العدوان الإيراني الأخير لن يمر دون محاسبة، وأن الصبر الكردي لانتظار بغداد أن ترد على طهران قد نفد، وهناك إجراءات سيتم اتخاذها تجاه إيران".
كذلك علم "العربي الجديد"، من أكثر من مصدر سياسي كردي، أن "السلطات في أربيل تفكر بالرد على الهجوم الإيراني بمعزل عن إيران، من خلال طلب مغادرة القنصل الإيراني لأربيل، وتقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي".
وفي غضون ذلك، انتقد نشطاء وسياسيون مستقلون الإجراءات البطيئة والخجولة لحكومة محمد شياع السوداني، في التعامل مع الهجمات الإيرانية أو القصف المتواصل ضد أربيل من قبل الجماعات المسلحة الموالية لإيران، لا سيما بعد إعلان السوداني عن تشكيل لجنة للبحث في تفاصيل القصف، رغم أن الحرس الثوري أعلن صراحة تبنيه العملية.
بدوره، فسّر الباحث في الشأن السياسي العراقي عبد الله الركابي القصف الإيراني الأخير على أربيل بأنه يحمل مؤشرات اقتصادية واستثمارية، معتبراً في اتصال مع "العربي الجديد" أن "إيران استهدفت منزلاً للمستثمر الكردي بيشرو دزيي، وليس مقر القنصلية الأميركية الجديد أو أي مقرات أخرى كما تدعي".
وأكمل الركابي أن "المستثمر بيشرو دزيي، تمكن خلال السنوات الماضية من نقل الحالة العمرانية في أربيل إلى مراحل منطقة عبر بناء المجمعات السكنية الضخمة والراقية والحديثة، وأن إيران تعتقد أن إسرائيل تدعمه"، متوقعاً أن "قتل المستثمر الكردي يعني هجرة رؤوس الأموال من إقليم كردستان، وهي حالة ليست جديدة يتبعها الحرس الثوري مع أربيل، وقد سبق أن قصف منازل لتجار ومستثمرين بحجج التخابر والتجسس والتعاون مع إسرائيل".