بعد ساعات على إعلان "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) السيطرة على سجن الصناعة (غويران) في مدينة الحسكة شمال شرقي سورية، وتسليم جميع مقاتلي تنظيم "داعش" لأنفسهم، شهد السجن ومحيطه اشتباكات وعمليات قصف بمشاركة من طيران التحالف الدولي بقيادة واشنطن، حيث ظلّت تُسمع أصوات الاشتباكات، حتى صباح اليوم الخميس.
وقال مراسل "العربي الجديد" إنّ دوي انفجارات سُمع بمحيط السجن، في وقت مبكر من صباح اليوم، تلاه إطلاق نار كثيف داخل حي غويران، بالتزامن مع تحليق لطيران التحالف الدولي في سماء المنطقة، حيث يعتقد أنّ أصوات الانفجارات ناجمة عن صواريخ أطلقتها طائرات التحالف الدولي على مواقع يتوارى فيها عناصر تنظيم "داعش" والخنادق في محيط السجن.
ووفق "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، فقد قُتل 6 عناصر من "داعش" جراء استهدافهم، في وقت متأخر من ليل أمس الأربعاء، من جانب مروحية تابعة للتحالف بالرشاشات الثقيلة في المنطقة الواقعة بين مقبرة غويران وشارع الإسفنج بمدينة الحسكة، ما يرفع الحصيلة الإجمالية للقتلى منذ بدء عملية السجن، مساء الخميس الماضي، إلى 187 قتيلاً، هم: 130 من تنظيم "داعش"، و50 من قوات "الأسايش" (الأمن الداخلي التابع للإدارة الذاتية الكردية) وحراس السجن وقوات مكافحة الإرهاب و"قسد"، إضافة إلى 7 مدنيين، بحسب المرصد.
وذكر مراسل "العربي الجديد" أنه سمع إطلاق نار عند دوار الغزل في حي الصالحية بالحسكة، يُرجح أنه ناجم عن اشتباكات بين قوات "قسد" وعناصر من "داعش"، فيما استُهدف السجن نفسه بالقصف المباشر عبر ثلاث هجمات جوية أحدثت دماراً واسعاً بأقسام كبيرة من السجن، مع تحليق لطيران الاستطلاع والحربي والمروحي في سماء المنطقة، فيما تشير مصادر إلى أنّ بعض المهاجع داخل السجن تم تفخيخها من قبل عناصر "داعش".
وأضاف المراسل أنّ هناك معلومات بأنّ مساحة 15% من السجن ما زالت تحت سيطرة "داعش"، يتحصّن فيها ما يزيد عن 100 من عناصر التنظيم. وأوضح أنّ المهاجع التي كان يستعصي فيها مسلّحو "داعش" في القسم الشمالي من السجن، لم يتم تفتيشها بعد. كما لا تزال الأحياء المحيطة بالسجن غير مؤمّنة بشكل كامل، وهي مناطق قد يكون لجأ إليها عناصر التنظيم، بسبب خلوها من السكان.
وذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن مسلّحي التنظيم الذين كانوا يرفضون الاستسلام والمتحصنين في قبو في أحد مهاجع السجن، استسلموا بعد أن دفعهم الجوع إلى ذلك، إلا أنّ ذلك لا يعني السيطرة الكاملة على السجن، فهناك مهاجع وأقسام لم يتم تمشيطها حتى الآن، قد تكون تضمّ خلايا وسجناء تابعين للتنظيم.
من جهته، قال المركز الإعلامي لقوات "قسد"، في بيان له، إنه "بعد السيطرة على سجن الصناعة من قبل قواتنا، وفرض الاستسلام على حوالي 3500 من المعتقلين الذين شاركوا في الاستعصاء الأخير، وانضمام المئات منهم إلى المرتزقة الذين هاجموا السجن من الخارج، بدأت قواتنا حملة تمشيط دقيقة، ومسحاً أمنياً وعسكرياً في مهاجع السجن التي تحصن فيها المرتزقة الذين هاجموا السجن".
وتابع البيان أنّه خلال عملية التمشيط وجمع المعلومات، "كشفت قواتنا عن جيوب إرهابية مموهة ضمن المهاجع الشمالية للسجن، حيث لا يزال عدد من المرتزقة، يُتوقع عددهم ما بين 60 و90، يتحصنون فيه، ويحاولون الحفاظ على مسافة للاشتباك. وقد طلبت منهم قواتنا الاستسلام الآمن".
"قسد" تلاحق خلايا نائمة لـ"داعش" على أطراف الحسكة
كما قالت "قسد"، في بيان آخر، إنّ قواتها تلاحق "خلايا إرهابية نائمة لداعش" في الريف الغربي الجنوبي على أطراف مدينة الحسكة، وذلك ضمن حملة التمشيط واسعة النطاق التي أطلقتها، خلال الأيام الثلاثة الماضية.
وكانت وكالة "هاوار" المقرّبة من "الإدارة الذاتية" قد قالت، أمس الأربعاء، إنّ "قسد" فرضت سيطرتها الكاملة على سجن الصناعة (غويران) بعد ستة أيام من المواجهات، مشيرة إلى أنّ جميع مقاتلي تنظيم "داعش" سلّموا أنفسهم لـ"قسد"، في إطار ما سمّته "حملة مطرقة الشعوب".
وسبق ذلك إعلانات متكررة من قبل "قسد" بشأن سيطرتها على "الاستعصاء" الذي نفذه عناصر من تنظيم "داعش" داخل السجن.
حركة نزوح كثيفة من الحسكة
وشهدت مدينة الحسكة حركة نزوح لعدد كبير من سكان الأحياء التي تشهد اشتباكات باتجاه المناطق المجاورة، حيث سمحت "قسد" فقط للنساء والأطفال وكبار السن بالخروج، وبقيت بعض العائلات عالقة في منطقة المواجهات، في حين فرضت "قسد" حظراً للتجول في محافظة الحسكة، تحسّباً لفرار خلايا التنظيم والسجناء إلى خارج المدينة.
إلى ذلك، ذكر مراسل "العربي الجديد" أنّ قوات "قسد" شنّت، مساء أمس الأربعاء، حملة دهم واعتقالات في قرى أبو النيتل، والحريجي، وضمان شمالي دير الزور، استمرّت حتى فجر اليوم الخميس، اعتقلت خلالها 5 أشخاص بتهمة الانتماء لتنظيم أو التعامل مع تنظيم "داعش".
كما دهمت "قسد"، يوم أمس، بلدة الطيانة شرقي دير الزور واعتقلت 8 أشخاص بالتهم نفسها، في حين تشهد مناطق "الإدارة الذاتية" استنفاراً كبيراً لـ"قوات سورية الديمقراطية" والقوات العسكرية التابعة لها من ريف الرقة وصولاً إلى ريف دير الزور، على خلفية الأحداث الجارية في مدينة الحسكة.
التحالف يحذر: "داعش" يمثل خطراً وجودياً للمنطقة
في غضون ذلك، حذر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، من أنّ تنظيم "داعش" لا يزال يشكل خطراً "وجودياً" للمنطقة. وقال المتحدث باسم التحالف اللواء جون برينان، في بيان له، أمس الأربعاء، إنّ "السجون المؤقتة في جميع أنحاء سورية تشكل أرضاً خصبة لفكر "داعش" الفاشل"، داعياً إلى ضرورة التحقيق "بدقة في الظروف التي سمحت بهذا الهجوم".
وأكد برينان، أنّ التحالف يقف إلى جانب الشركاء في قوات "قسد" "الذين قاتلوا بشجاعة وتصميم في الحسكة"، معتبراً أنّ "المشكلة ليست داخل هذه المدينة فقط، بل هي مشكلة عالمية تتطلب تضافر جهود العديد من الدول لتطوير حلّ دائم طويل الأمد". وأضاف "بينما لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به في الحسكة، فإننا لا نزال ملتزمين بتقديم المشورة والمساعدة والتمكين لشركائنا العراق وشمال شرق سورية".
روسيا تطلب تدخل مجلس الأمن
من جانبه، أعلن النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي، أنّ موسكو طلبت عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن الهجمات التي شنها تنظيم "داعش" شمال شرقي سورية.
ونقل موقع "روسيا اليوم" عن بوليانسكي قوله، في تصريح للصحافيين: "نشعر بقلق عميق إزاء التقارير المتعلقة بهجمات "داعش" الأخيرة في شمال شرق سورية"، مشيراً إلى أنه تم طلب عقد اجتماع لمجلس الأمن اليوم الخميس لبحث هذه التطورات.
وأضاف أنّ موسكو طلبت عقد اجتماع منفصل من المتوقع أن يتم خلاله الاستماع إلى تقرير نائب الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس إدارة مكافحة الإرهاب بالمنظمة فلاديمير فورونكوف، وممثلين آخرين عن الأمانة العامة للأمم المتحدة حول آخر التطورات في شمال شرق سورية.
اتّهامات من النظام لـ"قسد" والتحالف
وبدوره، رأى مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة بسام صباغ، أنّ "ما شهدته مدينة الحسكة من هجوم لإرهابيي داعش، والمجازر التي ارتكبتها مليشيا قسد، وتدمير طيران الاحتلال الأميركي البنى التحتية، تأتي في إطار محاولات واشنطن إعادة تدوير تنظيم "داعش"، وإعطاء مبرّر لبقاء قواتها في ضوء تعاظم المطالبات المحلية والدولية بخروجها من الأراضي السورية".
وقال صباغ، خلال جلسة لمجلس الأمن، أمس الأربعاء، "إن ما جرى ويجري في مدينة الحسكة يستدعي من مجلس الأمن النظر بشكل عاجل في تداعيات هذه الأحداث الخطيرة الناجمة عن جرائم تنظيم داعش، ومليشيا قسد، وقوات الاحتلال الأميركي، وعن إصرار حكومات بعض الدول على عدم تحمل مسؤولياتها في استعادة إرهابييها وعائلاتهم المحتجزين في مخيمات ومراكز اعتقال في شمال شرق سورية، ومحاكمتهم"، وفق قوله.