تخيّم حالة من الجدل والارتباك على المشهد الليبي بشأن إجراء الاستحقاقات الانتخابية، الرئاسية في موعدها المحدد في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، والنيابية في يناير/ كانون الثاني المقبل. ولم تقتصر الشكوك على الداخل الليبي فحسب، بل طاولت أيضاً اللاعبين الإقليميين في المشهد الليبي. في هذا الإطار، كشفت مصادر مصرية خاصة لـ"العربي الجديد"، عن تباين حاد في الرؤى بين مصر والإدارة الأميركية بشأن الانتخابات الليبية والمرشحين المحتملين لها حتى الآن، قائلة إن تغيراً مفاجئاً طرأ على الموقف المصري بشأن الأسماء المطروحة للترشح لمنصب رئيس الجمهورية الليبية. وأوضحت أن "القاهرة سعت إلى إيجاد قنوات تقارب مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي ينوي الترشح للرئاسة، قبل أن تتراجع وتأخذ خطوات عدة للوراء".
ابتعدت مصر عن ترشيح الدبيبة لتحالفه الوثيق مع تركيا
وأضافت المصادر أن "التحول المصري بعيداً عن الدبيبة جاء بعد تأكد دوائر صنع القرار المعنية بالملف الليبي، أنه لن يكون قادراً على إقامة علاقات متوازنة في العلاقات مع تركيا"، مشيرة إلى أن "ولاء الدبيبة الأول هو لتركيا، على الرغم من محاولات مصر فتح الطريق أمامه لإقامة علاقات تتمتع بقدر كبير من التميز مع القاهرة لتكون بديلاً أمامه". وشدّدت على أن "هناك تقديراً مصرياً يؤكد أن استثمارات خاصة واسعة ومشاركة مالية ضخمة قائمة بين الدبيبة وبيرات البيرق، صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان". وعلى الرغم من أن الجانب المصري يدرك تماماً أن هذه العلاقات التجارية ليست من الأسرار، وأنها سابقة على وجود الدبيبة في منصبه، لكنه يردد ما تردده بعض القوى المناوئة للدبيبة، في الداخل الليبي، في مسعى للضغط عليه.
وكشفت المصادر أن التحوّل المصري عن الدبيبة، يُعدّ أساس الخلاف بين القاهرة وواشنطن، وهو ما ظهر واضحاً خلال الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي أخيراً، إذ ترحب الدوائر الأميركية المختلفة بالدبيبة وترى فيه القدر الكافي من المقومات اللازمة لتحقيق قدر نسبي من الاستقرار في ليبيا، في الوقت الذي تحولت فيه البوصلة المصرية نحو سيف الإسلام، نجل الزعيم الليبي المخلوع الراحل معمر القذافي.
الاختيار المصري لم يلق قبولاً من الإدارة الأميركية، التي اعتبرت أن سيف الإسلام القذافي وقائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر خط أحمر، ولا يمكن للولايات المتحدة القبول بأي منهما، على الرغم من محاولات التسويق المصري لاسم نجل القذافي، باعتباره من وجهة النظر المصرية، يمتلك العديد من المقومات، على رأسها قبيلة كبيرة تقف خلفه، بالإضافة إلى ما يتمتع به من علاقات مصاهرة في الغرب الليبي، وامتدادات بين بقايا العسكريين الذين كانوا يدينون بالولاء لوالده في الشرق. واعتبرت المصادر أن سيف الإسلام القذافي سيكون الأنسب بين الأسماء المطروحة بالنسبة للقاهرة، نظراً لأنه لن يكون خارج السيطرة المصرية وبالتالي لن تتعارض توجهاته مع مصالح مصر. مع العلم أن مركزاً تابعاً لمفوضية الانتخابات في مدينة سبها الليبية قد أصدر، أول من أمس الأربعاء، بطاقة انتخابية للقذافي.
وبحسب المصادر، فإن الخلاف في الوقت الراهن بات حول كيفية تأجيل الانتخابات الليبية بشكل لا يتعارض مع الموعد المحدد في 24 ديسمبر المقبل. وكشفت أنه في الوقت الذي تتشدد فيه الإدارة الأميركية لإجراء عملية التصويت على الرئيس الليبي في الموعد المحدد، استطاعت مصر تجميع بعض المواقف الدولية حول رؤية تتضمن أن يكون يوم 24 ديسمبر هو بداية عملية انتخاب الرئيس الليبي، على ألا يكون يوماً للتصويت، وإرجاء عملية التصويت أو الانتخاب الفعلية إلى موعد لاحق في إطار سلسلة من الخطوات.
وأكدت المصادر أن هناك توافقاً ضمنياً بين مصر وفرنسا قبل انطلاق مؤتمر باريس حول ليبيا، المقرر اليوم الجمعة، بشأن فكرة إرجاء انتخاب الرئيس إلى مرحلة لاحقة مع الحفاظ على رمزية الموعد المحدد في 24 ديسمبر المقبل، وذلك بسبب المخاوف من وجود القوات التركية في الغرب الليبي، وتأثيرها على مجريات العملية الانتخابية بالشكل الذي يجعلها لاعباً أساسياً وحاسماً لصالح المرشح المدعوم من طرفها، في إشارة إلى الدبيبة.
يتمحور الخلاف المصري الأميركي على موعد الانتخابات في 24 ديسمبر
وأوضحت المصادر أن القيادة المصرية تراهن على عنصر الوقت في حال تأجيل الانتخابات لتحقيق أحد الهدفين، إما تغيير الموقف الأميركي تجاه سيف الإسلام القذافي، أو دفع واشنطن لتحقيق تقدم في ملف القوات التركية الموجودة في ليبيا، لافتة في الوقت ذاته إلى أن حفتر سيعد خياراً ثانياً لمصر إذا فشلت في إرجاء العملية الانتخابية. وقالت المصادر إن الجانب المصري فشل في تغيير رأي الإدارة الأميركية خلال حوار واشنطن الأخير بين وزير الخارجية سامح شكري ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن.
أما على صعيد ملف الانتقادات والملاحظات الأميركية على أوضاع الحريات السياسية في مصر، فقالت المصادر إن شكري تلقى انتقادات لاذعة في الغرف المغلقة للحوار الاستراتيجي، موضحة أن أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية تهكم خلال حديث مع شكري قائلاً "هل مصر لا توجد فيها اتهامات سوى الانضمام لجماعة إرهابية؟". وأوضحت المصادر أن المطالب المصرية التي كررها شكري بإجراء لقاء قريب بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي جو بايدن باءت بالفشل، قائلة إن "الرد الأميركي كان واضحاً: لن يتم اللقاء قبل تنفيذ المطالب التي حددتها الإدارة"، من دون أن تحدد المصادر ماهية تلك المطالب.
يأتي هذا في الوقت الذي توجّه فيه السيسي إلى فرنسا للمشاركة في مؤتمر باريس الدولي حول ليبيا. ووفقاً لبيان رسمي صادر عن الرئاسة المصرية، فإن السيسي "يعتزم التركيز خلال أعمال مؤتمر باريس على تكاتف المجتمع الدولي لمساندة ليبيا خلال المنعطف التاريخي الهام الذي تمر به حالياً، خصوصاً من خلال إجراء الاستحقاق الانتخابي المنتظر في موعده المحدد في شهر ديسمبر المقبل، وكذلك خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، فضلاً عن إلقاء الضوء على الجهود المصرية الجارية في هذا الصدد على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية".