تبدلت خريطة السيطرة على الميدان في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، بين قوات الجيش والمجموعات القبلية المساندة لها، وبين تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، بعد أن تمكن الجيش والقبائل من السيطرة على مناطق واسعة كانت تحت تصرف "ولاية سيناء". إلا أن التنظيم لا يزال يحتفظ بمناطق واسعة في المحافظة، لا يمكن لأي جهة الدخول إليها، في ظل ما كشفته الأحداث الأخيرة من قدرته على بناء المخابئ والمخازن والمستشفيات الميدانية والاعتماد الذاتي في الطعام والشراب والأدوية.
وبعد العديد من المعارك التي اندلعت على مدار الشهرين الماضيين، تمكّنت المجموعات القبلية، بمساندة الجيش المصري، من إنهاء وجود تنظيم "ولاية سيناء" في مناطق واسعة في نطاق قرى جنوب مدينتي رفح والشيخ زويد، وسط خسائر فادحة في صفوف الطرفين.
وكان للمجموعات القبلية النصيب الأكبر من الخسائر، إذ فقدت العشرات من عناصرها، فيما أصيب أغلبية المسؤولين عنها في هجمات متنوعة لتنظيم "ولاية سيناء"، الذي لم يستسلم بسهولة، وهو ما كان متوقعاً من قبل الجهات الأمنية والعسكرية في سيناء.
إنهاء وجود تنظيم "ولاية سيناء" في مناطق واسعة في نطاق قرى جنوب مدينتي رفح والشيخ زويد
خريطة السيطرة في سيناء
وأضحت الخريطة الجديدة في سيناء تشير إلى أن المناطق المسترجعة من "ولاية سيناء" تمتد بدءاً من الحدود المصرية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، حيث قرى جنوب رفح، بدءاً من البرث والصبات باتجاه نجع شيبانة والطايرة وجوز أبو رعد والكيلو 21 والخرافين، وصولاً إلى قرى الشيخ زويد حيث المهدية والجورة والمقاطعة وأبو العراج واللفيتات والزوارعة والظهير والتومة.
في المقابل، لا تزال مناطق ساحلي مدينتي رفح والشيخ زويد بأكملها تحت سيطرة التنظيم، بدءاً من بُعد كيلومتر من الحدود البحرية الفاصلة بين قطاع غزة وسيناء، وصولاً إلى بحر الشيخ زويد، بمسافة تصل إلى 12 كيلومتراً، وعرض 3 كيلومترات.
ولا يمكن لأي قوة عسكرية تابعة للجيش المصري أو المجموعات القبلية الوصول إلى تلك المناطق، إذ تتعرض للاستهداف المباشر، وهذا ما سُجّل طيلة السنوات الماضية وحتى في الأسابيع الأخيرة. حتى إن التنظيم استهدف موقعاً عسكرياً لحرس الحدود على ساحل رفح قبل أسابيع، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرين عسكرياً.
إنجازات للجيش المصري والقبائل بدون سيطرة تامة
وفي التعقيب على ذلك، قالت مصادر قبلية متطابقة من مدينتي رفح والشيخ زويد لـ"العربي الجديد" إن العملية العسكرية التي يخوضها الجيش المصري، برفقة المجموعات القبلية، أدت إلى تحقيق إنجازات ميدانية لا يمكن إنكارها، وتنظيم "ولاية سيناء" فَقَد مساحات واسعة من مناطق سيطرته، التي كانت تحوي نقاط قيادة وتمركز ومخابئ، ومستلزمات الحياة والقتال لفترات طويلة.
لكنها استدركت أن ذلك لا يعني السيطرة التامة على سيناء، في ظل استمرار سيطرة التنظيم على قطاعات واسعة من المحافظة، لا سيما الساحل البحري، امتداداً من رفح وحتى نهاية الشيخ زويد، نظراً إلى الطبيعة الجغرافية للمنطقة، ووعورة الكثبان الرملية فيها، والأشجار الكثيفة التي تنبت طبيعياً في تلك المناطق، وقربها من ساحل البحر الذي يمكن التحرك من خلاله.
وأضافت المصادر ذاتها أن قوات الجيش والاستخبارات المصرية التي تدير عمل المجموعات القبلية لا تفكر بالمطلق حالياً بالدخول في معركة الساحل، خوفاً من الخسائر الفادحة التي ستصيب هذه القوات، خصوصاً في ظل نزوح عدد كبير من أفراد التنظيم من جنوب رفح والشيخ زويد إلى شمالهما حيث مناطق الساحل، فيما يتمركز التنظيم في تلك المناطق منذ عام 2013، ولا سيما في السكادرة والذيبة وبلعا وغيرها.
مناطق ساحلي مدينتي رفح والشيخ زويد بأكملها تحت سيطرة التنظيم
وأشارت المصادر إلى أن قوات الجيش لم تدخل تلك المناطق منذ تسعة أعوام، وإنما يقتصر وجودها على جزء من الطريق الساحلي الرئيسي الممتد من حدود سيناء مع غزة وحتى اللسان البحري في رفح، من دون الدخول في المناطق المجاورة له، فيما يتم اعتماد الطريق الدولي للتحرك، مروراً بالحدود الفاصلة، وصولاً إلى نقاط حراسة البحر.
نشاط متواصل لـ"ولاية سيناء"
أما في مدن بئر العبد والعريش ووسط سيناء، فإن تنظيم "ولاية سيناء" لا يزال موجوداً في القرى المحيطة ببئر العبد، بعد مرور عامين على انسحابه من قرى المثلث الأخضر (قاطية وإقطية والمريح والجناين) التي كان قد سيطر عليها لأشهر، قبل أن تتمكن قوات الجيش من استرجاعها، وطرد التنظيم منها.
إلا أن عمليات التنظيم ما زالت نشطة هناك، آخرها أدت إلى مقتل 16 عسكرياً من قوات الجيش الشهر الماضي،، بالهجوم على نقطة حراسة لمشروع مياه استراتيجي تابع للقوات المسلحة المصرية، فضلاً عن تسجيل عدد من عمليات الاختطاف لمواطنين ولمركباتهم، والهجوم على مزارع تابعة لمواطنين يدّعي التنظيم عملهم لصالح قوات الأمن.
وكذلك الحال في وسط سيناء، لا يزال التنظيم يحتفظ بوجوده في أماكن وعرة في مناطق المنجم ونخل والحسنة ووادي العمرو والكونتلا والقصيمة، فيما يصعب الدخول لتلك المناطق إلا مشياً على الأقدام، وهذا من شأنه أن يزيد خسائر قوات الجيش والمجموعات القبلية المساندة له.
ولا يرى الأمن المصري أهمية في ملاحقة التنظيم هناك، لعدم تأثير ذلك على المعادلة الأمنية في سيناء، وعدم قيام المجموعات التابعة للتنظيم في تلك المناطق إلا بهجمات قليلة ونادرة، تم تسجيلها على مدار السنوات الماضية.
ويمكن لهذه المجموعات أن تصبح ذات تأثير، في حال اتجهت للإضرار بالمشاريع الاقتصادية للجيش المصري في مناطق وسط سيناء، والتي تشمل مصانع وورشاً ومحاجر وغيرها.
قوات الجيش والاستخبارات المصرية التي تدير عمل المجموعات القبلية، لا تفكر بالمطلق حالياً بالدخول في معركة الساحل
تقسيم المناطق الجغرافية في سيناء
وفي التعقيب على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إن ما يجري في سيناء هو "تقسيم للمناطق الجغرافية بين القوات النظامية والمليشيات المساندة لها، وبين تنظيم داعش الإرهابي، وفي ذلك أمر خطير، إذ إن حصر التنظيم في منطقة محددة لها منفذ مفتوح يتمثل في البحر، يشير إلى رغبة باستمرار وجود داعش في المنطقة، ولكن في نطاق محدد، وبعيد عن السكان ومناطق الاحتكاك".
وتساءل "وإلا ما سبب ملاحقة التنظيم في مناطق مغلقة، يصعب الخروج منها أو الحركة بسهولة فيها، بينما يترك في منطقة كبيرة بحجم ساحل بحر رفح والشيخ زويد، من دون ملاحقة طيلة الفترة الماضية، بما فيها فترة المعارك الأخيرة التي تمكن فيها الجيش من تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض. إذ كان الحري دفع التنظيم لترك الساحل والتوجه للمناطق المغلقة منذ السيطرة عليه بشكل كامل ومحكم".
واعتبر الباحث أن "على أجهزة الاستخبارات المصرية البدء فوراً في عملية عسكرية ذات ثقل أمني وعسكري للقضاء على وجود داعش على ساحل رفح والشيخ زويد، خصوصاً أن التنظيم في تلك المنطقة آذى قوات الأمن المصرية كثيراً، وأوقع خسائر فادحة بصفوفها طيلة السنوات الماضية، من دون التفكير بشن أي حملة عسكرية ضد التنظيم في تلك المنطقة".
وأكد الباحث أن "هناك علامات استفهام تثار من بعض مسؤولي المجموعات المساندة للجيش في سيناء، عن سبب عدم تحرك قوات الجيش أو إعطاء الموافقة على دخول مناطق البحر وتلك المحيطة بها حتى هذه اللحظة، على الرغم من جهوزية المجموعات للتحرك في تلك المنطقة فور صدور الأوامر من الجهات التي تتواصل معها".